مسرحية “وجوه”: جوهر التحديات في الفنون التعبيرية المصرية

مسرحية “وجوه”: جوهر التحديات في الفنون التعبيرية المصرية

عندما تلقيت دعوة كريمة من الفنان الكاتب الصحفي الصديق ناصر عبدالحفيظ لحضور عرض مسرحية “وجوه” بساقية الصاوي، وهي من إنتاج فرقته الخاصة المستقلة “فرقة المسرح المصري”، عادت إلى ذاكرتي بشكل ملح فكرة الإنتاج المسرحي والإنتاج الفني في كافة الفنون التعبيرية المصرية.

وطرحت على نفسي السؤال مجدداً: ما هي المشكلة الحقيقية في الصناعات الإبداعية والثقافية المصرية الآن؟ 
وماذا يمكن لنا إيجازه واضحا للدولة والمجتمع المدني بعد كل تلك النقاشات المثارة حول إنتاج الدراما والفنون التعبيرية؟ 
ماذا يمكننا أن نحدد لنقول أنه جوهر المشكلة، ما هو هذا السد المنيع بين المبدعين من كل الأجيال وبين الإبداع الفني الجماهيري الجمالي والمعرفي معا؟ 
كنت أفكر في ناصر عبدالحفيظ هذا الفتى الشجاع الذي أغلقت في وجهه كل الأبواب كما تم إغلاقها أمام قامات كبرى ومواهب قادمة. 
ناصر لم يجلس ليبكي على اللبن المسكوب، ولم يبقى منتظراً في طابور الانتظار الطويل أمام الأبواب المغلقة. 
على صعيد عمله الصحفي ترأس تحرير بوابة الأخبار العربية، وهي جريدة وموقع إليكتروني مستقل مملوك له ومسجل بأسمه، وفيه كتب ما أراد، ودعم من إختارهم من الشخصيات وإنحاز لما اعتقده صوابا في مواقفه العامة. 
وفي المسرح وهو عشقه الأول الذي كان مولعا به كممثل موهوب مأخوذ بوهج التمثيل، أنشأ فرقة الخاصة فرقة المسرح المصري، والتي فجر فيها هواجسه الإبداعية كممثل وكمؤلف وكمخرج. 
جمع حوله مجموعة تشبهه من الذين تم إغلاق الأبواب أمامهم، ليفتح بهم لنفسه ولهم نافذة مطلة على الحق في ممارسة الإبداع. 
وقد آمن بفكرته الملحن الكبير محمد عزت،  والذي إنضم لفرقته مؤخراً ليدعمها بخبرته وتاريخه وإبداعه الثري، وتجربته المسرحية التاريخية، والتي تم إغلاق الأبواب أمامه أيضاً بشكل مفاجئ إلا قليلاً. 
تأتي الإجابة عن أين تكمن المشكلة في إنتاج الدراما والفنون التعبيرية واضحة في ذهني بينما كنت أسير متجها إلى ساقية الصاوي وهي: 
إن المشكلة حقا تكمن في توزيع الإنتاج الفني، فمن يملك دور العرض والشاشات والإتاحة والتوزيع والتسويق في السينما والمسرح والدراما التليفزيونية والأغنية هو من يملك قرار النشر والتوزيع والإتاحة والوفرة والترويج وتحقيق المكاسب المالية والمعنوية. 
إنها ليست مشكلة الإنتاج ولا الفنان ولا الإدارة ولا كل الثنائيات القطبية الحادة التي تم إطلاقها للتداول على الرأي العام، ليست مشكلة الشباب والكبار، ليست مشكلة المحترفين والهواة، ليست مشكلة المختصين الأكاديمين وأصحاب الخبرات الوطنية. 
إنها مشكلة التوزيع الداخلي والخارجي، ودور العرض ومن يملك بيع التذاكر والدعاية والقدرة على التسويق وبيع الإنتاج الإبداعي في الداخل وفي المحيط العربي والدولى. 
وهكذا ورغم أن ناصر عبد الحفيظ فرد وليس مؤسسة، فقد استطاع أن يمارس الإنتاج الفني بسهولة، وبقى يكافح ضد العقبات الكبرى في التوزيع ودور العرض وبيع التذاكر. 
وقد نجح في أن يحصل على مسرح نقابة الصحفيين والتي دعمته كمنصة عارضة لإنتاجه المسرحي، وشاهده الموزعون فذهبوا به إلى أنحاء عدة من الوطن العربي الكبير، ومن البلاد الشقيقة التي دعمت هذا النوع الإبداعي الجزائر وليبيا وتونس، كما تجول في أرجاء مصر في أماكن عدة، وكانت العاصمة العمانية مسقط هي الداعم الأكبر لفرقته. 
ويبدو أنه ومع الحضور رفيع المستوى لرجال الدولة المصرية وعلى رأسهم اللواء طارق المهدي، وعدد بارز من الدبلوماسيين والإعلاميين يمكنني القول أن تجربة فرقة المسرح المصري قد حظت بالإعتراف والاهتمام كفرقة خاصة، تحتاج حقا إلى إتاحة في مصر كي تصل إلى كل ربوعها، وكي تطل علينا من الشاشات المصرية والمنصات المتعددة، كحل ضروري لمشكلة التوزيع والتسويق ودور العرض، لهذا النوع من الإنتاج المسرحي المستقل الخاص بصفات إبداعية جمالية وفكرية جيدة الصنع. 
هي وما يشبهها من كيانات وفرق أخرى مستقلة ذات طابع إبداعي جمالي وفكري أيضا. 
ثم ذهبت لحالة من السعادة الوجدانية مع عرض وجوه ليلة الثلاثاء الخامس عشر من شهر يوليو الجاري 2025، وذلك أنه يعتمد على وهج الممثل وهو يقدم شخصية استثنائية لشخص مصري جعله ناصر يشبه الشخصيات الاستثنائية العديدة التي وقعت كضحايا للتفكك الأسرى. 
تبقى مسرحية وجوه تحكي عن إنسان إنفصل والده عن أمه وعاش طريدا بين بيوت العائلة، وهو يحكي معاناته الخاصة جدا مع زوجه الأب التي اتهمته اتهاما بشعا بأنه ينظر إليها نظرات إعجاب ذكوري، فطرده والده للشارع، إنه الشر المجنون عندما تريد زوجة الأب إقصاء الأبن الأول للزوجة الأولى، أمه طردته أيضا، أما خالاته فهن يخشين على بناتهن من وجوده. 
انها حالات إنسانية متكررة في مصر والوطن العربي الكبير، حيث تتراجع كثيرا تلك الروابط الأسرية، والتي تهدد أجيالا قادمة تهديدا وجوديا. 
لم يكن أمامه إلا الشارع، وفي الشارع استطاع أن يعيش بهذه الملابس المتسخة، وتلك الألوان التي تغطي وجهه الذي لا يجد الماء بسهولة، لكنه إنتصر في النهاية بفهمه لتلك الوجوه القاسية المستعارة، ليصنع المستحيل وينتصر على تلك الوجوه القاسية وكل الأبواب المغلقة. 
إنها فرقة المسرح المصري حيث شارك الجمهور الممثلين الغناء ودخلوا في حوار مباشر تبادلي معا، لتحقيق الفرجة الشعبية الاحتفالية، حدث ذلك في بساطة العمق وسهولة وإختزال اللغة المسرحية، والتي تعتمد الإشارات البسيطة. 
وفي دفء الصدق الفني وعشق المسرح استمتعنا بمسرحية وجوه لفرقة المسرح المصري الخاصة المستقلة، في فضاء مسرحي من المجتع المدني في ساقية الصاوي، إنهم الرائعون: 
الكاتب الليبي صاحب القصة الأصلية أحمد يوسف عقيلة، والمؤلف المسرحي فتحي القابسي، والإعداد والتمصير والبطولة لناصر عبد الحفيظ، وبطولة كل من:  
محمد عزت، أحمد رحومة، إسلام ماكي، ميادة يحيى، فاطمة صلاح، ريان هاشم، عاصم عبد الله، دينا أحمد، لمياء العبد، بمساعدة الإخراج نيفين خله، تصميم الدعاية نجلاء فتحي، مسؤولة الإعلام جني ناصر، إخراج منفذ أسماء عفيفي… ولهم من قلبي سلام.