مضيق هرمز: شريان النفط العالمي تحت ضغط التوترات بين إسرائيل وإيران

مضيق هرمز: شريان النفط العالمي تحت ضغط التوترات بين إسرائيل وإيران

في ظل تصاعد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، ازدادت المخاوف الدولية من احتمال لجوء طهران إلى إغلاق مضيق هرمز، أحد أكثر الممرات المائية حيوية في العالم لتصدير النفط، ما يهدد بأزمة طاقة عالمية غير مسبوقة.

ويمر عبر المضيق، الذي يبلغ عرضه في أضيق نقطة نحو 40 كيلومترًا، نحو خمس إجمالي النفط الخام العالمي، وفقًا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ما يعادل 20 مليون برميل يوميًا، وهو ما يساوي تجارة سنوية بقيمة 600 مليار دولار.

تهديدات إيرانية

وفي خضم التوترات الجارية، ألمح قائد البحرية الإيرانية إلى أن بلاده قد تفكر بجدية في إغلاق المضيق، وهو ما وصفه رئيس الاستخبارات البريطانية السابق “إم آي 6″، السير أليكس يانجر، خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC،) بأنه “أسوأ سيناريو ممكن”.

وشدد يانجر، على أن “إغلاق مضيق هرمز سيشكل بلا شك كارثة اقتصادية كبرى بسبب تأثيره المباشر على أسعار النفط العالمية”.

وحذرت أستاذ الاقتصاد والطاقة وفاء علي، أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط باتت تلقي بظلال قاتمة على مستقبل صناعة النقل البحري واللوجستيات، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة التي تطال مضيق هرمز، أحد أهم الممرات المائية الحيوية لتصدير النفط والغاز عالميًا.

وقالت علي لـ”تليجراف مصر”، إن المشهد يشير إلى أن صناعة النقل البحري واللوجستيات تواجه إشكالية كبرى مع تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران، وتأثيراتها المحتملة على المضائق الاستراتيجية، وفي مقدمتها مضيق هرمز، الذي يمثل الورقة الرابحة الكبرى بيد طهران.

وأضافت: “هذا المضيق تمر عبره خمسة إمدادات العالم من النفط، وثلثا إنتاج الغاز الطبيعي المسال، ما يجعله نقطة اختناق استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها”، مشيرة إلى أنه مع تصاعد التهديدات، تتزايد احتمالات التعقيد، خاصة إذا قرر الحوثيون غلق باب المندب، وهو ما سيُحدث شللًا في طرق الملاحة من الخليج إلى أوروبا والعالم”.

أثر مباشر على الأسعار 

وأوضحت الخبيرة أن الآثار الاقتصادية المرحلية قد بدأت في الظهور بالفعل، حيث نشهد ارتفاعًا في أسعار الشحن والنقل، وزيادة في علاوات التأمين والمخاطر، مع اتجاه شركات الملاحة لتغيير مساراتها أو التحوط ضد احتمالات ضرب ناقلات النفط.

وأكدت أن السيناريوهات المحتملة مفتوحة على كافة الاحتمالات، وأسواق الطاقة باتت في مرمى نيران إسرائيل وإيران، في وقت بدأت فيه أسعار ناقلات النفط بالارتفاع، وازدادت مخاطر الإمدادات بشكل مقلق.

وشددت على أن رغم أن ارتفاع أسعار النفط يفيد بشكل مباشر الدول المنتجة المجاورة لإيران كالسعودية والعراق وقطر والإمارات، إلا أن إغلاق المضيق يعيد رسم خريطة الطاقة العالمية، لأن تلك الدول تعتمد بشكل شبه كامل على تصدير النفط والغاز عبر هذا الشريان البحري.

وتابعت: “أمن الطاقة بات مهددًا وفي سباق مع الزمن، ورهين الجبهتين المتصارعتين، وإذا اتسعت دائرة التصعيد، ودخلت الولايات المتحدة في المعركة، فإن حالة الغموض والقلق ستتفاقم أكثر، وسندخل في عصر من عدم اليقين الاقتصادي، قد يقود إلى نفق الركود التضخمي العالمي”.

وذكرت أنه إذ تم إغلاق مضيق هرمز، فسيكون ذلك الحدث الأبرز عالميًا، إذ يمر عبره نحو 20 مليون برميل نفط يوميًا، وهو أمر لا يمكن تعويضه بسهولة، ما يعني عودة سيناريو نقص المعروض وارتفاع الأسعار إلى صدارة المشهد الاقتصادي العالمي من جديد”.

تداعيات اقتصادية عالمية

المخاوف لا تتعلق فقط بمرور النفط، بل بتأثير محتمل على سلاسل الإمداد العالمية، فبحسب “فورتيكسا” لتحليلات الطاقة، تصدر السعودية وحدها نحو 6 ملايين برميل يوميًا عبر المضيق، فيما تعتمد كل من الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير على النفط المنقول عبر هذا الممر.

وفي عام 2022، توجه 82% من صادرات النفط والمكثفات عبر مضيق هرمز إلى الدول الآسيوية، حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وأكد الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، في أبريل الماضي، أن 60% من واردات بلاده النفطية تمر عبر المضيق، ما يزيد من قلق الأسواق الآسيوية.

أما الولايات المتحدة، فتستورد حوالي 700 ألف برميل يوميًا عبر المضيق، ما يمثل نحو 11% من وارداتها النفطية و3% من استهلاكها، بينما تقدر حصة أوروبا بأقل من مليون برميل يوميًا، ما يجعل الدول العربية والآسيوية أكثر عرضة للخسائر في حال حدوث إغلاق كامل للمضيق.

هل توجد بدائل لتجاوز المضيق؟

ودفعت التهديدات المتكررة بإغلاق مضيق هرمز دول الخليج إلى تطوير طرق تصدير بديلة، حيث فعلت السعودية خط أنابيب “شرق – غرب”، بطول 1200 كيلومتر، بطاقة تصل إلى 5 ملايين برميل يوميًا، كما أعادت في 2019 استخدام خط أنابيب غاز لنقل النفط مؤقتًا.

من جهتها، أنشأت الإمارات خط أنابيب يربط حقول النفط بميناء الفجيرة على خليج عمان، بطاقة 1.5 مليون برميل يوميًا، ودشنت إيران في 2021 خط أنابيب “غوره – جاسك” لنقل النفط إلى خليج عمان، بقدرة تبلغ 350 ألف برميل يوميًا، لكنها لم تصل إلى الطاقة القصوى حتى الآن.

ورغم هذه البدائل، تشير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن القدرة الإجمالية لتلك المسارات لا تتعدى 3.5 ملايين برميل يوميًا، أي أقل من 15% من إجمالي النفط الذي يمر حاليًا عبر المضيق، ما يجعل من الإغلاق الكامل كارثة حقيقية لا يمكن تعويضها بسهولة.

تقديرات مرعبة

وفي تطور لافت، حذر رئيس المعهد الروسي للطاقة الوطنية، ألكسندر فرولوف، من أن استمرار التصعيد العسكري قد يدفع أسعار النفط إلى مستويات فلكية، قائلًا: “إذا استمرت الأزمة وحدث تدخل من أطراف أخرى، فإن إغلاق المضيق سيقود أسعار النفط إلى 300 دولار للبرميل وربما تصل إلى 1000 دولار”.

وأوضح فرولوف، أن إيران لا تعد من كبار موردي النفط عالميًا، إذ تصدر ما بين 1 إلى 1.5 مليون برميل يوميًا، ومع ذلك فإن أي توقف في تدفق هذه الكميات، أو تضرر البنية التحتية للطاقة، سيؤدي إلى ارتفاعات حادة في الأسعار، لا سيما مع احتمال دخول قوى دولية أخرى في الصراع.