درع مصري جديد لحماية السواحل من ارتفاع مستوى البحر

تتصاعد فى السنوات الأخيرة وتيرة المخاطر المناخية التي تهدد سواحل مصر الشمالية ودلتا النيل، بفعل ارتفاع مستوى سطح البحر والتآكل المستمر للسواحل تحت ضغط التغيرات المناخية والأنشطة البشرية المكثفة.
وفى ظل هذه التهديدات المتفاقمة، تتحرك الدولة بخطى ثابتة نحو تنفيذ استراتيجية شاملة لحماية السواحل وتأمين المناطق العمرانية والزراعية، فى واحدة من أكبر وأهم معارك البقاء البيئى فى مصر الحديثة.تهديدات حقيقية تشير تقديرات اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ إلى احتمالية فقدان نحو 30% من مساحة دلتا النيل بحلول عام 2050، وهو ما قد يؤدى إلى نزوح نحو 1.5 مليون مواطن من المناطق الساحلية، بسبب غمر الأراضى بالمياه المالحة وارتفاع منسوب سطح البحر. وتبدو الإسكندرية -جوهرة البحر المتوسط- من أبرز المدن المهددة، حيث يُتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر بها بمعدل يصل إلى 12 سنتيمترًا بحلول عام 2030، وقد يصل إلى 74 سنتيمترًا بحلول نهاية القرن، ما يعنى ارتفاعًا حادًا فى معدلات الخطر.وتعكس معدلات التآكل فى بعض المناطق، مثل مرسى مطروح، حجم الأزمة، حيث وصلت إلى 3.5 متر سنويًا فى الفترة ما بين 2005 و2015، مما يسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى استجابات سريعة وعملية تحصّن السواحل وتحفظ التنوع البيئى والمجتمعى القائم عليها.استجابة مصرية ردًا على هذه التحديات، أطلقت وزارة الموارد المائية والرى مشروعًا ضخمًا لحماية السواحل بتمويل قدره 31.4 مليون دولار، بدعم من صندوق المناخ الأخضر وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى. ويهدف المشروع إلى إنشاء حواجز رملية بطول 69 كيلومترًا فى خمس محافظات ضمن دلتا النيل. وحتى أبريل 2025، تمكنت الحكومة من حماية أكثر من 70% من المناطق المستهدفة، فى إنجاز يطال نحو 250 ألف أسرة بشكل مباشر.التكنولوجيا فى خدمة السواحلواكبت الجهود المصرية الاعتماد على أنظمة تكنولوجية متقدمة لمراقبة الشريط الساحلى البالغ طوله أكثر من 2000 كيلومتر، باستخدام صور الأقمار الصناعية وتقنيات نظم المعلومات الجغرافية (GIS).وقد سمحت هذه الأدوات برصد دقيق لمناطق التآكل، واتخاذ التدابير المناسبة فى الوقت المناسب، ضمن خطة مرنة تعتمد على الاستجابة السريعة والتخطيط طويل الأمد.وفى خطوة هامة لحماية المواقع الأثرية والسكنية فى مدينة الإسكندرية، تم إنشاء حواجز خرسانية غاطسة على امتداد كورنيش المدينة، باستخدام كتل خرسانية يصل وزنها إلى 5 أطنان. وقد امتدت هذه الحواجز لمسافة 835 مترًا، لحماية قلعة قايتباى التاريخية من مخاطر التآكل البحرى، إلى جانب تطوير ممشى بحرى جديد بطول 120 مترًا، يضيف بعدًا حضاريًا وسياحيًا للمشروع.حماية استباقيةحرصت الدولة أيضًا على تعزيز قدرتها على التنبؤ والتعامل مع الكوارث المناخية، من خلال إنشاء أول شبكة متكاملة للإنذار المبكر ضد الأمواج العاتية والعواصف، بطول 69 كيلومترًا، تغطى خمس محافظات ساحلية.وتهدف هذه الشبكة إلى حماية المناطق المنخفضة من مخاطر الفيضانات والمد والجزر المفاجئ، عبر قياسات دقيقة وتحذيرات فورية. خطة وطنية شاملةفى خطوة استراتيجية غير مسبوقة، أعدت مصر أول خطة وطنية متكاملة لإدارة الشواطئ بطول الساحل المصري الممتد لمسافة 1200 كيلومتر. وتستند هذه الخطة إلى مجموعة من السيناريوهات المتوقعة لتأثيرات التغير المناخى حتى عام 2100، مع توزيع واضح للأدوار والمسؤوليات بين الجهات المعنية، وفقًا للإطار التشريعى الوطني المنظم لقطاعات البيئة والمياه.إنجازات ملموسة لم تعد الجهود المصرية مجرد خطط على الورق، بل تحققت نتائج واقعية خلال عامى 2024 و2025. فقد تم تأمين نحو 210 كيلومترات من السواحل، ويجرى العمل حاليًا على تنفيذ 50 كيلومترًا إضافية. كما بلغت نسبة إنجاز الحواجز الرملية حوالى 70%، وتم تركيبها بطول 69 كيلومترًا فى المحافظات الخمس المستهدفة، مما ساهم فى حماية المجتمعات الساحلية والبنية التحتية الزراعية والعمرانية.أما على صعيد الرصد العلمى، فتمت مراقبة الشريط الساحلى المصري بالكامل، الممتد على أكثر من 2000 كيلومتر، منذ عام 2000.