قانون تهجير الطبقة الفقيرة

يقيني أنه لو مُنِح ألدّ أعداء النظام في مصر فرصة للخروج بصيغة أسوأ مما طرحته الحكومة، ووافق عليه البرلمان من مواد كارثية بقانون الإيجار القديم، ما استطاعوا، في مشهد يعكس قصورًا في الرؤية السياسية، وبُعدًا عن واقع حياة الفقراء، والتبعات الاجتماعية والأمنية الخطيرة التي قد تترتب على تطبيق التشريع الجديد، الذي يُلقي بملايين الأسر الكادحة إلى الشارع دون مأوى.
ولأنني هنا لا أهدف سوى لصالح هذا البلد، ودقّ جرس إنذار لكارثة قد تضر بصميم الأمن الاجتماعي المصري، فإن الواقع من خلال المناقشات التي شهدها مجلس النواب يقول: إن الحكومة طرحت مشروع القانون المصيري دون امتلاك الحد الأدنى من البيانات الموثقة لواقع المشكلة على الأرض، أو أعداد الملاك والمستأجرين وحالتهم الاقتصادية، ورغم ذلك أصرت، ومعها نواب الأغلبية، على تمرير التشريع، دون مراعاة لتبعاته الاجتماعية والأمنية على البلاد.المشهد الدراماتيكي تحت قبة البرلمان يؤكد، وبوضوح، أن الحكومة والبرلمان لم يلتفتا إلى الواقع المزري الذي وصلت إليه الطبقة الوسطى في مصر – وأغلبها من المستأجرين – التي تحمّلت دون ضجر التبعات الثقيلة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي منذ عام 2016، بما شمله من ارتفاعات ضخمة في أسعار كل السلع والخدمات، وتحرير لسعر صرف الجنيه المصري، ورغم ذلك قرر المجلس الموقر تمرير القانون، دون النظر إلى التبعات الاقتصادية والاجتماعية على الفقراء، استجابة لحكم المحكمة الدستورية، الذي ألزم البرلمان بنظر التشريع قبل نهاية فضّ دورة الانعقاد الأخيرة.ولعل ما يدعو للعجب فيما دار من مناقشات تحت القبة، أن الحكومة حاولت تسكين الجميع، والإقرار – على عكس الواقع – بأنها تمتلك وحدات سكنية تكفي ملايين الأسر الفقيرة التي سيلقي بها القانون إلى الشارع، وسط انحياز غير طبيعي من نواب الأغلبية، الذين يعلمون يقينًا أن العجز غير المسبوق بالموازنة العامة للدولة، من المستحيل أن يمكّن الحكومة من الوفاء بتعهداتها، بتوفير ملايين الشقق البديلة للمتضررين.المؤكد أن القانون، بصيغته الحالية، سيخلّف مأساة اجتماعية تضرب صميم الأمن الاجتماعي في هذا البلد في مقتل، ورغم ذلك لا يزال ملايين المستأجرين الفقراء يتمسكون بأمل رفض الرئيس للتشريع الجديد، في ظل امتلاكه – وفقًا للمادة 123 من الدستور – حرية الموافقة أو الاعتراض عليه كاملًا، أو التعديل على بعض مواده، وإعادته لمجلس النواب خلال 30 يومًا. ورغم الأمل الذي يعقده الملايين على إمكانية رفض الرئيس للقانون، فإن المشهد في تلك الحالة لن ينتهي، حيث سيتحتّم على مجلس النواب، الذي بات على بُعد أيام من انقضاء فصله التشريعي الأخير، ضرورة مدّ دورته البرلمانية لإعادة النظر في التشريع، إما بتبني وجهة نظر الرئيس، والإقرار بالتعديلات التي اقترحها، أو التمسك بالنصوص التي سبق أن أقرّها، وإصداره بعد موافقة ثلثي الأعضاء. في حين تبقى الإشكالية الأكبر في حالة تأخر البرلمان في إرسال القانون إلى الرئيس، أو رفضه من قِبل الرئيس بعد انتهاء الدورة البرلمانية، حيث سيتعيّن في تلك الحالة ضرورة الالتزام بحكم المحكمة الدستورية، الذي قضى في نوفمبر الماضي بعدم دستورية ثبات القيمة الإيجارية، وهو ما سيتيح للملاك رفع ملايين القضايا على المستأجرين وطردهم من مساكنهم بسهولة، وتصدير كارثة اجتماعية ما زال بأيدينا تداركها بتشريع عادل. صدقًا.. ليس هناك أقسى على المواطن من أن يشعر بعدم الأمان في وطنه، وهو شعور مخيف صدّره القانون بصيغته المتسرعة، التي لا تصبّ في صالح المواطن أو النظام، بل صدّر مأزقًا دستوريًا وقانونيًا، يحتّم ضرورة البحث عن مخرج لتجميد التشريع، لحين طرحه بصياغة متأنية ومدروسة، تضمن حقوقًا عادلة للجميع، أمام مجلس النواب القادم.. وكفى.