ماجدة موريس تكتب: أنغام كابول

فيلم لم أتخيل أن أراه عن الموسيقى ومحبيها وعن الراغبين فى تعليمها من أطفال وشباب وشابات فى كل مكان فى العالم. ولكن «الموسيقى فى كابول» يقدم لنا ما لا نتخيله عن علاقة جماعة فى مجتمع ببقية أفراد هذا المجتمع، أنه ليس فيلما عن طريقة جديدة لتعليم الموسيقى للأجيال الجديدة، ولكنه فيلم عن الصراع على حقوق الناس فى محبة الفن وتعلمه ضد كارهى الفن والموسيقى، فيلم عن مطاردة من يحاول تعلمها والفتك به فى دولة أفغانستان التى استطاع هذا الفيلم الوثائقى الذي عرضته قناة الوثائقية مساء الأحد الماضي الكشف عن هذه الوقائع من خلال جهد كبير لمخرجه ومنفذيه للبحث والتقصي داخل هذه الدولة، حيث توجد جماعة طالبان، وللدرجة التى دفعت دولا أخري إلى الاهتمام بما يتعرض له الفنانون الأفغان من مضايقات ومطاردات وعنف فقط لأنهم يحبون الموسيقى ويدرسونها، ووصل الأمر إلى درجة منع طلبة وطالبات مدرسة الموسيقى من دخولها، وهو ما بدأت به كلمات الدكتور أحمد ساوماس إلى صناع الفيلم، خاصة لأنه مؤسس المدرسة ومديرها، والمحب للتراث الأفغانى الموسيقى، والخائف عليه من الاندثار، قائلا : بعد أن جذبت دراسة الموسيقى وتاريخها الكثيرين، فوجئنا بأنها تم إغلاقها بدون أن نعرف، وأننا ممنوعون من دخول المدرسة، وبلا أسباب، لدرجة ذهابنا إليها والجلوس فى الشارع على أما السماح لنا بالدخول وهو ما يشعرنى بتوتر وقلق وخوف.
الموسيقى لا تموت أبدا
المسألة تطورت من منع العميد والمدرسين والطلبة من دخول المدرسة إلى محاولة إزالة معالمها الخارجية والكلمات الإرشادية المكتوبة على جدرانها، واحتلال جماعة طالبان لمدخلها، وهو ما عبرت عنه أحد الطالبات بالمدرسة قائلة،عندما التحقت بمدرسة الموسيقى تغيرت حياتى كلها، ولكن حين جاءت جماعة طالبان إلى المدينة تغير كل شئ، منعونا من الذهاب إليها بحجة أنه لا يمكن العمل مع غير المؤمنين، وحين اشتكي مدير المدرسة ومن معه كانت الإجابة أن إغلاق المدرسة تم للحفاظ على الآلات التى يستخدمه الدارسون بها، ومن فكرة الحفاظ على الآلات تطورت الحرب على مدرسة الموسيقى إلى أسلوب آخر بإدعاءات أخري لأجل الحفاظ على المبنى، وسنحول بعض أجزاء ملية الهندسة إلى هندسة الموسيقى!، وهكذا أغلق المبنى، وصمت صوت الموسيقى كما يقول الشاب قدرة واصف الذي يصف تنازل بعض العائلات لطالبان، حتى عائلتى أصرت على التخلص من الآلات، واضطرت لأجل هذا أن يخفى البيانو تحت أكوام القماش، مؤكدا أنه لم يسمح لأحد أن يمنعه من عزف الموسيقى، وبرغم هذا الحصار إلا أن فريق المدرسة أقام حفلا موسيقيا من مدينة ميلانو الإيطالية عام 2017 ، وهو ما رفع كثيرا من معنويات الفريق برغم كل المعاناة لأنها- أى الموسيقى- كما يري مدير المعهد والفرقة هى من أدوات المعرفة والدفاع عن الحياة، فالموسيقى لا تموت أبدا، وهكذا وجد محبو الموسيقى ودارسوها فرصا أخري لعزفها خارج بلدهم، بعيدا عن طالبان، فى الدوحة حيث ذهب 300 عضو فى نوفمبر عام 2021 بعد أسابيع من خروج الدفعة الأولى من طلاب وطالبات المدرسة إلى البرتغال حيث ستقام مدرسة هناك لكل من يريد تعلم الموسيقى وبعدها فى ديسمبر من العام نفسه وصل 300 من طلاب وطالبات المدرسة إلى لشبونة عاصمة البرتغال فى الإخلاء الأكبر للموسيقيين الأفغان من بلدهم ومن أجل حماية الحياة والفن والمستقبل كما يقول أحمد ساراماس ، مؤكدا أن تغيير حياة الشباب والمجتمعات من خلال الموسيقى هى رسالة سلام وأخوة للعالم كله، بينما تواجهنا الفتاة « شوجوفا» وعمرها 18 عاما بثقة فى نهاية الفيلم بكلمات حاسمة : شكرا لأصدقائنا البرتغاليين لقد أنقذتم حياتنا وما زلتم تساندونا، وهكذا تخلو بلد من فنها وتراثها الثقافى لأن هناك من يراه عيبا وحراما فيمنعه ويحرمه ويفرض عليه إرادته على الجميع وهو ما يصل إلينا فى نهاية الفيلم؟.