من عبد الناصر إلى السيسي: سبعون عاماً من العلاقات بين مصر وإيران

من عبد الناصر إلى السيسي: سبعون عاماً من العلاقات بين مصر وإيران

  في ظل تصاعد القصف الإسرائيلي على إيران، أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً  بنظيره الإيراني مسعود بزشكيان. أكد الرئيس السيسي خلال هذا الحوار “الرفض المصري الكامل للتصعيد الإسرائيلي الجاري ضد إيران”، مشيراً إلى أن هذه التصرفات تمثل تهديداً مباشراً لأمن واستقرار الشرق الأوسط، خاصة في ظل الأزمات المتعددة التي تعصف بالمنطقة. 
حظي هذا الموقف بتقدير إيراني واضح، حيث وجه الرئيس بزشكيان الشكر للرئيس المصري، معبراً عن تقديره للجهود المصرية الرامية إلى “استعادة الاستقرار الإقليمي وتحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية” .  
وجاء الاتصال في اليوم التاسع من الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي اندلعت في 13 يونيو 2025، والتي أسفرت عن مقتل 430 إيرانياً وإصابة أكثر من 3500 مدني وفقاً لوزارة الصحة الإيرانية .
كما ركز الرئيسان على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة فوراً، وتفعيل حل الدولتين كمسار وحيد لتحقيق السلام الدائم، مع التأكيد على تنسيق الجهود لحماية أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، خاصة بعد الخسائر الاقتصادية الجسيمة التي تعرضت لها قناة السويس وتقدر بأكثر من 7 مليارات دولار خلال عام 2024 .  

مسار التحول تحت قيادة السيسي: من القطيعة إلى الثقة

شهدت السنوات الأخيرة تحولاً غير مسبوق في العلاقات الثنائية، تجسد في سلسلة من المبادرات الدبلوماسية البناءة:  
لقاءات القمة التاريخية: في نوفمبر 2023، التقى الرئيس السيسي بالرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي على هامش قمة الرياض، في أول لقاء قمة بين البلدين منذ 46 عاماً. 
وتوج هذا المسار بزيارة تاريخية لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للقاهرة في مايو 2025، حيث أعلن أن “مستوى الثقة بين القاهرة وطهران لم يصل إلى هذا المستوى من قبل” . 
وفي خطوات رمزية بالغة الأهمية غيرت بلدية طهران اسم “شارع خالد الإسلامبولي” إلى “شارع الشهيد السيد حسن نصر الله”، كبادرة لحسن النوايا تجاه مصر .  

 

مستوى التعاون في المجالات الاستراتيجية

 

يسعى البلدان إلى رفع حجم التبادل التجاري الذي بلغ 133 مليون دولار عام 2012، مع التركيز على مجالات حيوية مثل: الطاقة النووية السلمية، حيث تدرس مصر الاستفادة من الخبرة الإيرانية في هذا المجال، خاصة في مشروع تطوير “المنطقة الصناعية بقناة السويس”، الذي قد يشهد مشاركة شركات إيرانية .  
كما بحث الجانبان فرص الاستثمار المشترك في مشاريع النقل والطاقة المتجددة، انسجاماً مع رؤية مصر لتحويل قناة السويس إلى محور لوجستي عالمي . 

 

الأمن الإقليمي المشترك

أصبحت حماية المصالح الحيوية للدولتين أولوية مشتركة، تجلت بتنسيق المواقف تجاه أزمتي غزة واليمن، حيث أكد عراقجي خلال زيارته للقاهرة أن هجمات الحوثيين “قرار مستقل” لدعم فلسطين، بينما شدد السيسي على ضرورة حماية أمن البحر الأحمر .  

 

التقارب الثقافي والعلمي

– يعمل البلدان على تفعيل اتفاقيات التبادل الثقافي الموقعة سابقاً، بما في ذلك استئناف الرحلات الجوية المباشرة لتعزيز السياحة الدينية بين البلدين ذوي الإرث الحضاري العريق ، كما جرى تفعيل اتفاقية التعاون العلمي والتكنولوجي الموقعة عام 2010، مع التركيز على مجالات الابتكار والطاقة المتجددة .  

الجذور التاريخية: عصور التضامن الاستراتيجي 

بدأت العلاقات الدبلوماسية الحديثة عام 1928 بتوقيع اتفاقيات الصداقة، وبلغت ذروتها عام 1939 بزواج ولي عهد إيران محمد رضا بهلوي من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق. 
هذا الزواج جسد تحالفاً استراتيجياً وعائلياً عميقاً، ورغم انتهائه بالطلاق عام 1948، ظلت مصر تحتفظ بعلاقات وثيقة مع إيران، حيث استضافت الشاه الراحل حتى وفاته ودفنه في مسجد الرفاعي بالقاهرة عام 1980 .  

 

التضامن في وجه التحديات (1953-1979)
 
 

في الخمسينيات، دعم الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق خلال أزمته السياسية مع الشاه، مما عزز مكانة مصر كحليف للتيارات التحررية، و خلال حرب أكتوبر 1973، قدم الشاه دعماً مالياً وعسكرياً حاسماً لمصر، وهو ما اعترف به الرئيس أنور السادات علناً، مجسداً تقارب المصالح في أحلك الظروف الإقليمية .