إبراهيم نوار يكتب: روسيا تبرز كأكبر دولة مدين لمصر.. ضرورة استعداد البلاد لتفادي الأزمة القادمة مع الروبل!

بقلم /إبراهيم نوار
نعم، مصر في طريقها، إذا استمرت السياسة الاقتصادية غير المسئولة الحالية، لمواجهة أزمة حادة مع الروبل بعد أن وافق الرئيس الروسي على أن تسدد مصر قرض الـ 25 مليار دولار لمحطة الضبعة النووية بالروبل. قرار الرئيس الروسي جاء بعد مشاورات على أعلى المستويات، لتعديل اتفاقية القرض، الذي تموله روسيا بالكامل، ويستحق السداد على دفعات اعتبارا من بدء تشغيل المحطة، أي في العام القادم على مدى 22 عاما بواقع قسطين كل عام. روسيا، التي تخضع لعقوبات أوروبية وأمريكية صارمة، تخلصت تقريبا من كل احتياطياتها النقدية بالدولار، وتسعى إلى التخلص منه تماما في معاملاتها التجارية والمالية. في هذا السياق فإن قبول روسيا تسوية معاملاتها المالية الخاصة بقرض الضبعة بالروبل وليس بعملات أخرى يستجيب لمصلحة خاصة لكل من البلدين، ذلك أن مصر تعاني معاناة مزمنة من نقص السيولة بالدولار، الأمر الذي يؤدي بين فترة وأخرى إلى طلب قروض ومساعدات مالية جديدة يصاحبها عادة تخفيض قيمة الجنيه المصري. وروسيا تخضع لعقوبات أمريكية وأوروبية شديدة تجعل أي تحويل دولاري لحساباتها أصلا مُعَرّضا للمصادرة. ومع بدء تشغيل المرحلة الأولى من محطة الضبعة سوف تصبح روسيا هي أكبر دولة دائنة لمصر، بما يعادل 25 مليار دولار. وسوف يضيف الاتفاق المصري – الروسي باستخدام الروبل لتسوية المعاملات المالية، تشوها جديدا إلى التشوهات الحالية في نظام المدفوعات المصري للمعاملات المالية، الذي يعاني من أزمة سيولة دولارية، وتسويات بواسطة صفقات رمادية غير شفافة، واتفاقيات مبادلة عملات، وصفقات مقايضة سلعية.
العجز التجاري مع روسيا
إذا كان سيصبح على مصر سداد ديونها لروسيا بالروبل، فإن هذا يتطلب حيازة البنك المركزي المصري لمخزون هائل من العملة الروسية، يكفي لتمويل سداد الدين. ويستطيع البنك نظريا تكوين احتياطي من الروبل بواسطة فائض إيرادات السياحة والتجارة والخدمات الأخرى التي قد تشتريها روسيا من مصر بالروبل. هذا يعني أن صادرات مصر من الموالح والبطاطس والطماطم والفراولة وغيرها، وعائدات السياحة الروسية في مصر، سيتم سدادها بالروبل لدى البنك المركزي. هذا يتطلب من البنك إتاحة الروبل لمصارف الشركات المستفيدة بالجنيه المصري، على أن يتم تخصيص فائض الرصيد النقدي بالروبل لتمويل احتياجات الحكومة لسداد أقساط قرض محطة الضبعة. من الناحية النظرية فإن ذلك يمكن أن يسير بشكل سلس إذا كان هناك اتفاق واضح بين البنك المركزي الروسي ونظيره المصري، واتفاق واضح بين الأخير وبين المصارف المحلية في مصر التي تخدم شركات التصدير والسياحة المحلية المتعاملة مع روسيا بشأن قواعد تسوية المعاملات. وسوف يكون من الضروري لأصحاب المصلحة السحب من أرصدتهم بالروبل في حدود حاجتهم، لكنهم بلا شك سيحتاجون إلى مبالغ بالدولار الأمريكي للإنفاق على المكون الخارجي لاستثماراتهم. هذا ربما يدفعهم إلى زيادة الاعتماد على استيراد احتياجاتهم الاستثمارية من روسيا بدلا من الاستيراد من دول أخرى مثل الصين أو أمريكا أو كوريا الجنوبية، وفي ذلك مصلحة للسوق الروسية لأنه يوسع أسواق صادراتها.
غير أن تلك الاعتبارات النظرية، حتى إذا توفرت بالكامل فإنها قد لا تكون كافية، لأنها تفقد كل قيمتها إذا لم تتوفر للبنك المركزي المصري فوائض من إيرادات الصادرات والسياحة. المسألة تبدو صعبة جدا ومُربِكة من الناحية العملية. إذ أن مصر تستورد من روسيا بما قيمته عشرة أمثال ما تصدر إليها! لذلك فإن السمة الرئيسية لتجارة مصر مع روسيا هي العجز المزمن. فمن أين ستحصل مصر إذن على العملة الروسية بما يكفي لسداد أعباء الدين الروسي؟ في العام الماضي أظهرت قاعدة أرقام التجارة الرسمية المسجلة لدى الأمم المتحدة (COMTRADE) أن صادرات مصر إلى روسيا بلغت قيمتها ما يعادل 606.79 مليون دولار أمريكي، في حين أن قيمة وارداتها بلغت ما يعادل 6.01 مليار دولار أمريكي. وجدير بالذكر أن الرئيس الروسي صرح بأن قيمة التجارة بين البلدين بلغت حوالي 9 مليارات دولار، وانها زادت في أول شهرين من العام الحالي بنسبة 80%. وهو رقم مخالف تماما لبيانات الأمم المتحدة. وإذا افترضنا أن سياحة الروس في مصر يمكن أن تسهم بنسبة تصل إلى 20% من الإيرادات السياحية لمصر، فإن هذه الإيرادات يمكن أن تغطي ما يقرب من نصف العجز التجاري، بشرط أن تستمر مصر بلدا جاذبا للسياحة الروسية بقوة. بعد ذلك يقع على مصر تدبير الموارد المالية اللازمة لتغطية النصف الآخر، حوالى 3 مليارات دولار، إضافة إلى التزامات سداد الأقساط النصف سنوية لقرض محطة الضبعة.
مدفوعات سداد قرض الضبعة
التزمت روسيا بتمويل ما يصل إلى 85% من تكلفة بناء مشروع الضبعة للطاقة النووية. وفي هذا السياق تولت الحكومة الروسية ترتيب قرض بقيمة 25 مليار دولار أمريكي، بموجب اتفاقية تمويل موقعة بين وزارة المالية المصرية ووزارة المالية الروسية. وطبقا لشروط الاتفاقية يُسَدّد القرض على مدى 22 عاما بفائدة سنوية قدرها 3%. أي أن قيمة القرض بالفوائد حتى نهاية فترة السداد تصل الى 41.5 مليار دولار ÷ 22 سنة = 1.886 مليار دولار سنويا، يتم سدادها خلال العام على قسطين، تبلغ قيمة القسط الواحد 943 مليون دولار. هذا يعني أن صافي العجز المالي والتجاري السنوي مع روسيا، باستثناء المعاملات العسكرية، يبلغ حوالي 5 مليارات دولار. السؤال الذي لم يجد إجابة بعد هو كيف تتمكن مصر من سداد الدين وتمويل العجز التجاري المتراكم، خصوصا وأنها تحولت إلى سوق مستهلك عاجز عن الإنتاج والتصدير، إلا ما تيسر من منتجات الصناعات الاستخراجية والزراعة، وما وهبته الطبيعة لمصر من موقع ومناخ، وما صنعه أهلها الأقدمون من حضارة، لا تزال تطل على العالم بكل فخر.