بعيداً عن المألوف.. أمينة النقاش تكتب: مشاعر خلال احتفالات ذكرى الثورة

اثنا عشر عامًا مضت على ثورة الثلاثين من يونيو، التى يحل الاحتفال بها بعد بضعة أيام. ويأتى العيد، والمنطقة مشتعلة بحرب أمريكية، يستخدم فيها ترامب القوة العسكرية لتعزيز مصالحه الاقتصادية تحت عنوان حملته الانتخابية “إعادة أمريكا عظيمة مجددا “. فضلا عن مواصلة توطين النسخة التى صاغتها ونفذتها إدارة باراك أوباما من ثورات الربيع العربى لإسقاط الدول الوطنية فى المنطقة، وتسليم قيادة دولها إلى تيارات الإسلام السياسى، وجماعة الإخوان، بزعم أنها أكثر اعتدالا، من الجماعات الدينية المتطرفة، واستمرار تفتيتها بحروب طائفية ومذهبية وعرقية، تسهيلا لنهب مواردها، كما جرى ويجرى فى سوريا والعراق واليمن وليبيا، لكى يكون الهدف النهائى تنصيب إسرائيل قوة مهيمنة، تتيح لنتينياهو تعويض إخفاقه فى تحقيق أهدافه المعلنة فى حربه الوحشية ضد غزة، بإحراز نصر على إيران، بزعم القضاء على برنامجها النووى.
بدأ تنفيذ برنامج إيران النووى إبان حكم الشاه، ولم يكن يشكل فى أى وقت خطرا لا على إسرائيل ولا حتى على غيرها، لكن تضخيم خطره هو جزء من نفس المخطط الذى استدعى بموافقة عربية رهن الثروة الخليجية للولايات المتحدة، مقابل وجود نحو أكثر من 40 ألف جندى أمريكى فى أكثر من 20 قاعدة عسكرية فى دول المنطقة العربية وشواطئها، بكذبة كبرى حول حماية أنظمتها. لكن الهدف كان معروفا منذ البداية، دعم التوجه الإسرائيلى نحو تنفيذ مشروعها الأسمى، الجارى على قدم وساق وبخطوات متسارعة وراسخة لشطب القضية الفلسطينية، سواء بحرب الإبادة الجماعية ضد فلسطينيى غزة، أو العمل على ترحيلهم، أو مواصلة إخلاء القرى والمدن فى الضفة الغربية من سكانها، والبدء فى بناء المسوطنات، لفرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطينى وعلى دول المنطقة. وقد بدا هذا المشروع سهلا كغرس السكين فى قالب زبدة، لا سيما بعدما أخفق النظام العربى فى صيانة استقلاله الوطنى العائد من عهود الاستعمار، وفشل فى بناء الدولة الوطنية الحديثة والاعتماد الاقتصادى على الذات، بعيدا عن تبعية قراريه السياسى والاقتصادى لمستعمريه القدامى ولأذرعه المالية فى البنك وصندوق النقد الدوليين .!
فى قلب هذا الهول، ومع غرور القوة والفوضى التى تحطم كل قواعد القانون الدولى، وتعتدى بخطاب علنى متغطرس ووقح على سيادة الدول، وتسعى لفرض المصالح الاقتصادية بالقوة المسلحة، لم تخرج مصر من دائرة استهداف التحالف الاستعمارى الأمريكى –الغربى، الذى لا ينسى لها، أنها قدمت قبل 12سنة، نموذجا جسورا لإمكانية التصدى لذلك المشروع وإسقاطه، بثورة شعبية ساندها جيش مصر الوطنى. وما الضغوط السياسية والاقتصادية التى تحاصر مصر من كل جانب، إلا عقاب لها، وتصفية حساب لما تجرأت على الإقدام عليه، وعلى موقفها المبدئى من القضية الفلسطينية، الذى يرفض التهجير ويتمسك بالقوانين الدولية التى تمنح الشعب الفلسطينى حق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 5 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والدعوة لقبولها كعضو كامل العضوية فى الأمم المتحدة. ليس هذا فحسب، بل المطالبة كذلك بإعادة هيكلة حق الفيتو فى مجلس الأمن الدولى بما يخدم السلم العالمى، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووى الذى تنفرد إسرائيل بامتلاكه، وتتواطأ الوكالة الدولية للطاقة النووية معها بدعم غربى، للصمت عنه أو الكشف عن محتوياته وقدراته، ناهيك عن عدم إخضاعه لرقابتها وإشرافها!
السؤال الملح الآن، هل فعلت مصر داخليا بعد 12 سنة من ثورة يونيو، ما يجب عليها فعله لتفادى تلك الأخطار والضغوط ؟، والجواب واضح وضوح قرص الشمس فى قيظ هجير نهار الظهيرة :
مجتمع غير منتج، مديون من رأسه حتى قدميه، يعيش على الاستدانة والمنح والمعونات، يستورد مستلزمات حياته اليومية واحتياجاته من الغذاء والدواء ومعدات التصنيع من الخارج.
تصاعد غير مسبوق فى مستويات السخط الاجتماعى والاقتصادى، بسبب معاناة غالبية المواطنين من الأزمة الاقتصادية والبطالة، والغلاء والتدهور المخيف فى مستوى الخدمات العامة، لا سيما فى مجالى التعليم والصحة والسكن، وانسحاب الدولة تطبيقا لشروط صندوق النقد الدولى، من أى التزام، لضمان الحد الأدنى المعقول من نفقات المعيشة لمحدودى الدخل والفقراء من الفئات الشعبية.
خصخصة مراكز الشباب، بعد إغلاق قصور الثقافة فى القرى والنجوع، بعدما توقفت أنشطتها وسادها إهمال متعمد، لتحويلها بقرار من رئيس الحكومة إلى أماكن للاستثمار والاستهلاك، لكى يصبح هؤلاء الشباب لقمة سائغة لكل المخاطر، يلقى بها إلى براثن المخدرات والجماعات الدينية المتطرفة، والتسول بعدما باتت عضوية الأندية الكبرى مقصورة على الأثرياء فقط !
ذلك وغيره كثير مما يدمى القلوب ويجرح المشاعر، ولا يبشر فى الواقع المنظور ببديل خيّر آخر يلوح فى الأفق، ويدفعنا للتساؤل مع المتنبى: عيدٌ بأى حال عدت ياعيدُ، بما مضى، أم بأمر فيك تجديدُ؟!