عندما يتحول اسم المرأة إلى ادعاء أخلاقي مشبوه

عندما يتحول اسم المرأة إلى ادعاء أخلاقي مشبوه

بقلم د/سماح عزازي

في زمنٍ لم تعد فيه الكلمات مجرد حروفٍ تُقال، بل صدى يعكس صورة المجتمع، تأتي بعض التصريحات لتوقظ فينا سؤالًا مؤلمًا: إلى أي مدى لا يزال البعض يخلط بين الأدب والتمييز؟ بين الحياء والطمس؟ حين يصبح اسم المرأة “عارًا” يُهمس به ولا يُقال، بينما تُغضّ الأبصار عن الأذى الحقيقي الذي تتعرض له كل يوم في الشارع، وفي العمل، وفي الوعي الجمعي.

تصريح الفنان مراد مكرم لم يكن مجرد رأي عابر في برنامج أو دردشة جانبية، بل كان مرآة لموروث ثقافي خطير، يُلبّس التمييز ثوب الأدب، ويُغلّف الإهانة بورق الحياء المزيّف… وهنا يصبح الصمت جريمة، والردّ ضرورة.

في زمن تتعدد فيه المنابر وتتشابك فيه الأصوات، يصبح من السهل أن تختلط القيم الحقيقية بركام التقاليد، وتتماهى الثقافة مع ما يُسوّق على أنه “أدب”. ولعلّ ما صرّح به الممثل مراد مكرم مؤخرًا عن أن “زمان كانوا يعتبروا العيب إنك تنادي الست باسمها في الشارع، مش إنك تغلط معاها”، يستحق التوقف والتحليل، لا من باب الهجوم الشخصي، ولكن من منطلق أخلاقي وثقافي يلزمنا أن نردّ حين تُمسّ كرامة المرأة باسم “الحياء الزائف”.

يا أستاذ مراد،
دعني أقولها ببساطة لا تنفي البلاغة:
العيب مش في “اسم الست”، العيب في اللي بيحول الست إلى “تابو” لا يُنطَق، في مجتمعات مازالت ترى المرأة ظلًّا للرجل، لا كيانًا له وجود وصوت واسم.
تخيل فقط أن تُختزل قيمة الاحترام في طمس الاسم، لا في صون الكرامة! أن ترى أن مجرد نداء “يا فاطمة” أو “يا سعاد” في الشارع هو خرقٌ لقيم الأدب، بينما التحرش، والنظرات، والكلمات البذيئة، تمرُّ بسلامٍ تحت عباءة “العادات”.

لو كان احترام المرأة يُقاس بكتم اسمها، لكان أولى أن يُطمس ذكر السيدة مريم، والسيدة خديجة، والسيدة عائشة رضي الله عنهن جميعًا… لكنّ القرآن ذكر أسماءهن وسيرتهن بكل إجلال، وجعل ذكرهن تعليمًا وقدوة، لا شيئًا نخجل من تكراره. بل وخلّد الله في محكم التنزيل اسم امرأة صالحة واحدة: مريم، لأنها كانت كرامة كاملة في جسد امرأة.

أما حديثك الساخر من عبارة “البنت زي الولد”، فلا أراه إلا استخفافًا بجملة نابعة من صميم العدالة الإنسانية، كتبها شاعر بحجم صلاح جاهين، لا ليُساوي في “التركيبة الجينية” بين الجنسين، بل ليُنصف المرأة التي طالما حُرمت من حقوقها في عالمٍ يُربّي الولد ليقود، والبنت لتُقاد.

الاحترام يا أستاذ مراد لا يُقاس بالصمت، بل بالوعي.

ولا يُترجم بكتمان اسم المرأة، بل بصون كرامتها إن غابت أو حضرت.
والمجتمعات لا ترتقي حين تخشى على “سمعة البنت” من اسمها، بل حين تربي أبناءها على احترام المرأة كإنسان، لا ككائن هشّ يجب لفّه بالصمت حتى لا “ينفضح”.

ثمّ، حين تستند إلى ما “علمك أهلك” من أنك لا تنادي البنت باسمها في الشارع، فدعني أقول لك: ليس كل ما علّمنا إيّاه أهلنا مقدّس.

ففي بيوت كثيرة، للأسف، تعلّم الأبناء أن ختان البنات “ستر” و”طهارة”، والآن نحاكم هذا الفعل كـ جريمة ضد الجسد والإنسانية.

وفي بيوت أخرى، كانت “الضربات” تأديبًا، واليوم نسمّيها عنفًا أسريًا.
فالتربية وحدها لا تبرّر المفاهيم، إن لم تكن مصحوبة بميزان عقل وعدالة.

رد الاستاذ مراد مكرم – ما قاله بنفسه
في منشور عبر حسابه الرسمي على فيس بوك، شدّد مراد مكرم على موقفه الواضح من نداء النساء بأسمائهن في الأماكن العامة، قائلاً:
“بوست النهاردة مش هيعجب جماعة البنت زي الولد ماهيش كمالة عدد… بس أنا اتعلمت في صغري إنك عيب لما تنده ست أو بنت في مكان عام باسمها.”

وأضاف:
“مش لأنه عورة ولا كل الكلام اللي بيتقال دلوقتي، ولكن لأنه كان عيب تعرف الشارع كله والمحيطين بيكم باسم البنت أو الست.”

بهذه التصريحات، يُسلّط مراد الضوء على تجربة تربوية شخصية نشأ عليها من “قِبل أهله”، ويمثل موقفًا اجتماعيًا يرى فيه أن الحفاظ على الحياء يُمارس عبر كتمان الاسم، لا عبر طمسه.

تحليل شخصي لما قاله
ردّ الفنان، رغم وضوحه، يفتقد إلى فهم عميق للدلالة الرمزية لاستخدام الاسم.
نداء “يا فاطمة” أو “يا آية” هو إقرار بالوجود والكيان، وليس خرقًا للحياء.

إن ادّعاء أن المحيطين “يتعرفون” على المرأة باسمها يتجاوز حدود الخصوصية، لأنه يحمل إسقاطًا على أن النطق بالاسم هو فضيحة بحد ذاته.

إذا كانت التربية مرتبطة بالموروث الاجتماعي فقط، دون إعادة نقده واعية، فإنها لا تنتقل إلّا بالجمود، وتُوِّلد جيلًا يخشى النطق بالحقيقة، يخشى الاعتراف بالبشرية في نصف المجتمع.

ثمّ دعني أعود إلى موقعك كفنان…
الفنان لا يُطلب منه أن يكون فقيهًا، ولكن يُنتظر منه أن يكون منصفًا، إنسانيًّا، مدافعًا عن القيم التي لا تسحق الآخر.
والشهرة، مع أنها منبر، ليست تصريحًا لتقنين التمييز، أو التنظير لثقافة القمع بأدب مزيف.
وإذا كنت تجد أن “الطبيخ” مجال لا يحتاج للتنظير، فاعلم أن فن الطهي — الذي برعت فيه — هو إبداع حقيقي لا يُنتقص من قيمة أحد، بعكس هذا النوع من التصريحات التي تُظهر ثقافة لا تليق بشخصيتك التي عرفناها مرحة، محترمة، بعيدة عن التصنيف.

حين يتحول العيب إلى جريمة… نموذج ختان الإناث
والحقيقة أن هذه العقلية التي تخلط بين الأدب والطمس، ليست جديدة على مجتمعاتنا. لطالما جرى تسويق مفاهيم مشوّهة على أنها قِيم، وأُلبس الجهلُ ثوبَ الحياء، وتحولت الجريمة إلى فضيلة مزعومة.

ولن أذهب بعيدًا… خذوا مثال ختان الإناث.
كم من بيوت رددت تلك العبارة الكارثية: “نحميها… نصونها… نحفظ شرفها”، بينما في الحقيقة كانوا يمارسون عليها أبشع صور العنف الجسدي والنفسي تحت شعار “العفة والأدب”.
ختان الإناث جريمة موثّقة في تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، جريمة يُجمع الفقهاء والعلماء على أنها لا تمتّ إلى الدين بصلة، بل هي عادة جاهلية فرعونية تسللت إلى بعض المجتمعات باسم التربية.

فإذا كان من تعلّم أن نداء اسم المرأة “عيب”، يظن أنه يمارس الأدب، فليتذكر أن هذا النوع من التربية هو نفس البيئة التي سوّغت ختان البنات، وضرب النساء، ووأد الحريات باسم الشرف.
والحقيقة الصادمة أن ما لم يستطع الجهل أن يبرره بالدين، حاول أن يسوقه باسم الأدب والحياء… لكنه في جوهره قمع منظّم مغلّف بورق الحياء الزائف.

العيب، كل العيب، ليس في نداء اسم المرأة، بل في هذا التواطؤ الجمعي مع ثقافة تُقنّع العنف على أنه فضيلة.

من حيث أقف… رؤيتي واضحة لا تقبل التجميل
من حيث أقف، لا أرى في هذا الطرح سوى انعكاسٍ صارخ لمجتمع يحترف تجميل القبح، وتزييف الحقيقة، وتسويق التمييز على أنه فضيلة، والسكوت على الظلم على أنه أدب.
يا سادة، حين يتحول اسم المرأة إلى جرم لفظي، فهذه ليست أخلاقًا… بل تواطؤ مقنّع مع ثقافة القمع.

وحين نرتدي ثوب الحياء الزائف لطمس وجودها، فإننا لا نحميها كما يدّعون، بل نُقزّمها، ونختزلها في ظل، في همس، في خوف، في وصمة لا يليق بها أن تُلصق بها أصلًا.

أنا — وكما يعرفني من يعرفني — لم ولن أقبل يومًا أن أكون شاهدة زور في مسرحية الأخلاق الكاذبة التي تُقدَّم للناس على أنها عادات وتقاليد. تلك العادات التي لم تنجب يومًا إلا القهر، والجهل، وطمس الهويات، وتوارث الذلّ باسم الطاعة، والجهالة باسم الشرف، والعجز باسم الأدب.

ما العيب في أن أنادي امرأة باسمها؟!
أليست هي نفس المرأة التي يرفع الرجل عينيه إلى السماء حين يدعو لها: “يا رب احفظ أمي… يا رب ارحم خديجة، وأغفر لعائشة، واشفِ فاطمة…”؟
هل الدعاء مباح ونداء الاحترام ممنوع؟ أم أن الأسماء فقط تصلح للقبور وللحزن، لا للحياة وللحديث وللحضور؟

الاحترام الحقيقي يا أستاذ مراد، لا علاقة له بإخفاء الاسم، بل كل علاقته بإظهار قيمة الإنسان في حضوره وغيبته.
وهل هناك أشرف من اسم أمك؟ هل هناك أعظم من اسم أختك؟ هل هناك أقدس من اسم زوجتك، أو ابنتك؟
إذا كان اسم المرأة يزعج مسامعكم، فالعيب ليس في الاسم… بل في المسامع التي اعتادت على أن تسمع القبح ولا تنزعج، وترى الظلم ولا تتحرك، وتُطربها النكتة السخيفة، ولا تزعجها كلمة تحرّش في الشارع، لكنها تنتفض حين تُقال كلمة “يا فاطمة” أو “يا آية” أو “يا سلمى”!

العيب كل العيب أن نخلق أوطانًا لا تتسع لأسماء نسائها، لكنها تتسع لخطابات الكراهية، وأحاديث التقليل، وفقه العيب الذي لم ينزل الله به من سلطان.

أما أنا، فأعلنها بوضوح، لا تجميل، ولا مداراة، ولا تزويق:
اسم المرأة شرف، نطقه واجب، واحترامه فرض، وحمايته جزء من الدفاع عن كرامة هذا الوطن الذي لا ينهض بنصف شعبه، بل بكل شعبه… رجالًا ونساء، بأسمائهم، بوجودهم، بكرامتهم كاملة.
ومن لم يعجبه أن نقول “البنت زي الولد”، فربما عليه أن يعيد تعريف مفاهيمه عن الإنسانية أولًا، قبل أن يتحدث عن الأدب، وعن الأخلاق، وعن الموروث.

المرأة في الإسلام… اسمها شرف ووجودها كرامة
في خضم هذا الجدال الذي يختزل احترام المرأة في طمس اسمها، يغيب عن كثيرين أن الإسلام لم يربط يومًا كرامة المرأة بإخفاء صوتها، أو اسمها، أو وجودها. بل جاء الإسلام ليحرر المرأة من ثقافة الوأد المادي والمعنوي، ويرفع عنها أغلال الجاهلية التي كانت تعاملها كمتاع يُشترى ويُباع، أو ظلٍّ لا يُرى ولا يُسمع.

كيف يكون اسم المرأة عيبًا، والله جلّ في علاه، سمّى سورة كاملة باسم “مريم”؟ سورة خالدة تُتلى إلى يوم القيامة، تكرّم امرأة اصطفاها ربها وطهّرها ورفعها فوق نساء العالمين. وكيف يُقال إن ذكر اسم المرأة خرق للحياء، والنبي الكريم محمد ﷺ كان يذكر أسماء زوجاته على الملأ:

قال: “خذوا عني مناسككم” وروى عن عائشة رضي الله عنها عشرات الأحاديث، وكان يُشير إليها بفخر ومحبة أمام الصحابة والأمة.

وكان يفاخر بحبّه لزوجته قائلًا صراحة: “إني رزقت حبها” عن خديجة رضي الله عنها، ويفتخر بذكرها حتى بعد وفاتها.

بل إن أول مؤمنة في الإسلام، وأول من آمن برسالة النبي، كانت امرأة: خديجة بنت خويلد.
وأول شهيدة في الإسلام كانت امرأة: سمية بنت خياط.
وأول من رفع راية العلم والفقه في بيت النبوة كانت امرأة: عائشة رضي الله عنها.

أي جهل هذا الذي يُريد أن يعيدنا إلى جاهلية تُلصق العار باسم المرأة، في حين أن الإسلام أعاد للمرأة صوتها واسمها ومكانتها، لتكون نصف المجتمع في التكليف، وفي الكرامة، وفي الأجر، وفي الإنسانية الكاملة؟

المرأة في الإسلام ليست كيانًا مسكوتًا عنه، بل حاضرة في القرآن والسنة، في التاريخ والحضارة، في بناء الأمة والدفاع عنها. ومن يفهم أن احترامها يبدأ بإخفاء اسمها، فليعلم أن ذلك احترام زائف، يُخفي تحته جهلًا بثقافة الإسلام التي كرّمتها، وأعلت قدرها، وجعلت اسمها رمزًا لا عيبًا.

المرأة في المسيحية… منبع الطهر وقلب الرحمة

ولأن الحق لا يتجزأ، فإن الإنصاف يقتضي أن نذكّر بأن المرأة في المسيحية أيضًا ليست كيانًا معيبًا، ولا ظلًا يجب أن يُحجب أو يُطمس، بل هي قلب الرسالة، وأصل الحكاية، ونبع الرحمة.

يكفي أن ترفع المسيحية اسم “مريم العذراء” إلى أعلى مقامات الطهر والقداسة، لتكون أيقونة النقاء، ورمزًا خالدًا في كل الكنائس، والصلوات، والتراتيل. لا تخلو كنيسة في الأرض من صورة للعذراء مريم، ولا تخلو صلاة مسيحية من ذكرها وتقديسها.

كيف يكون اسم المرأة عيبًا، والمسيحية جعلت مريم فوق البشر إلا ابنها؟ كيف يُفهم أن احترام المرأة يمر عبر إخفاء اسمها، والإنجيل ذاته مليء بأسماء النساء اللاتي كنّ جزءًا من رحلة الإيمان والرسالة؟

مريم المجدلية، التي وقفت مع المسيح عليه السلام في أصعب لحظات محنته.

إليصابات (زوجة زكريا)، وأم يوحنا المعمدان، التي بشّرها الإنجيل بولادة نبي.

نساء كثر ذُكرن في الأناجيل كشاهدات على الصلب، وعلى القيامة، وعلى المعجزات.

المسيحية لم تُدن المرأة، بل أدانت الظلم الذي تعرضت له، وأعلنت أن المحبة أكبر من الخطيئة، وأن الرحمة تعلو فوق الأحكام القاسية. فكيف لبعض العقول اليوم أن تُحاكم اسم المرأة كأنه عورة، بينما الإيمان المسيحي جعلها عنوانًا للطهر والأمومة والرحمة؟

الحقيقة أن ما يُمارَس على المرأة اليوم من محاولات طمس هويتها أو تحويل اسمها إلى همس خائف، لا يمتُّ لا للإسلام ولا للمسيحية، بل هو إرث اجتماعي مريض، تحالَف فيه الجهل مع العادات، ورفع شعار الأدب المزيف على أنقاض الكرامة الحقيقية.

وفي جوهر الإيمان… اسمها شرفها ووجودها كرامتها
في نهاية المطاف، حين ننظر بعين الإنصاف إلى جوهر الأديان، نجد أن كرامة المرأة ليست مسألة جدل، بل حقيقة راسخة في صميم الرسالات السماوية. الإسلام رفعها إلى مقام الطهر والاصطفاء، فجعل اسم “مريم” سورة تتلى، وجعل ذكر “خديجة” و**”عائشة”** و**”فاطمة”** شرفًا للأمة لا يُدنس. والمسيحية رفعتها إلى مصافّ الطهارة الأبدية، فجعلت العذراء مريم أمًّا مقدسة، أيقونة للرحمة والقداسة في الأرض والسماء، وحفرت اسمها في الصلوات، والأدعية، والقلوب.

أمام هذا النور الإلهي الذي منح المرأة شرف الاسم وكرامة الحضور، يبدو مؤلمًا ومخجلًا أن نجد في عصرنا من ما زال يظن أن اسم المرأة خطيئة، أو أن نداءها بصوت مسموع عار. لا، ليس هذا حياءً، ولا دينًا، ولا أدبًا، بل انحدار فكري وأخلاقي يليق بظلمات الجهل، لا بأنوار الحضارة.

الحقيقة الجلية أن المرأة لم تكن يومًا نصف المجتمع كما يقال، بل كانت أصل المجتمع وجذره وقلبه النابض بالحياة.

هي من حملت الأنبياء في رحمها.

وهي من وقفت في الصفوف الأولى للحق والرحمة والإيمان.

وهي من خُلِدت أسماؤها في الكتب السماوية لتكون للعالمين ذكرى، وللقلوب نورًا.

فأي عقل مريض، وأي فكر سقيم، بعد كل هذا، يجرؤ على أن يُحرّم اسمها، أو أن يختزله في عيب؟!
المرأة اسمها شرف، ونداؤها حق، ووجودها كرامة. ومن لا يعجبه ذلك… فمشكلته ليست مع النساء، بل مع الإنسانية نفسها.

وفي النهاية، إن كنا نبحث عن الأدب، فليكن أدبًا لا يُهين، ولا يُقصي، ولا يُخجل من اسم امرأة وُلدت حرة، وعاشت شريفة، واسمها شرف لها ولمن ينطق به. فالأسماء ليست عيبًا، بل هي أول ما نُعرف به، وهي ما سيُكتب على قبورنا، وعلى أبواب حياتنا، وفي دعوات أمهاتنا… فلا تنزعوا من المرأة حقها في اسمها، لأنه ببساطة، أضعف الإيمان في الاحترام.

إن كنا حقًا ننشد الأدب، فليكن أدبًا يُعلى من قيمة الإنسان، لا أدبًا يطمرها تحت أنقاض العادات البالية. اسم المرأة ليس عورة، ولا نقيصة، ولا خرقًا لقوانين الأدب، بل هو عنوانها الأول في الوجود، ووسمُ فخر على جبينها.
ومن لا يستسيغ عبارة “البنت زي الولد”، فليعلم أنه لا يعترض على شعار، بل يعترض على مبدأ إنساني، وأساسٍ من أسس العدالة.
يا أستاذ مراد، ثق أن احترام المرأة يبدأ باسمها… وينتهي بكرامتها كاملة غير منقوصة.
فإما أن نكون في صفّ العدالة والإنسانية، أو نظلّ أسرى لماضٍ لا يُورث إلا القهر.
وبينما يبقى فنّ الطبخ إبداعًا بلا سقف، يبقى التنظير دون وعي مجرّد ضوضاء لا تغني عن الحقيقة شيئًا

الهوامش والمصادر:
1. اسم المرأة في القرآن والسنة:
ذكر اسم السيدة مريم صراحة في القرآن الكريم أكثر من 24 مرة، وجُعل لها سورة كاملة باسمها، هي السورة الوحيدة في القرآن التي تحمل اسم امرأة، وهو تكريم إلهي لا مثيل له.

أسماء مثل خديجة، عائشة، فاطمة، حفصة، زينب، أم سلمة، مذكورة في كتب الحديث والسير والفقه، ولم يكن هناك يومًا في التاريخ الإسلامي تحريم أو تحفّظ على ذكر أسماء النساء.
المصدر:
القرآن الكريم – سورة مريم.
صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب ذكر النساء في المجالس.
ابن هشام، السيرة النبوية، ج1 وج2.

2. “البنت زي الولد” من تراث صلاح جاهين:
الجملة الشهيرة “البنت زي الولد” مأخوذة من أحد أبيات شعر صلاح جاهين في رباعياته التي تدعو للعدالة الاجتماعية، وارتبطت هذه العبارة بالحركات النسوية المصرية والعربية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
المصدر:
رباعيات صلاح جاهين، إصدار دار الشروق، طبعة 2005.
لقاءات تليفزيونية مع صلاح جاهين حول قضايا المرأة والمجتمع.

3. فكرة أن نداء اسم المرأة عيب، هو موروث اجتماعي وليس ديني:
الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية تؤكد أن ثقافة تحريم ذكر اسم المرأة في المجالس أو أمام الغرباء، ظهرت في بعض المجتمعات العربية في سياقات قبلية مرتبطة بثقافة الشرف والعيب، ولا أصل ديني لها.
المصادر:
د. نوال السعداوي – كتاب “المرأة والجنس”، دار الآداب، بيروت، 1972.
د. فاطمة المرنيسي – كتاب “الحريم السياسي”، دار الفارابي، 1991.
دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر بعنوان: “تحولات مفهوم الشرف في المجتمعات العربية”، 2018.

4. ختان الإناث… جريمة باسم العادات:
منظمة الصحة العالمية (WHO) تصنف ختان الإناث كـ جريمة ضد حقوق الإنسان، لا أصل ديني لها في الإسلام، بل هي عادة فرعونية قديمة انتقلت عبر المجتمعات بفعل الجهل والتوارث الاجتماعي.
المصادر:
تقرير منظمة الصحة العالمية حول ختان الإناث – 2020.
دار الإفتاء المصرية – فتوى رقم 261 بتاريخ 2008: “ختان الإناث عادة وليست عبادة، ومرفوض دينيًا وأخلاقيًا”.
الأزهر الشريف – تصريح الإمام الأكبر أحمد الطيب: “ختان الإناث لا أصل له في الشريعة الإسلامية، وهو مضر جسديًا ونفسيًا”، 2017.

5. الفنان ودوره الثقافي:
دور الفنان في المجتمعات لا يقتصر على الترفيه، بل يمتد إلى تعزيز القيم، ومحاربة التمييز، ونشر الوعي. التاريخ المصري شاهد على فنانين وقفوا ضد القهر الاجتماعي، مثل يوسف وهبي وسناء جميل وغيرهم.
المصادر:
كتاب “الفن والمجتمع” – تأليف د. جابر عصفور، الهيئة العامة للكتاب، 2003.
دراسات أكاديمية منشورة في مجلة الفنون الشعبية، العدد 125، 2015.

مراجع إضافية موثوقة للتدقيق:
موقع دار الإفتاء المصرية الرسمي: www.dar-alifta.org
موقع الأزهر الشريف الرسمي: www.azhar.eg
موقع منظمة الصحة العالمية (WHO): www.who.int
المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – مصر: www.ncjs.gov.eg