محمود الحضري يكتب: «مركز رمسيس» والتحديات والاصلاحات

محمود الحضري يكتب: «مركز رمسيس» والتحديات والاصلاحات

بقلم: محمود الحضري

دخلنا مرحلة الهدوء بعد حريق سنترال رمسيس، ولكن تبقى تأثيرات الحريق ممتدة بنسب مختلفة، في منظومة الاتصالات بكل أنواعها، ووفقا لمعلومات مؤكدة سيظل العديد من فرق العمل والتي تضم خبراء ومهندسين وفنيين في قطاع الاتصالات يواصلون العمل لإعادة ضبط المنظومة التي تأثرت بشكل واضح.

وسيظل حريق سنترال رمسيس وتداعياته درسا مهما في قطاع الاتصالات، وسيتحول إلى تجربة ضمن المناهج الدراسية في كليات الاتصالات، ومواجهة الأزمات، أو ما يدخل ضمن خلية الأزمة في الكوارث، وحتما سيخرج الخبراء بدروس ستتضمنها الكتب والبحوث، بل سيأتي يوم تتم مناقشة دراسات ماجستير ودكتوراه حول تجربة سنترال رمسيس المركزي، وكيف تم التعامل معها، ومخاطر التركيز على سنترال دون غيره.

القضية وأن كانت قد تعاملت معها الحكومة بكل الوسائل لمعالجة كل تداعياتها، إلا أنها أثبتت وجود خلل ما في منظومة الاتصالات، بالرغم من تأكيدات الحكومة مرارا أن سنترال رمسيس ليس وحده هو محور الخدمات في قطاعه، إلا أن ثبت بالدليل والواقع أنه الأساس في العديد من الخدمات، وهو ما بدى واضحا في العديد من الخدمات، التي أما انقطعت لساعات أو أيام، أو تلك التي ظل أداؤها ضعيفا لبعض الأيام.

محاولة الهروب والنفي والتأكيد على أن كل شيء تمام لم تكن موفقة من بعض المسئولين، بل هي التي فتحت المجال لحالة القلق التي أصابت الشارع، وفتحت الباب أمام الاجتهادات، بل والتشكيك في كل شيء، وفي أداء منظومة الاتصالات، والتي هي جزء من الأداء الحكومي، والذي نال نصيباً من الانتقادات في الفترة الأخيرة تزامناً مع حوادث الطرق الأخيرة، خصوصا على الطريق الدائري الأوسطي.

الاتصالات لم تعد رفاهية في وقتنا هذا بل هي كل شيء، فكل الخدمات العامة أصبحت مربوطة بخدمات الاتصالات، ونسمع كلمة “الشبكة واقعة” في أي وزارة ومؤسسة وهيئة وبورصة وبنك، وشركة، وحتى مكتب بريد أو منفذ تحصيل رسوم مياه أو غاز أو كهرباء، وهو ما يعني أن ملخص الحياة في كلمة “اتصالات” أو بالتعبير المتداول “شبكة”.

لا يمكن التقليل من أهمية سنترال رمسيس، ويدرك الجميع أن الجمهورية سيخدمها أكثر من 1670 سنترالاً موزعة على محافظات ومدن الجمهورية، وهناك منظومة عمل لتوزيع خدمات الاتصالات لكل إقليم ومنطقة، ولكن هناك تواصل بين مختلف السنترالات، وهناك سنترالات مركزية، ومن هنا جاء التأثير الواضح لسنترال رمسيس، الذي أصيب بحريق مفاجئ، وتأثيره الأكبر كان ومازال على القاهرة الكبرى.

محاولة البعض إلقاء المسئولية على أطراف محددة لم يكن له معنى ولا سند، ولكن حتماً هناك من يتربص بأي خطأ ليوظفه لأغراض خاصة، وبالتالي لماذا نوفر مثل تلك الفرص، بمحاولة التقليل من الحادث، أو إثارة أمور لا تخدم الوطن في مرحلة ترصّد من أطراف عديدة من الداخل والخارج.

وتوجيه الانتقاد لأداء الحكومة، لا يعني الانتقاص من الجهود المبذولة هنا وهناك، ومن غير المقبول اتخاذ مثل هذا الانتقاد المسئول على أنه عداء، فالانتقاد جزء من النصيحة والتوجيه للإصلاح، ومن غير المنطقي أن يتحول الأمر إلى معارك على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض على أنه مؤامرة، فالأهم أن يتم التعامل مع أي رؤى على أنها للمصلحة العامة.

ومن الملفت للنظر أنه الأيام الأخيرة شهدت جدلاً وتلاسناً بين شخوص في شكل معارك واتهامات، وحالة من الانقسام، لدرجة وصلت إلى مراحل تدخل في نطاق الاتهام بالعمالة لأعداء في خيال كل طرف، فيما يظل الغائب، أن الهدف من الجميع هو مصلحة الوطن.

وكشف الحريق عن أهمية شفافية المعلومات في التناول للأزمات، وأثبتت أهمية المطالبات التي لم تتوقف بشأن ضرورة تداول المعلومات بكل حرية والإدارة الإعلامية الرشيدة لمثل تلك القضايا والطارئة، ولم يعد هناك أي مجال لإخفاء أي معلومة، منعاً لأي لبس أو التباس، في ظل عالم مفتوح على مصراعيه للمعلومات.

حريق “سنترال رمسيس”، يؤكد ضرورة الاستفادة منه في وجود مركز أزمات لا يعمل بالصدفة، بل يكون قائما وبمشاركة وبتمثيل من كل الوزارات والمؤسسات، وليس مجرد مركز على الورق وللديكور، وهو ما أثبتته تجربة حوادث الدائري الأوسطي، وسنترال رمسيس العتيق.

أصبح من الضروري، وجود مراكز خدمة احتياطية ليس في قطاع الاتصالات فقط، بل في مختلف القطاعات، وهو المتبع في المجتمعات الحديثة، تجنباً لأي أزمات طارئة، وتقليلاً للخسائر التي تقدر بملايين الدولارات.

هناك حاجة لإعادة تقييم مستوى قطاع الاتصالات بمختلف خدماته، والوقوف على نقاط الضعف والقوة، لتعظيم الأفضل، وتحسين الضعيف والأضعف، مع توزيع جديد لخريطة خدمات السنترالات المحورية.