استراتيجية الشيطان في قطاع غزة

استراتيجية الشيطان في قطاع غزة

للأسف، كل المؤشرات تؤكد أن إسرائيل ما زالت تسير على ذات النهج الصهيوني المتطرف، الذي وضعه بن جوريون ورسخه شارون، والقائمة على استراتيجية إعادة هندسة قطاع غزة، بشكل يمكنهم من خلق مناطق عازلة، تمنحهم ميزة الإنذار المبكر والانتشار السريع داخل المخيمات الفلسطينية، دون أدنى مقاومة أو خسائر، وهو ذات الفكر الذي يحاول نتنياهو فرضه، وللأسف، خلال المفاوضات الجارية حاليًا لإبرام اتفاق يتيح وقف إطلاق النار وعودة المحتجزين.

 الغريب أن التاريخ يقول إن ذات الفكر الصهيوني هو ما دفع شارون، خلال فترة رئاسته لوزراء إسرائيل، إلى تدمير نحو 6 آلاف منزل حول مخيمات جباليا والشاطئ ورفح، وسمح ببناء المستوطنات داخل غزة بهدف السيطرة عليها بالكامل، بل واستحداث استراتيجية “الأصابع الخمسة”، التي تجسد فكرة الإنذار المبكر والرد السريع، التي تحتم ضرورة تقسيم القطاع إلى خمس مناطق، تتيح تحقيق الاستراتيجية والسيطرة الكاملة على غزة. وهو ذات المخطط الذي سارت عليه الحكومات المتعاقبة في إسرائيل وما زالت، إلى أن تم تقسيم القطاع إلى محاور “مفلسيم، ونتساريم، وكيسوفيم، وموراج، وفيلادلفيا”، التي تمثل استراتيجية شارون، وتجسد فكر بن غوريون بتفضيل خوض الحرب على أرض خارج نطاق إسرائيل. وعلى الرغم من أن تلك الاستراتيجية قد ضُربت في مقتل في السابع من أكتوبر 2023، فإن إسرائيل ما زالت تصر على الإبقاء عليها، وتعتبر خلق المناطق العازلة سواء قسرًا أو اتفاقًا، يمنحها الإنذار المبكر والوقت الكافي للاستعداد قبل الحرب، ما يجعلها تُبقي على المناطق العازلة في سوريا ولبنان. ذات الفكر ظهر جليًّا أيضًا في شهر يناير الماضي، حينما أصرت إسرائيل خلال الاتفاق الذي أبرمته مع حماس، على فرض منطقة عازلة تمتد داخل عمق القطاع، وعلى امتداد كل الحدود مع إسرائيل تصل إلى 700 متر، وفرض 5 نقاط أخرى امتدت إلى نحو 1100 متر، شكلت – بعد سقوط الاتفاق – نقاطًا حيوية لانطلاق عملية “عربات جدعون” التي تهدف للسيطرة على 75% من قطاع غزة. الخريطة التي قدّمتها إسرائيل خلال المفاوضات الجارية في الوقت الحالي، تؤكد تمسكها بذات فكر بن غوريون وشارون، حيث تطرح خلق منطقة عازلة تمتد نحو 2400 متر من بيت لاهيا شمالًا إلى 3700 متر في منطقة رفح بالجنوب، وتضم “بيت حانون، وحي التفاح، والشجاعية، وحي الزيتون، وجحر الديك، والبريج، والقرارة، وخزاعة، وكل رفح”. الواقع على الأرض يقول إن الخرائط الإسرائيلية المطروحة تبتلع نحو 40% من مساحة غزة، وتحرم نحو 700 ألف فلسطيني من العودة إلى منازلهم، والأخطر أنها تُبقي على مساحة شاسعة بين محوري موراج وفيلادلفيا، وتمكّن نتنياهو من إقامة مشروعه الشيطاني المسمى بـ”المدينة الإنسانية”، الذي يهدف إلى الدفع بنحو 600 ألف فلسطيني إلى مخيم أشبه بالسجن المغلق، يُلغي التواصل الجغرافي بين قطاع غزة ومصر، ويُتيح الدفع بتلك الكتلة السكانية الهائلة وقتما يشاء إلى تهجير قسري نحو الحدود المصرية، وخلق مواجهة غير محسوبة العواقب مع القاهرة.الواقع على الأرض يقول إن هناك معارك طاحنة تدور الآن في المناطق التي تطرحها الخرائط الإسرائيلية، وإن الجيش الصهيوني يعاني الأمرّين ويتكبد يوميًا خسائر بشرية وعسكرية أرعبت القيادة والرأي العام في تل أبيب، ودفعته للرضوخ والدخول في مفاوضات لإبرام صفقة تضمن وقف الحرب وعودة المحتجزين. غير أن الثابت أن حماس لن تقبل بما تطرحه تل أبيب من خرائط ومخطط شيطاني، قد يجبر الحركة على الانسحاب من الجزء الأكبر من قطاع غزة، وتفكيك بنيتها التحتية، وتسليم المنطقة لتنفيذ نتنياهو لمخطط “المدينة اللاإنسانية” وتهجير الفلسطينيين العزّل.. وكفى.