د. حسام الإمام يتناول: التحدي المركب

<p>منذ الصغر وأنا أرى أصنافاً متباينة من البشر تتعامل مع هذا السؤال بأشكال مختلفة. </p><p> </p><p>والسؤال باختصار وبساطة هو هل يجب أن أثق في كل من أتعامل معهم ثقة ليس لها حدود أو قيود، على أساس حسن النية، وأنْ أحسن نيتك يحسن الله حالك؟ </p><p> </p><p>أم أن الأعقل والأرشد أن يكون الشك المطلق هو منهجى المستقر دائماً وأبداً، استناداً إلى أن سوء الظن من حسن الفطن؟ </p><p> </p><p>أم أمنحهم ثقتى المطلقة حتى يثبت العكس فيكون لى معهم موقفاً حاسماً فورياً نهائياً؟</p><p> </p><p>رأيت وعايشت وتعايشت مضطراً مع من يتبنون مبدأ الشك المطلق، مرتاحين له قانعين به، هانئين باختيارهم ومستندين إليه بمنتهى القوة التي لا تقبل جدالاً أو مناقشة. حسم هؤلاء أمرهم وقرروا ألا يمنحوا ثقتهم لأحد، فلا أحد – في رأيهم ووفقاً لقناعتهم وخبراتهم الحياتية – يستحق تلك الثقة. وإن كان ولابد وأجبرته الظروف على وضع ثقته في أحد، تجده يضع في طريقهم عقبات واختبارات قد لا يكون لهم طاقة بها، لكن هذا هو الأمر إن أرادوا أن يثبتوا جدارتهم لكسب ثقته صعبة المنال. لكنك – وبدون بذل أي مجهود – سوف تجد هذا الشخص وقد بات القلق رفيقاً ملازماً له طول الوقت، بشكل ينعكس حتماً على كل من يتعامل معه. القلق صديق ورفيق ملازم للشك دوماً، وطالما أنه يشك في من حوله فلابد وأن تجده قلقاً منهم خائفاً على حياته وماله وكل شيء ! وربما تعجز أحياناً كثيرة عن معرفة سبب خوفه، فتجده خائفاً من شيء ما ! شيء مجهول مترسخ في مخيلته هو وحده. وبالتالي يصبح الخوف من ردة فعله الغير متوقعة أمراً ملازماً لكل من حوله ! فتجدهم يحاولون بكل جهدهم أن يحوزوا ثقته التي غالباً لا يعلمون لها شكلاً محدداً أو مدخلاً واضحاً ! فهذا الشكاك غالباً ما تجده صاحب مزاج متقلب، وعليك أن تحاول إرضائه بكل الوسائل الممكنة، والمصيبة أنه يرى ذلك ويفهم محاولاتك فيزداد يقيناً أن شكه في محله، فأنت وأمثالك ممن يراهم يجيدون المديح والتطبيل لا تستحقون ثقته.</p><p> </p><p>وفى جانب آخر رأيت حسن الخلق، الطيب إلى أقصى حد تتصوره، وجدته يحرص كل الحرص ألا يحرج أو يجرح أحداً. الاستقرار والأمان سمته المميزة التي تراها وتلحظها بكل سهولة وهى تنعكس بوضوح تام على سلوك كل من حوله. لا تجد مشقة فى التعامل معه أو كسب وده فهو يساعدك علي ذلك بكل ما أوتى من قوة، تلك قاعدته وهذا مبدأه الذي ارتاح إليه واختاره بكامل إرادته. لقد قرر أن يثق في كل من حوله بمنتهى القوة يقيناً منه أن تلك الثقة المطلقة هي خير سبيل لراحة باله وأقرب طريق لبناء الثقة مع الآخرين وكسب ودهم وإخلاصهم. يراه البعض ذو حظ كبير من الضعف وعدم الحزم ويقسمون على ذلك بكل الأيمان، وهو يرى ويسمع وينظر إليهم مبتسماً، لا يبالى لهم فهو يرى نفسه ذو مبدأ، يتعامل مع الله فقط ولا يريد جزاءاً إلا منه. </p><p> </p><p>صنف آخر تجده يدور بين هذا وذاك، فلا تجده مستعداً للحياة وهو ينظر إلى كل من حوله دائماً بعين الشك، حيث أنه ليس من هواة القلق ولا يفضل لنفسه هذا الشكل من أشكال الحياة. كما تجده فى الوقت نفسه لا يستطيع صبراً على نظرة الآخرين واتهامهم له بالضعف والخنوع إن هو تبنى منهج الثقة المطلقة. لذلك رأيتهم وقد تبنوا منهجاً وسطاً، يمنحوك ثقتهم الكاملة، يمنحونها بسخاء لكل من حولهم، من يعرفونه ومن لا يعرفونه، ولكن هو منح إلى حين.. إلى أن يثبت العكس، فإذا ثبت العكس فانتظر منهم موقفاً حازماً حاسماً فورياً لا رجعة فيه.</p><p> </p><p>ووجدت بعضاً يتبنون هذا المنهج الأخير مع تطويره بعض الشئ، وبأسلوب ربما كان هو الأقرب إلى نفسى. وجدتهم وقد أعلنوا للجميع استعدادهم لمنح ثقتهم كاملة وبغير حدود، لكن يصاحب ذلك المنح السخى الكريم تحذير شديد حازم وحاسم، يعيه ويفهمه من علم وأدرك أن هؤلاء الناس قد فكروا وقرروا وسوف يفعلون وينفذون قراراتهم بمنتهى الجدية. المنهج واضح وكذلك التحذير، إليك ثقته كاملة، ومسموح لك أن تخطئ ويسامحك على خطأك مرة أولى وثانية، لكن إن أتممتها بالثالثة فاعلم أنها سوف تكون الحاسمة، حيث لا معنى لذلك إلا أنك غير حريص على مشاعره ولا مصالحه أو أنك خطاء بطبيعتك، عاجز وغير قادر على تصويب سلوكك، فلا تلومن إلا نفسك طالما أعلنها لك واضحة جلية فى بداية اللقاء.</p>