د. شحاتة غريب يكتب: القافلة الشعبية لمساندة غزة: ما بين العواطف والإطار القانوني!

د. شحاتة غريب يكتب: القافلة الشعبية لمساندة غزة: ما بين العواطف والإطار القانوني!

تعالت خلال الأيام الماضية بعض الأصوات الداعية إلى حشد شعبي، لانطلاق ما يسمى بقافلة الصمود بداية من تونس، اتجاهها إلى ليبيا، ثم إلى الحدود المصرية، لكسر الحصار عن غزة، ومساندة الفلسطينيين في محنتهم، حسب ادعاء المنظمين لهذه القافلة.

وهنا تثور عدة تساؤلات مهمة للغاية: هل الإعداد لهذه القافلة قد تم تلقائيا من بعض الأشخاص الوطنيين المناصرين للقضية الفلسطينية؟ أم أن هناك شيئا ما يدبر في الخفاء ضد الأمن القومي العربي بصفة عامة، والأمن القومي المصري بصفة خاصة؟! وهل جميع المشاركين في هذه القافلة قد تم التعرف على هويتهم الحقيقية، ومعرفة انتماءاتهم، وأفكارهم؟ وهل قد تم التنسيق في هذا الشأن بين الدول المعنية وصولا إلى غزة وفقا للقانون الدولي؟ أم أن الأمر قد تم دون تنظيم، ودون موافقة هذه الدول وانتهاكا لسيادتها؟ وهل يكون لهذه القافلة أي فائدة بعيدا عن الشعارات العنترية، وأصوات بعض الإرهابيين الهاربين من قضايا تتعلق بتخريب أوطانهم؟ وأين كان هؤلاء عندما لم يحضر حكامهم قمة القاهرة الطارئة وقمة بغداد من أجل غزة؟!تلكم التساؤلات التي ينبغي أن نجيب عليها بكل صراحة، ووضوح، ومصداقية، وشفافية، بعيدا عن العاطفة، وفي ضوء أحكام المواثيق الدولية، وأن يحكمنا عدة أسس ومعايير، يأتي في مقدمتها مبدأ احترام سيادة الدول، ومبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومبدأ احترام القوانين والقواعد المنظمة لدخول الدول، والإقامة فيها، ومبدأ حماية الأمن القومي العربي، وحماية الأمن القومي المصري. وانطلاقا من هذه الأسس والمبادئ، يجب على الجميع احترام سيادة الدول، وفقا لنص المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، ومراعاة القوانين المنظمة لدخولها، كالحصول على تأشيرة الدخول من السفارات المعنية، والموافقات الأمنية اللازمة، حسب النظم المتبعة في كل دولة، وأن يتم التنسيق بين وزارات الخارجية في كل الدول المعنية قبل التحرك نحو دولة ما أو أخرى، وهو ما أعلنته الخارجية المصرية في بيانها الصادر في هذا الشأن.وفي حقيقة الأمر، لم يحصل المنظمون لما يسمى بقافلة الصمود على أية موافقات، أو تصاريح، من السلطات المصرية، ولا يمكن في هذه الحالة لدولة بحجم مصر أن تسمح بدخول أراضيها لمجموعات لا نعرف هويتهم، أليس جائزا، وممكنا، أن تكون هناك عناصر مندسة داخل هذه المجموعات تستهدف المساس بالأمن القومي المصري؟ أليس ممكنا أن تكون الأيادي الصهيونية والأمريكية وراء هذا الحدث لزعزعة استقرار الوطن، ونشر الفوضى، والفرقة، والانقسام، بين الشعوب العربية، وإحداث الفتنة بينهم وبين سلطات دولهم، لينقلب الأمر إلى صراعات ونزاعات داخلية، وتغرب حينئذ شمس غزة بلا شروق مرة أخرى، نظرا لانشغالنا بما أصابنا من فتن داخلية، وانشقاقات، قد تصل بنا إلى نشوب حروب أهلية!وتجدر الإشارة إلى أنني لا أشكك في نوايا أي شعوب عظيمة، تريد أن تدعم القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني البريء، بل كلنا نؤيد هذا التوجه، وكلنا مع فلسطين، وانتصار قضيتها، ولكنني أؤكد على تذكير الجميع بأن هناك شيئا ما يتم تدبيره ضد مصر، وما يؤكد صحة ذلك ما صرح به الإخواني المتأسلم الهارب الشيخ محمد الصغير، بأن مصر محتلة لرفح، وعلى الشعوب في كل المنطقة أن تنهي ذلك الاحتلال، وتتوجه لخرق الحدود المصرية!أليس ذلك كافيا لإثبات أن هناك مخططات ضد أمن مصر، واستقرارها؟ أليس كان من الأفضل أن تتم الدعوة إلى دعم خطة مصر لإعمار غزة، بدلا من تريليونات الدولارات التي حصل عليها ترامب الداعم الأول للكيان الصهيوني! وجدير بالذكر أن مصر وقيادتها السياسية قد أعلنت بكل وضوح الدعم الكامل للقضية الفلسطينية، وعدم تصفيتها، ويجب أن يعلم أنصار المزايدة من الخونة والإرهابيين، أن مصر هي الدولة الوحيدة صاحبة الثوابت، والتي رفضت التهجير، وحذرت المجتمع الدولي من عواقب دعم الكيان الصهيوني، وأن الحل العادل لإنهاء الصراع في المنطقة، هو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. ولذلك علينا جميعا ألا ننسى المواقف العظيمة للدولة المصرية من أجل القضية الفلسطينية، وحماية الشعب الفلسطيني، واسمعوا ما قاله والد الشهيد محمد الدرة عن مصر، ومواقفها النبيلة من أجل فلسطين، وقد ترتب على شهادته بالحق هجوما عنيفا عليه من كتائب جماعة الإخوان المتأسلمة الإلكترونية، نظرا لأنهم لا يريدون إظهار الحقيقة الناصرة للمواقف المصرية العادلة مع القضية الفلسطينية، وهنا أدعو الجميع بعيدا عن العاطفة، أن يرفضوا دخول أي مجموعات إلى الأراضي المصرية دون الحصول على الموافقات اللازمة، لأن الأمن القومي المصري فوق كل اعتبار. 

أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط السابق