إيران عقب الهجوم الأمريكي: هل نشهد بداية الفوضى النووية الخفية؟

بقلم: أشرف ماهر ضلع
في خطوة مفاجئة أعادت خلط أوراق الصراع في الشرق الأوسط، شنت الولايات المتحدة هجومًا خاطفًا على عدد من المنشآت النووية الإيرانية، في ما اعتبرته واشنطن وإسرائيل “ضربة وقائية” لاحتواء ما تصفه بـ”الخطر النووي الداهم”.
لكن الرد الإيراني لم يكن بالصواريخ، بل برسالة سياسية دقيقة وغامضة في آن: الإعلان عن تهريب كميات من اليورانيوم المخصب إلى مواقع سرية أكثر أمانًا. والرسالة هنا واضحة: لم تكن الضربة نهاية الحلم النووي، بل بداية مرحلة جديدة أكثر دهاءً وتخفيًا.
■ مراوغة نووية بنكهة إيرانية
طهران أرادت أن تؤكد للعالم أن مشروعها النووي لم يُقصف، بل تم “نقله” إلى مرحلة أخرى أكثر تعقيدًا، حيث المنشآت المتنقلة، والمعامل الموزعة، وشبكات سرية قد تكون داخل الأراضي الإيرانية أو خارجها، في دول حليفة أو تحت الأرض.
وبذلك تتحول الرقابة الدولية من مراقبة منشآت معلومة، إلى محاولة تتبّع أشباح في فضاء معتم، وهو ما يزيد من حالة الشكوك والتوتر في المنطقة، ويفتح أبواب التصعيد على مصراعيها.
■ بين السيادة والإصرار
رغم الهجمات المتتالية، تصر إيران على مواصلة برنامجها النووي، وتتمسك بحقها فيما تسميه “السيادة النووية”.
وبينما تؤكد طهران أن برنامجها سلمي، تُجمع دوائر استخباراتية غربية على أن النية الإيرانية تتجاوز الأغراض السلمية، لا سيما في ظل التجارب الصاروخية المستمرة والتقارير المتداولة عن تخصيب اليورانيوم بدرجات تتجاوز الاتفاق النووي.
■ إسرائيل وتكتيك “الضربة الأولى”
منذ سنوات، تتبع إسرائيل ما تسميه “سياسة الضربة المبكرة”، وهي عقيدة تطورت من منع الانتشار إلى إزالة الخطر قبل نضوجه.
وقد تجلت هذه السياسة ليس فقط في قصف المنشآت، بل في حرب العقول، التي استهدفت بها طهران مباشرة، فاغتالت علماء ذرة في وضح النهار، في تكرار لأساليبها مع العراق في تسعينيات القرن الماضي.
■ واشنطن وتكرار أخطاء العراق؟
الهجوم الأمريكي الأخير يعيد إلى الذاكرة غزو العراق عام 2003، عندما اعتمدت الإدارة الأمريكية على تقارير استخباراتية تبيّن لاحقًا زيفها.
لكن الفرق هذه المرة أن إيران لا تنكر امتلاك البرنامج، بل تدافع عنه وتطوره بعناد. فهل تكون إيران ضحية مبالغات، أم أنها تخفي بالفعل “القنبلة المؤجلة”؟
■ سيناريوهات مفتوحة… والمنطقة على صفيح ساخن
في ظل هذا التصعيد، تتراوح السيناريوهات بين:
تصعيد عسكري واسع يشمل عمليات انتقامية إيرانية عبر وكلائها في العراق وسوريا ولبنان، وضربات إسرائيلية جديدة.
عودة إلى طاولة المفاوضات بشروط جديدة، قد تكون أكثر تشددًا.
حرب باردة جديدة تدار بالاستخبارات والاغتيالات، لا بالدبابات.
لكن السيناريو الأخطر هو أن تتحول المنطقة إلى ساحة تصفية حسابات دولية، في ظل غياب تسويات دائمة، وارتباك أدوار القوى الكبرى.
■ مصر.. الدولة المتوازنة وسط نيران الشرق
في خضم هذا الصراع، تبرز مصر كصوت عاقل متزن. فهي لم تنخرط في الاصطفافات الحادة، لكنها تراقب الموقف عن كثب، وتعمل على كبح الانفجار المحتمل عبر دبلوماسيتها الهادئة.
وبينما تمارس بعض الدول عبث القوة، تتمسك مصر بثوابتها في دعم الاستقرار الإقليمي، ورفض عسكرة الصراع على حساب الشعوب.
■ ختامًا: لا غالب بالقوة
الدرس الأهم مما يحدث اليوم هو أن القوة وحدها لا تصنع الأمن، وأنه لا يمكن لطرف أن يفرض سيطرته الكاملة على الشرق الأوسط.
الطريق الوحيد للنجاة هو وقف التصعيد، وتحييد الطموحات المتضاربة، وبناء معادلة توازن رادعة تحفظ سيادة الجميع دون أن تدفع الشعوب الثمن.