محمود الخضري: مطار دولي جديد… حلم تبخر في الهواء

بقلم: محمود الحضري
قبل أكثر من 35 عاماً وعلى صفحات “الأهالي” نشرت مجموعة من التحقيقات والتقارير حول أهمية تشييد مطار دولي جديد في غرب القاهرة، وعلى بُعد حوالي 100 كيلومتر على الأقل من العاصمة، وتحديدا على طريق مصر – اسكندرية الصحراوي، ليصبح مطارا ثانيا، والأول، ليخدم مستقبل صناعة الطيران في مصر، واستيعاب نمو حركة السفر، ويصبح مطارا عالميا في قطاع السياحة والترانزيت.
وكانت رؤية هذه الدراسة التفصيلية، التي أعدها الخبير الدولي في عالم الطيران الصديق المرحوم الدكتور محسن حسن النجار، تأتي بناء على تكليفات عليا له في هذا الوقت، وتأتي بالتوازي في ذات الوقت مع مشروع حضاري وسياحي في منطقة الأهرامات، وهو المتحف المصري الكبير، وما سيشمله من مشروعات سياحية وفندقية.
وفي هذا الملف جرت مناقشات عديدة، وحضرت ندوات وجلسات مصغرة حول فكرة إنشاء مطار جديد ليكون ركيزة لصناعة السفر الطيران ولتعظيم دور السياحة، إلى جانب مطار القاهرة، وطرحت العديد من الأسئلة حول جدوى مثل هذا المطار، وكيفية تمويل الإنشاءات، وكيفية توظيفه واستثماره وتسويقه، وغيرها من الأسئلة ذات الصلة بالأمور الاقتصادية واللوجستية، وربطه بمطار القاهرة، وتسهيل الوصول إليه.
وكانت الإجابة حاضرة ومنطقية، خاصة مع أهمية وجود مطار يستوعب الأجيال الجديدة من الطائرات العملاقة، والتي ظهرت بالفعل في العقود التالية، بخلاف أهمية التوظيف الأمثل لموقع مصر الإستراتيجي، وخصوصا في قطاع سفر الترانزيت، بين الشرق والغرب والشمال والجنوب وربط قارات العالم، علاوة على تنمية سياحة الترانزيت، ومشاركة مصر في رحلات أفواج السياحة الإقليمية والعالمية.
الفكرة كانت عبقرية، وكانت التوقيت مناسب جدا، وتنفيذها كان مهما، خصوصا مع وجود منافسين في المنطقة، كانوا في هذا الوقت يطمحون لمشروعات مشابهة، ومرت التجربة، وواجهتها عراقيل من مسؤولين، وتم تفسير الأمر حينها بأنها مصالح، رغم أن المناطق والأراضي للمشروع متوفرة، ولها عدة بدائل، وأفكار التمويل كانت متنوعة، بخلاف ما كان يجري بخصوص الطريق الدائري في هذا الوقت، أي قبل 40 عاما.
بعد سنوات من هذه المناقشات، تابعت عن قرب توسعات مطار دبي الدولي، وخططه الطموحة التي تحققت على الأرض، ليتحول من مطار صغير إلى واحد من أكبر مطارات العالم، والأكبر على المستوى الإقليمي، ليستقبل حوالي 92,5 مليون راكب في العام 2024، من خلال 440 ألفاً و300 رحلة، مع توقعات بأن يسجل نحو 100 مليون مسافر في غصون عامين من الآن، بل زاد الطموح في دبي إلى أكثر من بتأسيس مطار جديد، وتم إنشاء المرحلة الأولى منه، وهو مطار آل مكتوم، (دبي وورلد سنترال)، مع توقعات أن يكون الأكبر عالميا، مع استكمال مراحله، متضمنا 5 مهابط للطائرات، ومنطقة لوجستية وصناعية، ومدينة عالمية للمعارض، وغير ذلك.
أتذكر أن مشروع المطار المقترح في مصر قبل 35 الى 40 عاما، كان مماثلا لتلك المشروعات، والتي انتشر بعضها فيما بعد في دول أخرى بالمنطقة خصوصا في دول الخليج مثل السعودية وقطر على سبيل المثال لا الحصر، بخلاف التطور المتلاحق في نفس القطاع بتركيا، لتخطف الأضواء في صناعة السفر والسياحة، والترانزيت.
ودارت عجلة الزمن سريعا، وتم إنشاء مطار “سفنكس” على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، ليصبح ثاني مطار دولي في العاصمة، وبدأ في استقبال رحلات الطيران، ولكنها الرحلات الخاصة بالطيران الاقتصادي، وصحيح أنه يؤدي مهمة في قطاع الطيران والنقل الجوي، إلا أن حجمه وحتى بتوسعاته مستقبلا، لن يمثل 25% من حجم المشروع القديم في أواخر ثمانينيات، وتسعينيات القرن الماضي.
وحتما قد جرت في نهر قطاع المطارات في مصر مياه كثيرة، وجرى خلال السنوات الماضية، انشاء مطارات جديدة، ولكنها أقل من الطموح، وقد جرت، توسعات في مطار القاهرة الدولي، ولكنه استقبل في العام الماضي نحو 28.775 مليون راكب، من خلال 211664 رحلة، مقابل 26.463 مليون راكب من خلال 198943 رحلة في عام 2023، ومقارنتها بمطارات دول ومدن أخرى أقل كثيراً.
وبعد نحو أربعة عقود، يتم طرح السؤال مجدداً حول مدى كان صواب فكرة تنفيذ مطار جديد لمصر، يحقق لها مكانتها في قطاع بدأ في 1930، وتحديدا في 26 يناير من نفس العام، وفي وقت سيتم الاحتفال فيه بعد 5 سنوات بمرور 100 عام طيران.
مصر تستحق الكثير، والأفكار أكثر، ولكن الحماس أقل، بكثير من المكانة التي تستحقها، بين الآخرين، وربما المعوقات وصناعة العراقيل سبب رئيسي، وتذهب بالأفكار مع الريح.