سلاسل الإمداد: التوفير وتحقيق الاكتفاء الذاتي!

شدني إعلان، الدوقة ساسكس، ميغان ماركل، زوجة الأمير هاري، الابن الأصغر للملك تشارلز الثالث بإنجلترا، بكل فخر ودون كسوف، أن طفليها آرتشي 6 سنوات وليليبيت 4 سنوات، يشاركان في بيع الخضروات والفواكه المزروعة في حديقة منزلهم في مونتيسيتو، ضمن سوق محلي للمزارعين.
كما أعجبني تعليقها أن الهدف من ذلك هو ، تعليم الأطفال “قيمة الأشياء”، و من الضروري أن يدرك الطفل أن هناك ثمناً لكل شيء، تماماً كما يتعلم آداب التعامل واحترام ما يحيط به، كما أن مشاركة الأطفال في الزراعة تعلّمهم الصبر.وهنا قد يتساءل البعض ما سبب سرد تلك القصة؟ لأن بكل بساطة ما أحوجنا إلى معرفة قيمة العمل لدى الصغير والكبير، خاصة في تلك الفترة الصعيبة من حروب واضطرابات وصراعات تشهدها المنطقة و تحيط بنا من كل جانب، وآخرها الحرب الإسرائيلية الإيرانية، ونحن غير بعيدين عن تأثيراتها السلبية. ومن أوائل وأشد التأثيرات، هو اضطراب سلاسل توريد الغداء العالمية، والذي ينعكس مباشرة على الدول المستوردة للغذاء ومنها مصر، ومع استمرار الصراع والحرب، يمكن أن تصل إلى تهديد أمنها الغذائي. وتزداد المخاوف لان الحرب الإسرائيلية الإيرانية، تدور في منطقة حساسة بالنسبة للتجارة العالمية وأي خلل يحدث في مسارات التجارة سيؤثر في سلاسل الإمداد العالمية. ولا بد النظر أن استمرار الحرب في ظل إغلاقات محتملة للموانئ والمطارات قد يؤدي إلى شلل تام في سلاسل الإمداد، ما يعني نقصا متزايدا في السلع.ولو أغلق مضيق هرمز “لا قدر الله”، وهو الذي يعد أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن ويقع في منطقة الخليج العربي فاصلاً ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى.. ويعنى إغلاقه التأثير السلبي المباشر على إمدادات التجارة والطاقة وبالتالي ارتفاع أسعارها مما سينعكس بالتبعية على ارتفاع أسعار السلع الغذائية مما يترتب عليه زبادة معدلات التضخم. ومن الضرورة، العلم أن التوترات والصراعات لا بد تنعكس سلبا على حركة التجارة وبالتالى على حركة مرور السفن بقناة السويس مما يهدد بانخفاض إيراداتها. ومن هنا لابد يكون التوجه السائد، لدينا جميعا هو العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتى ، سواء في الزراعة أو احتياجاتنا الصناعية. فليس من المقبول أن يظل الميزان التجاري لصالح الواردات حيث اتجهت للزيادة العام الماضى بنسبة 7.5 ٪ مسجلة قيمة الواردات حوالي 40.3 مليار دولار عام 2024 مقابل 37.5 مليار دولار عام 2023. وعلى الرغم من ارتفاع الصادرات العام الماضى بنسبة زيادة قدرها 9.1٪ ، حيث بلغت قيمة الصادرات حوالى 46.1 مليــار دولار عام 2024 مقابل 42.3 مليار دولار عام 2023 .. إلا أن الظروف المتسارعة فى المنطقة، تجعل من الضرورى العمل بكل جدية لتخفيض الاستيراد واستبداله بالسلع الوطنية. ومن هنا كانت أهمية توجيهات القيادة السياسية بالعمل على توطين الصناعة وإعطاء الأولوية للمنتج المحلي ونرفع “شعار صنع فى مصر”، حتى نغطي احتياجاتنا من خلال انتاجنا الوطني. هناك أيضا الحاجة إلى رفع شعار مهم وهو “الترشيد”، من خلال الاقتناع التام بالظروف السائدة، فليس ذلك الوقت الذي يتم فيه الإسراف على كل المستويات حتى المقتدر وليس محدود الدخل فقط، لأن مع مشاكل سلاسل الإمدادات، فقد يتوفر المال ولكن لايقابله السلع المطلوبة. وعلى ذلك فإن أهمية ترشيد الاستهلاك مطلب حياتي ضرورى للتخفيف من حدة الأزمات المعيشية، والابتعاد عن الترف الاستهلاكي، الذي أصبح يمثل نمطاً من أنماط الحياة العصرية. ألستم تتفقون معي، أنه آن الأوان، أن نعمل جديا على تحقيق الاكتفاء الذاتى فى احتياجاتنا الأساسية وفى مقدمتها الزراعة لتوفير الغذاء وتشجيع شراء المنتج الوطني حتى لو لم يكن على مستوى مثيله المستورد فى الجودة، حتى لا نقع تحت رحمة الاضطرابات العالمية وتأثيراتها.