إبراهيم نوار: لماذا لا تسعى مصر لتDiversifying energy sources بعيداً عن الاعتماد على إسرائيل؟

إبراهيم نوار: لماذا لا تسعى مصر لتDiversifying energy sources بعيداً عن الاعتماد على إسرائيل؟

*إبراهيم نوار

في اليوم الأول من العام الحالي كتبت في هذه الجريدة مقالا بعنوان “الاستعداد لنقص الطاقة في الصيف يبدأ في الشتاء” قلت فيه نصا ما يلي: “من المرجح أن تواجه مصر في فصل الصيف هذا العام فجوة في إمدادات الغاز الطبيعي تقرب من 40% من احتياجات الاستهلاك، بسبب تناقص إنتاج الحقول الموجودة بالفعل، ومنها حقل ظهر العملاق، الذي كانت قدرته الإنتاجية تغطي ما يقرب من 45% من احتياجات البلاد من الغاز. ومن المتوقع أن تستمر فجوة الإمدادات في السنوات الخمس القادمة، ما لم يتم الإسراع في التحول الأخضر من الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة. وفي كل الأحوال فإن تمويل استيراد الغاز يأتي في وقت شديد الصعوبة هذا العام، مع استمرار أزمة عرض الدولار في السوق، خصوصا وأن الحكومة اعترفت بأنها تواجه فجوة في إمدادات الدولار تصل إلى حوالي 20 مليار دولار. وبعد أن فشل شعار “تصنيع الدولار محليا” في تحقيق أي عائد حقيقي، فقد يستمر الطريق الوحيد المفتوح أمام الحكومة لتمويل فجوة الطاقة هو الاعتماد على القروض قصيرة الأجل من مؤسسة التمويل الإسلامي، إلا إذا انتقلت مسئولية استيراد النفط والغاز من الحكومة إلى جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، فقد تكون لديه حلول أخرى”.

وتوقعت أن تستمر مصر في استيراد الغاز المسال من الخارج حتى عام 2029-2030 لتوفير احتياجاتها، في ظل التناقص الطبيعي للحقول الذي هوى بالإنتاج إلى 4.3 مليار قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي، إذ تبلغ الاحتياجات اليومية حوالي 6 مليارات قدم وتزيد في فصل الصيف، حيث يتراوح متوسط الاستهلاك ما بين من 7.2 إلى 7.4 مليار قدم مكعب يوميا. وعلى ضوء ذلك فإن الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك تتسع إلى 3.1 مليار قدم مكعب يوميا بنسبة 43.6% من احتياجات الاستهلاك، يتعين من الآن تدبير العملة اللازمة لتمويل استيرادها، وتحديد أفضل المصادر المتاحة، سواء بالاتفاق مع دول عربية التي لديها فائض للتصدير، مثل سلطنة عمان والجزائر، أو عن طريق توقيع عقود استيراد فصلية متوسطة الأجل حتى عام 2030 مع موردين موثوق فيهم. كذلك من المهم أن يكون لدى الحكومة استراتيجية طويلة الأجل للطاقة، تغطي فترة تتراوح بين 10 إلى 25 عاما، تأخذ في اعتبارها إمكان أن تكون مصر سوقا لإعادة تصدير الغاز، كما تردد الحكومة في بياناتها الاحتفالية.

مع ذلك فإن سياسة الطاقة في مصر استمرت في التخبط وتجاهل حقائق الواقع حتى أصبحنا وجها لوجه أمام فصل الصيف، بينما الحكومة لا تزال تدور حول نفسها، تصدر التصريحات الغبية من ناحية تنفي فيها أن هناك أزمة في إمدادات الغاز، وتتخبط في مفاوضات عقيمة مع الموردين من ناحية أخرى. ووصلت الأمور منذ الشهر الماضي إلى اختناقات خطيرة في إمدادات الغاز، انتهت الى إصدار قرارات غريبة على أي صانع سياسة اقتصادية بتقليل الإمدادات إلى المصانع، وعلى رأسها مصانع الأسمدة والبتروكيماويات التي لا تستخدم الغاز كوقود فقط، وإنما تستخدمه كمادة خام أو “لقيم” للتشغيل وإنتاج سلع حيوية للأسواق مثل الأسمدة النيتروجينية. هذا يعني عمليا نقص منتجات تلك المصانع في السوق المحلي، كما يجعلها تتوقف عن التصدير. وتعتبر الصناعات البتروكيماوية وصناعات الأسمدة من أهم الصناعات التصديرية في مصر. وبدأت التداعيات السلبية في هذه المصانع بتقليل الورديات وساعات العمل وانتهت حتى الآن في بعض المصانع إلى التوقف عن العمل جزئيا، وهو ما يعد خسارة حقيقية لمصر.

أزمة الإمدادات بدأت قبل حرب إسرائيل على إيران وسبقت إعلان إغلاق حقول الغاز الإسرائيلية في شرق البحر المتوسط التي تغذي خط أنابيب تصدير الغاز إلى مصر. القصة بدأت بطلب من إسرائيل لزيادة سعر الغاز الذي تحصل عليه مصر، على خلفية اتفاقيات التسعير الجديدة التي عقدتها مصر مع الشركات الأجنبية العاملة في حقول الغاز المصرية. وبسبب الخلافات على التسعير بدأت اسرائيل في التلاعب بكميات الغاز التي يتم تصريفها إلى مصر، وتناقصت الكميات من حوالي 1.2 مليار قدم مكعب يوميا إلى أقل من 800 مليون قدم. ومع بدء الحرب الإسرائيلية على إيران أوقفت اسرائيل تماما شحنات الغاز المصدرة إلى مصر والأردن. وبذلك زادت الأمور سوءا بالنسبة لمحطات توليد الكهرباء التي تمثل أكبر مستهلك للغاز في مصر. ولم يكن أمام الحكومة إلا العمل على تشغيل محطات الكهرباء ذات الدورة المزدوجة (المركبة) بالوقود التقليدي إلى جانب الغاز، مع العمل على تشغيل محطات كهرباء تعمل بالوقود التقليدي. في كل ذلك تحاول الحكومة تجنب اللجوء إلى قطع الكهرباء بطريقة “تخفيف الأحمال” عن القطاع المنزلي.

بالتالي فإن أزمة إمدادات الغاز عادت إلى المربع الأول، لكن الصناعة هي التي تدفع الثمن حتى الآن. غير أن الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد، بل زادت حدتها بسبب الحاجة إلى الوفاء بالتزامات توفير الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء في الأردن، وهي التزامات تعاقدية نشأت باتفاقية بين مصر والأردن لتصدير الغاز عام 2004 لمدة 15 عاما. لكن تقلبات إنتاج الغاز في مصر مع زيادة احتياجات الاستهلاك تسبب في أزمات امدادات متقطعة منذ عام 2009 حتى عام 2011 عندما توقفت الإمدادات تماما حتى عام 2019. وقد تم تجديد الاتفاقية في ذلك العام بدون الإعلان عن مدتها وشروطها التجارية. وتظهر متابعة أرقام صادرات الغاز الطبيعي عن طريق مصر إلى الأردن استمرار الإمدادات بكميات تكفي لتغطية 50% من احتياجات تشغيل محطات الكهرباء. ومع هبوط كميات الإنتاج في مصر إلى أقل من 5 مليارات قدم مكعب يوميا، فقد انخفضت تدفقات الغاز الطبيعي إلى الأردن. وتعهدت مصر بإمداد الأردن بحصة من وارداتها من الغاز المسال، وتوفير إمدادات يومية تبلغ 100 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في الوقت الحاضر، لمساعدة الأردن على تجنب حدوث أزمة في إمدادات الكهرباء.

وعلى الرغم من أن الحكومة استطاعت توقيع عقود لاستئجار أرصفة عائمة لتغويز الغاز المسال (أي تحويله الى غاز طبيعي)، فإنها لا تزال تجد صعوبة في التعاقد على إمدادات كافية لتغطية احتياجات الاستهلاك بسبب وجود عقبات تمويلية. وكنا قد أشرنا في مقال اول يناير الماضي إلى ضرورة البحث عن حل تمويلي مستدام يمنع تكرار هذه الأزمة من سنة إلى سنة، خصوصا وأن العجز في إمدادات الغاز من المرجح أن يستمر حتى عام 2029. ولا شك أن الحكومة حاليا في وضع لا تحسد عليه، خصوصا مع ارتفاع أسعار النفط والغاز والاضطرابات الحالية في أسواق الطاقة. لكن المسئولية تقع عليها في ضرورة إيجاد حل عملي لأزمة شاركت هي في حدوثها بالإهمال والتخبط. المسألة الأساسية هنا هي أن الإفراط في استيراد الغاز من إسرائيل يضع الاقتصاد المصري تحت رحمة التقلبات السياسية والاقتصادية هناك، ويجعله تابعا لقطاع الطاقة الإسرائيلي. النداء الذي نوجهه هنا هو ضرورة العمل على تنويع مصادر استيراد الطاقة بعيدا عن إسرائيل.