لقطات: د. جودة عبدالخالق يكتب عن انتهاء السياسة في مصر.. انتخابات بلا خيارات!

لقطات: د. جودة عبدالخالق يكتب عن انتهاء السياسة في مصر.. انتخابات بلا خيارات!

هاتفنى أحد الأصدقاء وصوته يشى بأن أمرا جللا يؤرقه. تصورت أنه سيحدثنى عن تواطؤ بعض بنى يعرب ضد الفلسطينيين، أو عن مأساة “بنات العنب”، أو عن حادثة خروج القطار عن القضبان، أو عن مسلسل حريق سنترال رمسيس، أو عن تمرير تعديل قانون الإيجار القديم في ظلام الليل، أو تصرفات “النوفو ريش” في الساحل الشرير، أو مشاركة حكومتنا السنية في إحياء موسم العلمين الجديدة، أو … أو … .  لكنه لم يفعل. وبقى صوته مزيجا من الضيق والقلق والغضب، وبعض العتاب. “خير، إيه الحكاية يا أبوحميد؟” رد صديقى في استياء واضح: “إزاى التجمع يدخل الانتخابات مع الناس إياهم؟” هو يقصد قرار حزب التجمع دخول انتخابات مجلس الشيوخ ضمن القائمة إياها مع الناس إياهم، حسب قوله.

أكدت لصديقى أننى طبعا غير راض عن هذا الوضع التعيس. ولكنى أراه الحصاد المر للسرقة الثانية للثورة على يد نظام المحاسيب، والنتيجة الحتمية لفشل الحوار الوطنى في فتح المجال العام.  وفي أكثر من مناسبة قلت إن مصر تعيش منذ 2014 مرحلة الاختطاف الثانى لثورة يناير. فبعد الاختطاف الأول على يد جماعة الإخوان خلال 2012-2013، جاء هذا الاختطاف الثانى على يد بقايا نظام مبارك ورأسمالية المحاسيب، وبمشاركة الجيش. فرأسمالية المحاسيب، التى استمرت تهيمن على مفاصل الاقتصاد المصرى من خلال الاحتكارات فى شتى القطاعات، تمكنت من التسلل الى المجال العام والسيطرة عليه تدريجيا منذ 2014. وتأكدت هذه السيطرة فى الانتخابات البرلمانية الى جرت فى 2020 بحصول حزبى مستقبل وطن وحماة وطن على الأغلبية الحاسمة. وستستمر في الانتخابات الوشيكة.

فيما مضى، كنا نتحدث عن التجريف السياسى، بمعنى جعل التربة السياسية “سَبَخْ” بلغة الفلاحين أمثالى. (الأرض السبخ لا ينمو فيها زرع). أما الآن، فيجب أن نتحدث عن موت السياسة في المحروسة. لقد مات الجسد السياسى لمصر، ولم يبق مسموحا للمصريين من حديث إلا ثلاثية “الكورة والدين والنميمة”. في هذا المناخ غير السياسى ترسخ نظام الانتخاب بالقائمة المطلقة المغلقة، وظهر اختراع “القائمة الوطنية من أجل مصر” وخرج ترزية القوائم بمنظومة دوائر انتخابية تقضى على الصلة التى يجب أن تقوم بين المرشحين والناخبين (مثلا: دائرة تضم الصعيد كله من الجيزة حتى النوبة، وأخرى تضم القاهرة وجنوب ووسط الدلتا). من هنا جاء اختراع سياسى عبقرى اسمه “القائمة الوطنية من أجل مصر”.  وبالمناسبة، هذه القائمة هي التي ستنافس نفسها بنفسها في انتخابات مجلس الشيوخ.

وفى الختام، ذكّرت صديقى بالدراما الحزينة للحوار الوطنى. هذه العملية التي انطلقت منذ حوالى 3 سنوات. لقد رفعت سقف التطلعات لتغيير إيجابى في حياة مصر والمصريين. وشاركنا فيها بحسن نية، وشارك فيها كل أطياف المصريين، وخرج منها بتوافق كل الأطراف توصيات في المحور الاقتصادى موجودة أمام الحكومة منذ مارس 2024. هذه التوصيات لم ينفذ منها شئ، رغم الوعود المتكررة من رئيس الحكومة بالتنفيذ. وفى المحور السياسى كنا نجاهد في الحوار الوطنى لتغيير النظام الانتخابى بحيث نأخذ بنظام يجمع بين الانتخاب الفردى والقائمة النسبية، بدلا من القائمة المطلقة المغلقة. لكنا وجدنا معارضة شديدة من حزبى مستقبل وطن وحماة وطن ولهم أغلبية كاسحة في البرلمان. ولذلك فإن الانتخابات الحالية في ظل القائمة المطلقة هي تعيين بطعم انتخاب. يعنى سلب الناخبين إرادتهم وحقهم في الاختيار. يعنى صفقات صغيرة على مستوى (كراتين وفلوس مقابل صوت)، وصفقات كبيرة على مستوى آخر (فلوس مقابل حصانة ونفوذ).

 إعتراف:

أعترف أننى كلما تابعت مشاهد المجزرة المروعة لأهلنا في غزة ونحن العرب لا نحرك ساكنا، أشعر بالعجز والمهانة.