سيمون… عندما تعبر الروح وتظهر الرحمة: رسالة سماوية من فنانة متألقة.

الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في زمنٍ كثرت فيه الضغوط، وتعالت فيه أصوات المقارنات، وتعمّقت فيه جراح النفوس الباحثة عن ذاتها، ظهرت الفنانة والمطربة المصرية سيمون بلمسة روحانية ملائكية، لتقدم لجمهورها رسالة من نوع آخر… رسالة ليست لحناً يُغنّى، ولا دوراً يُمثَّل، بل صوت من الداخل، نابع من عمق الإيمان، مفعم بثقة هادئة، وسكينة نادرة، تبثها في قلوب من اختنقوا من قسوة العالم، لتقول لهم، بكل محبة: “أنتم كما يجب أن تكونوا”.
منشورها الذي يحمل عنوانًا بسيطًا: “رسالة من الله”، لم يكن مجرد كلمات تُنسى أو تُتخطى في زحام السوشيال ميديا، بل هو نداء داخلي موجه لكل من يشعر بعدم الكفاية، لكل من يظن أن عليه أن يتغير ليحظى بالقبول، لكل من يقارن نفسه بغيره ناسياً أنه خُلق فريدًا… تماماً كالعصافير التي تتنوع أجنحتها، وأشكال مناقيرها، وخصائصها، كلٌّ وفق ما قدّره الله له ليعيش بطريقته، ويطير في فضائه، ويؤدي رسالته دون قلق أو تقليد.
سيمون، بفطرتها النقية، وبإحساسها العالي، استطاعت أن تختزل تعقيدات علم النفس، ونظريات التطوير الذاتي، وكتب التحفيز، في منشورٍ بسيط، لكنه مليء بالرسائل المشعة بالنور، وكأنها تقول لنا جميعًا: “انظروا إلى العصافير… هل تظن أن الله خلقها صدفة؟ كل تفصيلة في أجسادها، منحنية منقارها، خفة ريشها، حتى زاوية جناحها، جاءت بدقة إلهية كاملة… وكذلك أنتم، خلقكم الله بقدرٍ، وبنيةٍ، ومواهب، وصفات، لتلعبوا أدوارًا لا يمكن لأحد غيركم أن يلعبها”.
ليس غريبًا على فنانة مثل سيمون أن تحمل هذه الرؤية، فهي لم تكن يومًا أسيرة الشكل أو أسرار الشهرة المؤقتة، بل كانت دومًا روحًا متفرّدة، تسير على وتيرة خاصة بها، فنية، فكرية، وإنسانية. ظهرت على الساحة الفنية كمطربة وممثلة، لكنّها ظلت محتفظة بجمالها الداخلي، بشخصيتها الهادئة العميقة، وبهذا الإيمان الثابت بأن لكل إنسان قيمة، وأن التميّز لا يعني التشابه، بل الاختلاف الجميل الذي أراده الله.
وها هي اليوم، لا تشارك جمهورها صورة بملابس لافتة، ولا مقطعاً غنائياً حديثاً، بل تنشر صورة إيمان، مرآة لروحها، ومرساة لأرواحنا التي تائهة. تقول لنا دون أن تنطق: “أنتم كالعصافير… قد خُلقتم بنعمة، وجمال، وتفرّد… فلا تسمحوا لأحد أن يكسركم، أو يغيّركم لتشبَهوا غيركم”.
كم نحن بحاجة اليوم إلى هذه النوعية من الرسائل، خاصة إذا صدرت من شخصية عامة ذات تأثير، فالنجومية لا تعني فقط القدرة على الأداء، بل الأعمق من ذلك: النجومية الحقيقية هي أن تكون قدوة، أن تُنير، أن تُلهِم، أن تذكّر الناس بجوهرهم الذي ربما نسوه وسط ضجيج المقارنات ودوّامات النقد.
في منشورها، تحدثت سيمون إلى كل من يشعر بأنه ناقص، بأنه ليس كافياً، بأنه لا يشبه المعايير، وقالت لهم بكل بساطة، وصدق: “لقد خُلِقتَ بشكلٍ دقيق، كما أرادك الله، لا عبث فيك، ولا صدفة في صفاتك، ولا خطأ في طبعك”.
كم من الأرواح بكت أمام هذه الكلمات؟ كم من القلوب استشعرت الدفء؟ كم من الفتيات نظرن لأنفسهن في المرآة وابتسمن لأول مرة دون أن يحاكمن وجوههن؟
ربما لا تعرف سيمون كم من الناس مسّتهم كلماتها، لكنها حتماً تعرف أن الله لا يضع في القلب رسالة دون غاية. ولعلّها أرادت فقط أن تهمس في آذان متابعيها: “أنتم موهوبون، محبوبون، مقدَّرون، بالضبط كما أنتم”، وهنا يكمن الفرق بين فنان يقدّم فناً، وفنان يُقدّم نوراً.
وفي الختام، تبقى سيمون نموذجًا لفنانة تعرف جيدًا أن الشهرة الحقيقية لا تُقاس بعدد المتابعين، بل بعدد القلوب التي تُلامسها. فشكرًا لها، لأنها ذكّرتنا بجمال خلقنا، وبأننا لا نحتاج إلى أن نكون أحدًا غير أنفسنا، بل فقط أن نكون على طبيعتنا، بكل ما فينا، لأن الله لم يخطئ حين صنعنا.