نضجتُ أثناء غيابك من مجموعة شعرية بعنوان ‘امرأة لا تنتظر’

بقلم د/سماح عزازي
لا شيءَ أصعبُ مِنْ وداعٍ صامتٍ
فيهِ انطفأتَ… ولم أُطفِئْ وجَعِي
لا شيءَ أبهى مِنْ انكسارٍ ناضجٍ
يمشي على مهلٍ، ويُخفي أضلُعي
كنتَ الحضورَ، وكانتِ الأيامُ بي
ترتادُ وجهكَ، لا ترى أيَّ اتّساعِ
لكنني لما افتقدتُك مرّةً
عرفتُ من أكونُ… من دونِ ادّعاءِ
ما خِنتُ نفسي، بل وفيتُ لعاطفـي
ورفعتُ أنثى لم تُهِنْ يومًا ولائي
لم أنثنِ رغم الجراحِ، فكلّما
ضاقتْ بيَ الأيامُ، شقَّ النورُ دائي
صوتي الذي خافتتَهُ في حضرتك
عادَ إليَّ الآنَ… حرًّا في ندائي
نضجتُ في غيابكَ… لا ملامَ على الهوى
إن لم يكنْ قد ضمَّنا تحتَ الغطاءِ
نضجتُ حينَ خذلتَني… فتكشّفتْ
كلُّ المرايا، وانتهى زيفُ الرجاءِ
فشكرتُ قلبي أنه لم ينكسرْ
بل صارَ أقوى… من وجوهِ الأنبياءِ
هلّا رأيتَ الآنَ من كنتَ تُرى؟
مرآةُ ضعفٍ، لا رفيقًا في ابتلائي
هلّا شعرتَ الآنَ كيفَ حروفيَ
تنمو… وتُورِقُ دون ظلٍّ في خفائي؟
خذْ ما تبقّى من حكايتنا، وقلْ:
“كانتْ هنا أنثى، تفوحُ بنقائها”
قد كنتُ أُقسمُ إنك الأوحدُ الذي
تسقي خطايَ، وتحتويني في عنائي
واليومَ أُقسمُ أنني ما عدتُ بي
طفلَ الهوى… أو غيمةً في سمائك الجائي
كنتَ امتدادَ الحلمِ في رئتي، فما
نفعُ التنفُّسِ في فضاءٍ خائنِ الماءِ؟
لكنكَ اخترتَ الجفاءَ، فكان لي
في كلّ صمتٍ ضوءُ وعيٍ بادِيَ
أنتَ الذي قالَ: “احبيني إلى
أن ينتهي الوقتُ الجميلُ بدائي”
لكنهُ الوقتُ انتهى من دون أن
تُدركْ بأنّي كنتُ أُبقي الضوءَ حيّـا
واليومَ أمضي… دون ذكرى تشتهي
صوتَ الرجوعِ… أو النداءِ العاشيَ
نضجتُ… أجلْ
حتى اعتلى حزني صدى
لم يخذلِ التعبيرَ أو يهوى البكاءَ
واستقبلتْ أنفاسيَ الأولى، كما
تستقبلُ الأرضُ المطرْ… بعد الجفاءَ
فخذْ اعتذاري إن سَكَنتُكَ ذاتَ يومٍ
كنتَ فيهِ… أقلَّ من كلّ الوفاءَ
مقطع ختامي بنغمة قوة وطمأنينة:
أنا لستُ من يُبقي على حبٍّ إذا
خانَ النقاءَ… وكانَ ظلًّا للرياءَ
أنا منُ نضجتُ… وعانقتْ نبضَها
وبَنَتْ لنفسِ هواهُ من ضوءِ اكتفاءَ
فامضِ بسلامٍ، لا وداعَ يليقُ بي
أنا منْ ودَّعْتُكَ… قبلَ حرفِ الانطفاءِ
قد كنتُ يومًا في حضورك وردتي
تُزهِي بظلّكَ… لا تخافُ منَ الجَفا
واليومَ، إن جفَّ النسيمُ ببابنا
أطلقتُ قلبي من قيودِ التأسفا
ما عدتُ أرجو في خطاكَ ملامحًا
ترتادُ قلبي، أو تُعيدُ تألُّفا
أنا لستُ ظلًّا من حنينٍ ضائعٍ
بل موجةً… علَّمتُ بحرَك كيفَ يَغشى
لم أتعلّقْ بالسرابِ، وإنّما
أيقنتُ أن الصبرَ قاربُ من نجا
وسقيتُ حزني بالكرامةِ واقفةً
كالنخلِ، لا تنهارُ إن طالَ المدى
لم يخذلِ النبضُ الأصيلُ بذاكرتي
لكنني قد خذلتُ الوهمَ إذْ سَكنا
سافرتُ من وجعي، وكنتَ حقيبتي
حتى رَمَيتُكَ… حين ضاقَ بي العَنَا
إن كنتَ تسألُ: هل أحبّتني؟ فقلْ
نعم، ولكنْ… لم تُهنْ نفسَها لِنَا
أبني قصيدي من صدى أنفاسيَ
لا من كلامٍ ما استحقَّ قصيدتي
وأعيدُ ترتيبَ الحياةِ بخاطري
فالحبُّ يبدأُ… حيثُ تنتهي شتاتي
إنّي اكتفيتُ بنورِ ذاتي، فانتهى
زمنُ الرجاءِ… وموعدُ الالتفاتي
فدعِ القصيدةَ في ختامِك واقفةً
تزهو… كما تزهو الخيولُ العارفة
أنا من نسجتُ الحلمَ من تعبي، ولم
أجعلْ لقلبي عندَ ضعفِكَ واقفة
أمضي، وأعلمُ أنني لن أنثني
أنثى إذا اشتدّتْ، تعودُ مشعلة
أنا لستُ ذكرى في خزانةِ عابرٍ
ينسى إذا ما غابَ بعضُ دفاتري
أنا التي كتبتْ على جرحٍ لها
“من لم يَصُنْ… لا يستحقُّ مشاعري”
لا تسألِ الأمواجَ عن لونِ السُّرى
فالضوءُ في أعماقِها… من صبري
ما كنتُ أُخفي الوجعَ، لكنّي به
صغتُ الحروفَ كأنّها تاجُ الشذا
وكسرتُ في عينيكَ أسطورةَ الأسى
فمضيتَ لا تدري بأنّي قد نَمَا
في كلّ خذلانٍ عرفتُ حقيقتي
ومضيتُ أُصغي للندى… لا للظِّما
هل تذكرُ الأيامَ؟ كيفَ نسجتني
أنثى تفيضُ على الغيابِ تألُّقا؟
كم مرّةٍ قلتَ الهوى دربُ الندى
فتركتني للريحِ… وحدي أُغلقا
لكنني، بالرغم منكَ، عرفتني
وسموتُ فوقَ الشكِّ حتى أشرقَا
أنا لا أبيعُ الحلمَ إلا حُرَّةً
تبني على ألمِ الوداعِ ممالكَا
قد قمتُ من وجعي، وكنتَ رمادَهُ
لكنّ رمادي صارَ وهجًا بارقَا
واليومَ إن تسألْ: “أما زلتِ الهوى؟”
فأنا الهوى… لكنْ لقلبي خافقَا
لا شأنَ لي بمن ارتضى شبهَ الهوى
أو من غوى… كي يستقيمَ تعلقَا
أنا منْ سقتْ من دمعِها معنى النُّضوج
ولم ترُدْ كيدَ النوى مُتعلّقَا
أنا من تعلّمتُ الفِراقَ بلا نَدَمْ
وتركتُ للحبِّ الحقيقيِّ طُرُقَا
فامضِ كما شئتَ، الطريقُ أمامَنا
كلٌّ سيسلكُ ما يليقُ بخُطا
أما أنا، فبكلِّ صمتٍ قد مضيتُ
نحوَ انعتاقِ الروحِ… لا نحوَ البُكا
فلتنتهِ القصَّةُ… ولكنْ سَطْرُها
الأخيرُ… أنا، وقد بدأتُ الابتدا
فلتنتهِ القصَّةُ… ولكنْ سَطْرُها
الأخيرُ… أنا، وقد بدأتُ الابتدا
أنا منْ إذا ما هزَّها طيشُ الهوى
تثبتْ… وتغزلْ من وجيعَتها المدى
أرنو لأعلى… لا أعيدُ تلفُّتي
إن خانَ دربي من ظننتهُ الهدى
ما عدتُ ألهثُ خلفَ وعدٍ زائفٍ
أو أرتجي ظلَّ السرابِ ليستَوى
أحيا كما شاءَ اليقينُ بداخلي
وأسيرُ وحدي، لا أهابُ التَّجَفِّيَا
فأنا ابنةُ الضوءِ الذي في مهجتي
قد علَّمتْني أن أكونَ سَماوِيَّا
ما كنتُ أبحثُ عن ملاكٍ غادرٍ
بل كنتُ أُهدي من سُكوني سَكَنَا
لكنهم لم يعرفوا سرّ الوفا
فرحلْتُ عنهم… حينما فُقِدَ المعنَى
ولم أعدْ تلك التي ترجو اللقاءْ
أنا من ودَّعتُهم… دون أن يُدرِكَنَا
فارحلْ بسلامٍ، لا مكانَ لقصَّةٍ
إن لم تكنْ فيها الحروفُ نقيَّة
ما زلتُ أكتبُني على قممِ الندى
وأُعانقُ الأمواجَ في حريَّتيَ البهيَّة
ولا تنادِيني إذا لاقيتَ ظلمَكْ
أنا لم أعدْ إلا لنفسي… وفيَّة
وإذا مررتَ بموطني ذاتَ الأسى
فلا تفتِّش عن ظلالِ حكايتي
أنا لم أعدْ في الأرضِ ظلًّا ناعِمًا
أنا المطرْ… إن شئتَ رَعدَ نهايتي
كلُّ الحكاياتِ انطوتْ… إلا أنا
ما زلتُ أنبضُ في امتدادِ حكايتي
اختمْ سكوتَك… بالصلاةِ على الندى
وامضِ، فإني لن أعودَ كما أنا
أنا لستُ أنثى لا تزالُ معلّقةً
في نصفِ حبٍّ… أو صدى ما كانا
أنا أنثى اكتملتْ، وعادتْ شامخةً
لا تنتظرْ… لا تندمْ… لا تُهانا
ظهرت المقالة نضجتُ في غيابك من ديوان “انثي لا تنتظر” أولاً على جريدة الصوت المصرية.