المهندس أمجد المناوي يكتب: ‘نحن لا نتبع أحداً’

المهندس أمجد المناوي يكتب: ‘نحن لا نتبع أحداً’

 

  لسنا لأحد.. لا نُهدى، ولا نُملَك، ولا يُمسَك بنا كأننا ممتلكات.نحن أرواح عابرة في عالم فاني، خلقنا الله بيده، ونفخ فينا من روحه، فلا يليق بنا أن نُعلّق قلوبنا بمن لا يملكون أنفسهم.في لحظة تأملٍ صادق، تنجلي أمام الروح حقيقة كبرى كثيرًا ما تغيب وسط صخب الحياة: لسنا لأحد.ليست هذه العبارة مجرد تعزية تُقال، ولا ترفًا لغويًا يُردد في مجالس الفقد، بل هي حقيقة وجودية ناصعة، ومفتاح لفهم سرّ الطمأنينة، وبوابة التحرر من كل قيد أرضيّ يقيد القلب ويستهلك الروح.نحن نأتي إلى الدنيا حفاة من كلّ شيء، لا نملك مالًا، ولا جاهًا، ولا حتى أسماءً؛ ثم تبدأ رحلتنا في عالم الغواية والتعلقات، فنُمنَح من نِعَم الله ما يُختَبر به صدقنا، ويُبتلى به صبرنا؛ نُحبّ، ونتعلّق، ونُؤمّل، ونُراهن على من لا يملكون حتى مصيرهم.لكن حين يُصيبنا الفقد، أو يُصعقنا الغدر، أو يخذلنا من ظننّاه الأمان، تتجلى الحقيقة كأنها نور ينفذ إلى أعماقنا:نحن لا نملك شيئًا… ولسنا مِلك أحد؛ نحن لله. كل ما بأيدينا مؤقّت، وكل من في حياتنا مؤقّت، ونحن أنفسنا مؤقّتون؛ زوّار على هذه الأرض، نُودَع فيها كما نُودِع، ونُرفع منها كما رُفع من قبلنا. حين نفقد عندما يُنتزع منا عزيز فجأة، أو يُغلق في وجوهنا بابٌ ظننّاه لا يُغلق، يهتف القلب بما لا يُقال: لماذا؟! كيف؟! ويأتي الجواب من السماء: “الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنّا لله وإنّا إليه راجعون” إنها ليست مجرد كلمات، بل إعلان تسليمٍ ورضا… نحن لله، نأتي بأمره ونمضي بأمره، لا نملك لأنفسنا نفعًا ولا ضرًا، فكيف بمن نحب؟ حين نُخذَل الخذلان موجِع.. لكنه في جوهره يقظة رحمة، يوقظك من وهم الاتكاء على بشر؛ وكل خذلان هو في الحقيقة دعوة للعودة إلى الأصل: أن يكون اعتمادك على من لا يخذلك، وسندك من لا يتغير.فالبشر بطبعهم متقلّبون، أما الله، فثابت لا يتبدّل؛ يعطي دون مَنّ، ويسمع دون وسيط، ويحتويك دون أن تحتاج لتبرير أو شرح. حين تتحرر حين تُدرك بصدق أنك لست لأحد، تتحرر من سجن التعلق، ومن قيود الخوف، ومن استجداء القبول.تصبح أكثر حبًّا، لا تعلقًا؛ أكثر عطاءً، لا انتظارًا؛ أكثر رحمة، لا ضعفًا.تسامح لأنك لا تريد حمل الأعباء، وتتجاوز لأنك تدرك أن الأمور بيد الله، لا بيد من خذلوك. خلاصة القول.. في هذه الحياة، لا أحد يدوم، ولا أحد يملك أحدًا.. وكل قلب سلّم أمره لله، وآمن حقًّا بمعنى: “إنّا لله وإنّا إليه راجعون”، نال في دنياه ما لا تُعطيه الأيدي: سكينة في القلب، وقوة في الابتلاء، ونورًا في الطريق، وثقة لا تزول مهما تغيّر العالم من حوله.فلسنا لأحد.. نحن لله، وبه نطمئن. قلها من القلب لا من اللسان: “إنّا لله.. وإنّا إليه راجعون.” فيها الراحة، وفيها القوة، وفيها بداية الشفاء.