بعد الميزان، يحدد المسار

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وسبحانه أكبره تكبيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين، وخلفائه والتابعين له بإحسان له إلى يوم الدين أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن يوم القيامة وعن أهوال هذا الموقف العظيم، وإن الميزان يعتبر من أشد المواقف في هذا اليوم العظيم، حيث قالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ” هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال أما في ثلاث مواطن فلا يذكر أحد أحدا، عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه، أم يثقل وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع على ظهر جهنم حتى يجوز” وبعد الميزان يتحدد المصير ويعرف كل إنسان ما له أو عليه فإما الجنة أو النار.
ثم مآله إلى الجنة إن كان موحدا أو الخلود الأبدي السرمدي للكافرين، فيؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فمن كان يعبد الشمس يتبعها ومن كان يعبد الطواغيت، فيتساقطون في النار فورودهم للنار دخولهم فيها حيث قال الله تعالي عن فرعون ” يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ” وكما قال تعالي ” إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون، لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها و كل فيها خالدون” وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيقال لهم ماذا تنتظرون؟ لتتبع كل أمة ما تعبد، قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا، فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون نعم، فيكشف عن ساقه فيسجدون إلا من كان يسجد رياء فلا يستطيع، فتأمل التصاق المنافقين بالمؤمنين.
وقال سليم بن عامر ما يزال المنافق مغترا حتى يقسم النور، ويميز الله بين المؤمن والمنافق، فيضرب الصراط على متن جهنم، ويعطى المؤمن والمنافق نورا للعبور فإذا إستووا على الصراط سلب الله نور المنافقين فقالوا كما يقول تعالي” انظرونا نقتبس من نوركم ” ثم يضرب السور ليحجز بين المؤمنين والمنافقين فإذا دخل المؤمنون وإستكملوا أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة، وقال مجاهد كان المنافقون مع المؤمنين أحياء وأمواتا، ويعطون النور جميعا يوم القيامة، ويطفأ نور المنافقين إذا بلغوا السور، ويمايز بينهم حينئذ، والجسر دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس في نار جهنم، فقوله “دحض مزلة ” هما بمعنى واحد.
وهو الموضع الذي تزل فيه الاقدام ولا تستقر أما الكلاليب فهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور، وأما الحسك فهو شوك صلب من حديد وأما السعدان فبفتح السين واسكان العين وهو نبت له شوكة عظيمة والجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف، وقال ابن مسعود في قوله تعالي ” نورهم يسعى بين أيديهم ” قال على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل وأدناهم من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ أخرى ” وقال ابن عباس ” ليس أحد من أهل التوحيد إلا يعطى نورا يوم القيامة، فأما المنافق فيطفأ نوره، فيشفق المؤمن من ذلك ويقول ” ربنا أتمم لنا نورنا ” فمرورهم على الصراط بحسب ما معهم من النور، والنور بحسب أعمالهم، فمنهم من يضئ له نوره ومنهم من يطفأ ويضيئ ومنهم من يطفأ بالكلية وهم المنافقون، ثم قسمهم إلى ثلاثة أقسام، قسم يسلم فلا يناله شئ أصلا، وقسم يخدش ثم يسلم، وقسم يكردس فيسقط في جهنم.
ظهرت المقالة بعد الميزان يتحدد المصير أولاً على جريدة الصوت المصرية.