أول مكان مُخصص للعبادة: الكعبة المشرفة

الحج فرحة.. وكل إنسان يدعو ويطلب من الله عز وجل أن يزور الأراضى المقدسة من أجل أن يطوف حول الكعبة المشرفة ويقف فوق جبل عرفات.. كذلك من أجل أن يزور قبر النبى محمد – ﷺ – وبين رحلة الذهاب والعودة حكايات شوق ومحبة لكل إنسان مسلم.
إن زيارة الكعبة المشرفة التي تهفو قلوب ملايين المسلمين لزيارة بيت الله الحرام وقبلة المسلمين جعلها الله سبحانه وتعالى رمزًا لعباده المسلمين فهى بيت الله الحرام وهى أول بيت أقيم على الأرض وهى أول بيت وضع للناس من أجل عبادة الله جل علاه، مرة أخرى أقول :إن الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس بمكة مباركًا للعالمين.
قال الله تعالى: «“وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم».. “ولقد بنى سيدنا إبراهيم – عليه السلام – الكعبة من بعد طوفان سيدنا نوح – عليه السلام – بحجارة بعضها فوق بعض ولم يجعل للكعبة سقفًا ولا بابًا من خشب أو غير ذلك.. ولكن قد ترك فتحة فى الناحية الشرقية لتكون دلالة على قصة بيت الله الحرام.
لقد أقام سيدنا إبراهيم بناء الكعبة وكان سيدنا إسماعيل ابنه يقوم بمساعدته فى بناء الكعبة المشرفة وهو يناوله الحجارة وكانت الحجارة من جبل حراء وقد جعل سيدنا إبراهيم عليه السلام للكعبة ركنين هما الركن الأسود والركن اليمانى، ولم يجعل لها أركانًا من جهة الحجر إنما جعلها على هيئة نصف دائرة وجعل الباب لاصقًا بالأرض.. وجعل ارتفاعها من الأرض إلى السماء تسعة أذرع وجعل عرض الجدار المقابل واحد وثلاثين ذراعًا وعرض الجدار الذي فيه الميزاب اثنين وعشرين ذراعًا وعرض الجدار المقابل له عشرين ذراعًا.
وبعد زمن من الوقت تولى بناء الكعبة قصى بن كلاب وكانت له الحجابة والسقاية فحاذ شرف مكة ويعتبر قصى بن كلاب الجد الرابع للنبى محمد – ﷺ – وقد اجتهد فى بناء الكعبة المشرفة وجمع كثيرًا من النفقات من أجل بنائها.
وقد قام بتسقيف الكعبة بخشب الدوم الممتاز وبجريد النخل وقد بناها على خمسة وعشرين ذراعا.
وقد جاء بعد ذلك ابن اسحاق من قبائل قريش وقد جمع الكثير من الحجارة لبناء الكعبة المشرفة فقد قامت كل قبيلة وجمعت على حدة ثم اختصموا فيه وكانت كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون القبيلة الأخرى.
وقد تحاوروا وتخالفوا لدرجة القتال.. وقد مكثت قريش على ذلك أربع ليالٍ ثم اجتمعوا حولها أى حول الكعبة.. وقد تشاوروا وقال أبوأمية بن المغيرة لمعشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون أول من يدخل من باب هذا المسجد فإذا برسول الله محمد – ﷺ- أول من يدخل فلما رأوه قالوا هذا الأمين نرضى به حكمًا فلما انتهى إليهم وأخبروه بالخبر قال رسول الله – ﷺ – أعطونى ثوبًا فلما أتوا به أخذه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعًا، وقد سمعوا كلام النبى محمد – ﷺ – ورفعوه إذ بلغوا به موضعه فبنوا حتى رفعوا أربعة أذرع وشبرا ثم كسوها ووضعوا بابها مرتفعًا على هذه الذراع ورفعوها حجارة.. وكان طولها تسعة أذرع وكرهوا أن يكون بغير سقف لما بلغوا السقف قال يا قوم تحبون أن تحطوا أسقفها دعائم.
وفى زمن آخر جاء عبدالله بن الزبير كان أمامه أمران إما أن يرمم الكعبة أو أن يهدمها ثم يعيد بناءها فقرر هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد سيدنا إبراهيم عليه السلام وليس كما بناها جماعة قريش.
وقد دعا ابن الزبير وجوه الناس وأشرافهم فشاورهم فى هدم الكعبة فأشار عليه ناس كثيرة بهدمها وأبى أكثر الناس هدمها وكان أشهرهم عبدالله بن عباس.. وقال دعها على ما أقره رسول محمد – ﷺ – فإنى أخشى أن يأتى بعدك من يهدمها ثم يأتى من بعد ذلك آخر لهدمها فلا تزال تهدم وتبنى فتذهب حرمة هذا البيت من قلوبهم ويتهاون الناس بحرمتها ولا أحب ذلك.
فلما أراد الزبير هدم الكعبة أخرج أهل مكة منها، فمنهم من ذهب إلى الطائف ومنهم من ذهب إلى منى خوفًا أن ينزل عليهم عذاب بسبب هدمها ولم يرجعوا إلى مكة حتى أُخذ فى بنائها فلما هدم ابن الزبير الكعبة وسواها بالأرض كشف أساس سيدنا إبراهيم عليه السلام فوجده داخل فى الحجر نحو ستة أذرع وشبرا وقد أخذ بعضها ببعض فدعى الزبير خمسين رجلًا وأشرافهم وأشهدهم على ذلك الأساس ثم وضع البناء على ذلك الأساس ووضع باب الكعبة على مد ملاصق للأرض وجعل عتبته على الحجر الأخضر الطويل الذي فى ظهر الكعبة من الركن اليمانى وبلغ الزبير بالبناء ثمانية عشر ذراعًا فى السماء كان هذا طولها يوم هدمها.
وقال الزبير كان قول قريش تسعة أذرع حتى زادت قريش فيها تسعة أذرع طولها فى السماء أزيد تسعة أذرع أخرى لبنائها لكى يكون بناؤها سبعة وعشرين ذراعا فى السماء وعرض جدارها ذراعين وكان باب الكعبة قبل بناء الزبير مدخلًا واحدًا فجعل فيها مدخلين طولهما أحد عشر ذراعا من الأرض إلى أعلاها.