خارج المألوف: أمينة النقاش تناقش الفرصة المفقودة في ثورة يونيو

تنهض الأمم وتتقدم حين تُحسن التعلم من تجاربها الفاشلة لكى لا تكررها. وفى العيد الثانى عشر لثورة 30 يونيو، يغدو من الضرورى تقديم كشف حساب لأكثر من عقد على انطلاقها، يحصى أخطاءها قبل انجازاتها، لكى يتشارك الجميع، الدولة والمجتمع فى مواجهتها والتغلب عليها ، قبل أن نندم على التقصير فى القيام بذلك الواجب، بعد أن يكون أوان الندم قد ولى .
فى يوم الأربعاء 26مارس عام 2014 استقبل المصريون بفرحة غامرة ،إعلان قائد الجيش المشير “عبد الفتاح السيسى” فى بيان له، استقالته من منصب وزير الدفاع، وعزمه على الترشح لموقع رئيس الجمهورية. وما كاد المشير ينهى بيانه، حتى اندفع آلاف المواطنين إلى الميادين والشوراع للاحتفال، باستجابة قائد الجيش إلى مطلبهم بالترشح لموقع الرئاسة .كان معظم هؤلاء من بين ملايين المصريين الذين احتشدوا فى مدن وعواصم المحافظات فى الثلاثين من يونيو، للمطالبة برحيل دولة جماعة الإخوان من سدة الحكم، بعد عام من استيلائها عليه، وعملها الدءوب لأخونة كل مؤسسات الدولة، وزرع الجماعات الدينية المسلحة فى سيناء وصدور دستور صاغته مع أنصارها ليغدو مفصلا على مقاسها، ومن بعده إصدار إعلان دستورى يمنح الرئيس مرسى سلطات مطلقة لحكم البلاد .
خدعت جماعة الإخوان المجتمع حين قررت بعد سقوط نظام الرئيس مبارك الانتقال من مرحلة المشاركة إلى مرحلة المغالبة. وتخلت عن كل الوعود التى قطعتها بعدم الترشح على أكثر من 30% من المقاعد النيابية وعدم المنافسة على موقع الرئاسة، إلى المنافسة على كل المقاعد بجانب خوض الانتخابات الرئاسية، وهى تفتقد للكفاءات المطلوبة لإدارة الدولة والخبرات المؤهلة للعمل البرلمانى !
كان قد مر عام على فترة الرئاسة الانتقالية طبقا لبيان 3 يوليو 2013، الذى أعلن فيه قائد الجيش عزل الرئيس محمد مرسى، وتعطيل العمل بالدستور الذى أقرته جماعة الإخوان، وتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلى منصور، وتشكيل لجنة الخمسين لتعديل الدستور، والإعداد لإجراء الانتخابات التشريعية، وبدء العمل على مكافحة الإرهاب .
وكان إرهابيون من أفراد الإخوان وأنصارهم قد استوطنوا، سيناء بدعم من قوى عربية وإقليمية، ومارسوا إرهابهم فى أنحاء المحافظات المصرية، وطال قتلهم قضاة ومسئولين تنفيذيين وصحفيين و محامين ورجال من الشرطة والجيش ومواطنين من عامة الناس .فضلا عن هدم المنشآت الرسمية وتخريبها بعد نهبها. وقد اعتبرت الجماعة وأنصارها فى الداخل والخارج وحتى اليوم إعلان 3 يوليو، انقلابا عسكريا على ماقالوا إنه أول سلطة شرعية تحكم مصر عبر صندوق الانتخاب!
لم تكن ثورة الثلاثين من يونيو سوى استفتاء شعبى يعد فى حدود علمى المتواضع ،هو الأول من نوعه، يجرى أمام الشاشات على رفض المصريين، بجميع مواقعهم السياسية والفكرية والثقافية والتعليمية ، والمهنية والفئوية والعمرية، لفكرة الدولة الدينية .لم يكونوا فى حاجة لانتظار ما حدث فى سوريا، حتى يدركوا أنها فكرة شريرة وملعونة لإلغاء الدولة الوطنية وتفتيتها إلى مذاهب وطوائف وأعراق، فى أمة مصرية موحدة منذ بدء التاريخ، وكانت فى بدياتها فجرا للضمير الإنسانى، عندما كان “نهار الدنيا لسه ماطلعش وهنا عز النهار “كما شدت الست أم كلثوم .
ولم يكن صدفة، أن ينطوى دستور الثورة بديباجته ونصوصه على التأكيد، أنه دستور لاستكمال بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، ذات الحكومة المدنية، وأنه دستور يسعى لغلق أبواب الفساد والاستبداد، ورفع الظلم عن الشعب المصرى الذى عانى طويلا . وهو حين يجعل الشريعة الإسلامية، هى المرجع الأساسى للتشريع، يربط ذلك بأن يكون المرجع لتفسير ذلك المبدأ، هو ماتضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية فى ذلك الشأن، حين فسرت أحكام الشريعة، بأنها الأحكام قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، وليس الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها. وهو ماكان يتطلب وضع الدعوة لتجديد الفكر الدينى موضع التنفيذ، لإنقاذ المجتمع من حالة الدروشة الدينية الشكلية، التى يشارك فى إشاعتها بعض المسئولين، بدءا من إعادة الكتاتيب، وتفرغ أجهزة الإعلام المرئية بكل قنواتها لنقل حلقة ذكر لوزير الأوقاف، والإعلان عن برامج تدريبية لمكافحة الإلحاد، وغير ذلك من قرارات عشوائية تسبح فى الفراغ، تاركة مشاكل المجتمع الحقيقية من انتشار غير مسبوق للمخدرات، وهجرة الكفاءات المصرية إلى الخارج ، والتسابق بين الوزارات على نيل القروض والمساعدات لتتفاقم الديون، ويضرب ارتفاعها المتوالى وتسديد فوائدها، فى عصب الاقتصاد المصرى ويمنع قدرته على التنمية المستقلة، ويقيد قراره السيادى !
لو لم يفعل الرئيس “عبد الفتاح السيسى” ما فعله فى ثورة الثلاثين من يونيو بانضمام الجيش إلى مطالب الثوار، مقامرا بحياته لإنقاذ مصر من فاشية دينية، لكفاه، وسوف يدخله ذلك التاريخ من أوسع أبوابه. لكننا مازلنا متمسكين بالأمل، أن يقودنا معه إلى ثورة على من يعرقلون تحقيق أهداف تلك الثورة، المتمثلة فى توق المصريين العارم، لبناء دولة الحق والقانون والدستور والعدالة الاجتماعية، دولة مدنية حديثة ترعى مصالح الشعب رعاية كاملة، ولا تتركه نهبا لمشعوذين ومحتكرين وفاسدين يهدمون ما نبنى، وهم يرفعون شعارات دينية طنانة وأخرى وطنية زائفة. وسوف نبقى كما قال لنا سعد الله ونونس محكومين بالأمل .