إبراهيم نوار يكتب: الحكومة لم تجتاز الامتحان الخامس بنجاح والصندوق يمنحها “فرصة جديدة”!

*إبراهيم نوار يكتب:الحكومة لم تنجح في امتحان المراجعة الخامسة والصندوق يمنحها “فرصة للإعادة”!
فشلت الحكومة في الحصول على علامة النجاح من صندوق النقد الدولي في المراجعة الدورية الخامسة لقرض التسهيلات الممددة الموقع بتاريخ 16 ديسمبر 2022 لمدة 46 شهرا المقرر أن ينتهي في العام القادم. و للتغطية على فشلها توسلت لوقف نشر تقرير المراجعة مؤقتا. عدم نشر التقرير يفيد الحكومة في عدم تعقيد الوضع المالي، ومنحها مهلة حتى خريف العام الحالي لمحاولة إنقاذ الموقف، وإجراء الإصلاحات المربوطة بالقرض الذي قرر الصندوق زيادة قيمته من 3 مليارات الى 8 مليارات دولار بعد نحو 15 شهرا من إقراره. الأسباب الرئيسية وراء فشل اتمام المراجعة الخامسة تتمثل في تراخي الحكومة في التخارج من الأنشطة الاقتصادية، والبطء في تنفيذ إجراءات تحقيق الشفافية، خصوصا فيما يتعلق بالرقابة المالية على الشركات المملوكة لأجهزة الدولة، والتردد في تنفيذ سياسة ضريبية لزيادة الإيرادات من خلال إلغاء مزايا الإعفاءات الممنوحة لصناديق تملكها الدولة وكذلك استثمارات مملوكة لمستثمرين أجانب، وعدم كفاية الموارد المخصصة للحماية الاجتماعية، مما أدى إلى اتساع نطاق الفقر، وعدم تحسن مؤشرات القضاء على الأمية. وقررت بعثة صندوق النقد الدولي بعد عودتها إلى واشنطن، وإعادة تقييم الوضع تأجيل المراجعة الخامسة إلى خريف العام الحالي. وربما يمتد الموعد إلى نهاية العام. ومن ثم فإن حصول مصر على الشريحتين الأخيرتين من القرض بقيمة 1600 مليون دولار تقريبا، (ربما تصل الى 2 مليار دولار) قد يتأخر حتى نهاية العام. ومن المرجح بعد ذلك إقفال القرض، وربما إغلاق ملف اقتراض مصر من الصندوق، إلا إذا احتاجت الرجوع إليه مرة أخرى.
قرض للإصلاحات الهيكلية
الهدف الأولي لهذا القرض على وجه التحديد هو توفير التمويل اللازم لإجراء إصلاحات هيكلية في بنية الاقتصاد وليس لتمويل احتياجات الإنفاق العام. ومن المفترض أن القرض الذي حصلت عليه مصر في نوفمبر 2016 قد حقق نتائج إيجابية كبيرة حسب التقرير النهائي الذي أصدره الصندوق، من حيث تخفيض التضخم ونسبة الدين العام من الناتج، ورفع معدل النمو. وقد نبه التقرير إلى أهمية الإصلاحات الهيكلية في المحافظة على تلك النتائج، وحذر من إمكان ضياعها في حال التراخي عن إدخال الإصلاحات المطلوبة. في هذا السياق قال ديفيد ليبتون، القائم بأعمال العضو المنتدب ورئيس مجلس إدارة صندوق النقد الدولي في يوليو 2019: “لقد أكملت مصر بنجاح الترتيب لمدة ثلاث سنوات بموجب تسهيل الصندوق الممدد وحققت أهدافها الرئيسية. لقد تحسن الوضع الاقتصادي الكلي بشكل ملحوظ منذ عام 2016، بدعم من تمسك السلطات ببرنامجها الإصلاحي وإجراءات السياسة الحاسمة المسبقة. لقد نجحت الإصلاحات الاقتصادية الكلية الحاسمة في تصحيح الاختلالات الخارجية والداخلية الكبيرة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي والانتعاش في النمو والتوظيف، ووضع الدين العام على مسار تنازلي واضح.”
وبعد خمس سنوات من شهادة ديفيد ليبتون، أكد نايجل كلارك نائب مدير عام الصندوق في عام 2024 على ضرورة التحول إلى نموذج اقتصادي جديد لتعزيز القدرة على الصمود، والتشجيع على تحقيق نمو ديناميكي شامل تقوده الصادرات. وقال كلارك أن هذا التحول يمكن أن يتحقق فقط من خلال العمل بحزم على تقليص بصمة الدولة في الاقتصاد، وتحقيق تكافؤ الفرص، والسماح ببلوغ أسعار الطاقة مستويات استرداد التكلفة، ومعالجة قضايا الحوكمة والشفافية، وأن يتمكن القطاع الخاص من أن يصبح المحرك الأساسي للنمو. وعلى الرغم من تلك التحذيرات فإن الحكومة مضت في الاتجاه العكسي، مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم، وزيادة حصة الإنفاق العام من الناتج، واتساع عجز الميزانية وعجز الحساب الجاري، وزيادة نسبة الدين الخارجي من الناتج بحوالي ثلاث مرات تقريبا إلى 46.1% مقابل 17.1% في نهاية قرض الصندوق لعام 2016.
عودة الأموال الساخنة
ولا تبدو الصورة حاليا مبشرة مع الارتفاع الصارخ في قيمة خدمة الدين العام (الأقساط والفوائد)، وعودة أسعار الفائدة على أدوات تمويل الدين العام للارتفاع من جديد، الأمر الذي يحد من قدرة البنك المركزي على تخفيض أسعار الفائدة، على الرغم من الاتجاه النزولي لأسعار الفائدة في العالم كله. وتشير أرقام الاقتراض المحلي الحكومي في الشهر الماضي إلى قفزة هائلة في قيمة أذون الخزانة، إذ وصلت الى ما يقرب من 286 مليار جنيه تقريبا في الأسبوع الأخير من الشهر. ومن الواضح أن حاجة الحكومة للاقتراض أدت إلى قبول بيع الأذون بنسبة عائد تقترب من 30% بزيادة تتراوح بين 5 إلى 6 نقاط مئوية عن سعر العائد على الإيداع والاقتراض المحدد بواسطة البنك المركزي. هذه الزيادة تخدم مصلحة أصحاب الأموال الساخنة، الذين يتنقلون بسرعة من عملة إلى أخرى حسب ارتفاع العائد الممكن الحصول عليه. ومن ثم فإن دخول أموال ساخنة الى مصر في الأسبوع الماضي ليس علامة ثقة في الاقتصاد كما يشيع البعض، وإنما هو علامة ضعف، سوف تؤدي الى توليد ضغوط قوية على الجنيه من ناحيتين: ناحية داخلية ترتبط بزيادة معدل التضخم، وناحية خارجية بتخفيض قيمة الجنيه عندما تهرب هذه الأموال الساخنة لأي سبب طارئ في الأجل القصير. وفي الأجل المتوسط ليس أمام الحكومة للحصول على تمويل خارجي ملائم غير زيادة الجباية المحلية والتوسع في الاقتراض من الخارج. ومن المرجح أن يؤدي موقف صندوق النقد الدولي إلى رفع تكلفة الاقتراض، حتى لو كان ذلك بواسطة الصكوك الإسلامية، وهو نظام من التمويل يتطلب وجود ضمانة عينية إضافة إلى العائد المرتفع.