30 يونيو من منظور الصريطي: شهادة حول كواليس الاعتصام وصولاً إلى النصر

30 يونيو من منظور الصريطي: شهادة حول كواليس الاعتصام وصولاً إلى النصر

في لحظة فارقة من تاريخ مصر، وقف الفنانون جنبا إلى جنب مع أبناء الشعب المصري في 30 يونيو، ليعلنوا بصوت واضح رفضهم لحكم الجماعة الإرهابية، مؤكدين أن الفن ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل موقف ورسالة.

 من بين هؤلاء، برز الفنان سامح الصريطي، واحد من أبرز الوجوه التي حملت راية الثقافة والموقف الوطني. فالصريطي ليس فنانا تقليديا، بل مثقف صاحب رؤية، لا يخشى التعبير عن مواقفه مهما كان الثمن. إيمانه العميق بدور الفن في تشكيل الوعي جعله في طليعة المثقفين والفنانين المعتصمين داخل وزارة الثقافة، عندما استشعروا الخطر المحدق بهوية مصر تحت حكم الإخوان. يرى الصريطي أن مشاركة القوى الناعمة في ثورة 30 يونيو أضفت عليها طابعا حضاريا، فتحولت من ثورة الدم إلى ثورة الفن، ومن صدام الشارع إلى إبداع المسرح والكلمة والصورة، لتكون رسالتها أن الفن أقوى من العنف، وأن الهوية لا تبدل بالمولوتوف. ورغم شعوره بالخذلان بعد لقائه بالرئيس المعزول ضمن وفد فني، ظل الصريطي على يقين بأن إرادة الشعب ستنتصر، وهو ما تحقق بالفعل. فقد آمن بأن الفن قادر على المواجهة، لا بالسلاح، بل بالوعي، وأن الدفاع عن مصر يبدأ من الدفاع عن هويتها الثقافية. 30 يونيو.. الخلاص الحقيقي في حديث خاص، استعاد الفنان الكبير سامح الصريطي ذكريات ثورة 30 يونيو، واصفًا إياها بأنها لحظة “الخلاص”، التي أعادت لمصر هويتها المسلوبة، وفرضت إرادة شعب أراد الحياة، فلبى الجيش النداء وانحاز للملايين في الشوارع. وقال الصريطي: “30 يونيو بالنسبة لي تعني استعادة الهوية المصرية، وفرض إرادة شعب رفض القهر، وشهد أعظم مشهد في تاريخنا الحديث بتلاحم الجيش مع الشعب في استجابة عظيمة لنبض الجماهير”. وعن موقفه حين تولى الإخوان الحكم، أوضح الصريطي أنه تعامل في البداية مع الأمر كخيار ديمقراطي، قائلا: “عندما وصل الإخوان إلى الحكم، قبلنا النتيجة لأنها جاءت عبر صناديق الانتخاب، وأصدرت حينها نقابة المهن التمثيلية بيانًا نعتبر فيه ما حدث عرسا ديمقراطيا وعلينا احترام إرادة الشعب، لكن في قرارة أنفسنا كنا قلقين على الوطن. لم يكن الخوف على الفن، لأن الفنان يستطيع التعبير عن رأيه بأي طريقة لكن الخوف الحقيقي كان على هوية مصر ومستقبلها”. واعتبر الصريطي أن الإعلان الدستوري الذي صدر في نوفمبر 2012، والذي منح الرئيس المعزول صلاحيات مطلقة، كان لحظة سقوط القناع، وقال: “منذ ذلك الإعلان بدأت القناعة تتشكل لدينا بأن هذا النظام يرسخ للديكتاتورية”. وعن لقائه بالرئيس المعزول ضمن وفد من الفنانين، وصف اللقاء بأنه كان محاولة لاحتواء الغضب، دون نية حقيقية للإصلاح أو التنفيذ، وأضاف: “كنا ننتظر أفعالا لا أقوالا، ولكننا شعرنا أن ما قيل لنا كان مجرد كلام مرسل لامتصاص الغضب، خاصة بعد حملة التجاوزات الممنهجة ضد الفنانين”. وتوقف الصريطي عند لحظة وصفها بالمفصلية، عندما تعرضت الفنانة إلهام شاهين لهجوم فج، تبعه تطاول على النجم عادل إمام، فقال: “أصابنا ما حدث لإلهام بغصة في الحلق، وأدركنا أننا أمام نظام لا يحترم الفن ولا رموزه. عندها قررنا ألا نصمت، ولم نعد إلى الوراء. واجهنا تهديدات مباشرة، حتى أن الإخوان أعلنوا نيتهم اقتحام مقر النقابة، لكننا تصدينا لهم ولم نستسلم رغم التهديدات”. وأشار الصريطي إلى أن محاولات طمس الهوية الثقافية كانت صارخة، من الدعوة لهدم التماثيل، إلى الحديث عن إلغاء فن الباليه، مستنكرا تلك التوجهات: “كيف يمكن أن يمحى تاريخ بهذه السهولة؟ ثم فوجئنا بوزير ثقافة لا يؤمن بالثقافة أصلا، وكانت تلك القشة التي فجرت غضب الوسط الثقافي والفني، فخرجت شرارة المظاهرات من دار الأوبرا نفسها”. وتحدث الصريطي عن بداية الاعتصام بوزارة الثقافة، مشيرا إلى دور المخرج خالد يوسف الذي كان حاسما في تلك المرحلة: “في أحد الاجتماعات، أطلق خالد يوسف تهديدا صريحا: إذا لم تتم إقالة الوزير خلال أيام، فسيحدث ما لا يحمد عقباه. وبعد أربعة أيام دون تحرك، اتصلت بخالد، وفوجئت به يقول إننا في العاشرة من صباح الغد سنكون في وزارة الثقافة وسنبدأ الاعتصام، وبدأت فورا بالاتصال بعدد من الفنانين لحشد الصفوف”. وأكد الصريطي أن هذا الاعتصام كان نقطة تحول مهمة في مشهد مقاومة محاولات طمس الهوية المصرية، قائلا: “كانت رسالتنا واضحة: الفن والثقافة هما درع الوطن، وسلاحنا هو الوعي أمام أي فكر ظلامي يحاول العبث بمصر”. واستعاد الصريطي تفاصيل مشاركته في اعتصام وزارة الثقافة إبان حكم جماعة الإخوان، مؤكدا أن ثورة 30 يونيو لم تكن فقط ثورة شعب، بل كانت لحظة إنقاذ لهوية وطن وكشف لحقيقة مشروع كان يهدد الحضارة المصرية من جذورها. يقول الصريطي: “بدأ اعتصامنا في وزارة الثقافة بمطلب بسيط، وهو إقالة وزير لا يؤمن بالثقافة، لكن سريعا ما تطور الوعي الجماعي إلى إدراك أن المشكلة ليست في الوزير فقط، بل في النظام بأكمله، فكان مطلبنا التالي هو رحيل النظام الذي حاول طمس ملامح مصر الثقافية والحضارية”. ويضيف: “مارسنا في الاعتصام كل ما تم منعه داخل الوزارة، من عروض الباليه إلى عزف الأوركسترا، كانت أجواء الاعتصام مبهجة، خصوصا بتفاعل سكان حي الزمالك معنا، حيث كانوا يشاركوننا الفرح ويلقون علينا الحلوى من شرفاتهم، في مشهد لا ينسى”. وعن محاولات الإخوان التفاوض، يقول الصريطي: “أرسلوا إلينا اثنين من الزملاء ليقترحوا اختيار خمسة فنانين لمقابلة الوزير والتفاوض. فرفضت بشدة، وقلت: الوزير الذي لا يستطيع مواجهة المثقفين، أيا كان عددهم، لا يستحق منصبه”. ويسترجع يوم محاولة فض الاعتصام، قائلا: “كنا على تنسيق مع العميد هشام فرج، الذي كان يمدنا أولا بأول بتحركاتهم. وفي لحظة الاعتداء، حدث احتكاك وتلاحم، لكنهم تراجعوا وفشلوا في فض الاعتصام.