بعيداً عن المألوف: أمينة النقاش تتناول حكمة حلاق بغداد الغائبة

بعيداً عن المألوف: أمينة النقاش تتناول حكمة حلاق بغداد الغائبة

لم أندهش من أن كثيرين فى أوساط الرأى العام لم يصدقوا المبررات التى ساقها الإعلام الرسمى، عن السبب الحقيقى للاستقالة المفاجئة للنابهة الدكتورة “مشيرة خطاب “من رئاسة المجلس القومى لحقوق الإنسان، التى يحفل سجلها فى المناصب الرسمية التى سبق أن تولتها بالإنجاز. ومع أن المبرر يبدو منطقيا، ويعود كما ذكر بيان للمجلس القومى، لرغبة السفيرة خطاب فى الترشح لمنصب دولى، إلا أن أحدا لم يتطوع ليبين للرأى العام حكمة الاستقالة الآن، خاصة أن مدة رئاستها للمجلس سوف تنتهى بعد أشهر قليلة نهاية العام الحالى . وهل ثمة تعارض يحول دون بقائها فى موقعها، وتقدمها فى الوقت نفسه للترشح للمنصب الدولى، لاسيما ووزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد، التى تستعد لتولى منصبها الدولى الجديد كسكرتير تنفيذى لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، ماتزال تمارس عملها الوزارى .

ومع ذلك لم نعدم بعض التلميحات السخيفة فى التقارير الصحفية التى ربما تهدف إلى تبرير الاستقالة، وهى تشير إلى تراجع التصنيف الدولى لمجلس حقوق الانسان إبان رئاستها، من الفئة ألف إلى الفئة باء، وكأنها يمكن أن تكون مسئولة وحدها عن هذا التراجع الذى، يحكمه المناخ العام الذى يعمل فى ظله المجلس، وقد بدا جليا، أنه يخلو من التناغم الضرورى بينه وبين السلطات التنفيذية المعنية بتنفيذ قراراته وتوصياته .

فضلا عن أن قضية حقوق الإنسان فى مصر منذ ثورة 30 يونيو ، صارت هدفا لترصد المؤسسات الدولية المعنية بتلك الحقوق، التى جنحت إلى تسيسه، واستخدامه كأداة ضغط على الدولة، بعدما اخترق عملها، معارضون مصريون فى الخارج، مقربون من التنظيم الدولى لجماعة الإخوان. بالإضافة إلى التقصير الناجم عن أن من يوكل إليهم رسميا،عرض هذا الملف فى تلك المنظمات، كانوا مجرد موظفين يسددون خانات وكأنهم فى رحلة ترفيهية، ويفتقدون فى كثير من الأوقات إلى الخبرة والكفاءة والتحلى بالمسئولية .

لكن كل ما سبق لا ينفى أننا أمام ظاهرة خطرة، تتمثل فى انعدام الثقة بين الرأى العام وبين الخطاب الرسمى للحكومة والدولة. فالحكومة تتحف المواطن يوميا بعشرين تصريحا عن عشقها للقطاع الخاص واستقبالها لممثليه، وسعيها لدعمه والاستجابة الفورية لبحث شكواه وحل مشاكله. فيما المواطن يبيت ويصحو على مصائب الغلاء ورفع أسعار الخدمات، وتكريم وزير التعليم لشروعه فى تنفيذ نظام الكتابيب، والبدء فى خصخصة مرافق وزارة الأوقاف، وحديث مأفون عن تشريع برلمانى لتحرير العلاقة بين المالك والمسأجر فى السكن، وطرد الرهبان من دير سانت كاترين المسجل كتراث عالمى فى منظمة اليونسكو، وأزمة فى العلاقات مع اليونان يعلنون حلها، دون أن نعلم أسبابها سوى من إعلام خارجى، قال لنا إن الدير يتبع الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية . ذلك وغيره من الأمور التى أربكت المجتمع ، وأورثته قناعة أن من يملك نفوذ السلطة وسطوة المال يستطيع أن يحنى هامات المستحيل، وأن يمرر خرافة أن انسانا انتحر بأربع رصاصات، وأن الفيل يمكن لفه فى المنديل !

فى مسرحيته “حلاق بغداد”، يروى لنا ألفريد فرج قصة الحلاق البغدادى الظريف “أبو الفضول ” أحد شخصيات ألف ليلة، والذى تحمل شخصيته كثيرا من اسمه. لكنه غير ما نعرف عن سماجة الفضوليين. فهو فضولى شهم، يحب الناس لوجه الله ، ويتقدم بفروسية لنصرة الفقراء والضعفاء. ويقحم نفسه فى شئونهم ليس تطفلا، بل رغبة فى مساعدتهم على حل مشاكلهم فى معارك الحياة اليومية غير المتوازنة بين أقوياء وضعفاء .وقد دفعه حسن نواياه ،لأن يفقد رخصة عمله أكثر من مرة، إلى أن تحول إلى مهنة الشحاذة، التى لاتحتاج ممارستها إلى رخصة . واتاح له عمله حمالا لنقل الأمتعة، فرصة ممارسة فضوله مع أصحابها، وأدخله فى علاقات متعددة بعلية القوم الذين يحكمون البلاد. وبدهائه يتمكن من إفشال زواج وزير الدولة الشيخ المزواج من فتاة جميلة تعشق شابا فقيرا ، ويطمع أبوها القاضى، فى نفوذ الوزير وثروته، ليتزوج العاشقان من بعضهما، ويغضب القاضى ويسحب منه رخصة عمله .

ويمثل أبو الفضول أمام الخليفة لكى يدلى بشهادته، فى قضية أرملة جميلة استولى على مالها شهبندر التجار، وطمع فى عرضها أمين سر المحكمة . لكنه طلب من الخليفة قبل ذلك، أن يمنحه منديل الأمان حتى لاينتقم من يزورون له الحقائق ويحكمون باسمه منه، وأن يمنحه كذلك لكل أفراد رعيته، فيستجيب الخليفة، ويحكم لصالح الأرملة وليكتشف أثناء ذلك فساد مساعديه، ويعلن بغضب: بينما أنا أحكم بالعدل وبالحق فى قصرى، تنتهك الحقوق فى الشارع ، ويرتكب رجالى مظالم على رعيتى !

فمن ياترى يوزع مناديل الأمان على الرعية، ليصل صوتها إلى قصر الأتحادية !؟