كنوز الأرض محفوظة

حالة من الترقب تشهدها الأسواق العالمية عامة والسوق المصري خاصةً، جراء التوترات الراهنة والصراعات بمنطقة الشرق الأوسط، والتي بدأت بالحرب «الروسية ـ الأوكرانية»، وتأثر سلال الإمداد، مرورًا بأحداث غزة وسوريا والتوترات فى ليبيا والسودان، وآخرها اندلاع المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل، والتي سيكون لها آثار كارثية على اقتصادات الدول خاصة فى الشرق الأوسط.
مشروعات عملاقةتلك «الأحداث» كشفت عن أهمية توجه الدولة المصرية، لاستغلال الموارد الطبيعية المصرية، والاعتماد على الذات فى توفير الأمن الغذائى المصري، إذ ساهمت المشروعات القومية الزراعية فى رفع الاحتياطى الاستراتيجى السلعى إلى أكثر من 6 شهور، واستطاعت من خلالها زيادة الصادرات بكميات وصلت فى عام 2024 إلى 8.6 مليون طن، ومن المتوقع زيادتها فى الأعوام المقبلة بنسبة 20% كل عام، كما بلغت قيمة الصادرات الزراعية الطازجة والمصنعة 10.6 مليار دولار، مما كان له دور مهم فى دعم الاقتصاد القومى، وتوفير العملات الأجنبية، التي من خلالها يتم توفير احتياجاتنا من المحاصيل التي لدينا فيها عدم اكتفاء ذاتى.التداعيات الاقتصادية الخطيرة التي قد تترتب على التصعيد العسكرى الإسرائيلى ضد إيران، ستؤثر على الاقتصاد المصري، وتؤدى إلى موجة ارتفاعات جديدة فى أسعار السلع والفاتورة الاستيرادية، حسب ما قال خبراء الاقتصاد، مؤكدين أن المشروعات الزراعية العملاقة التي أقامتها الدولة المصرية، ومنها الدلتا الجديدة، ساعدت فى زيادة الصادرات، وتحقيق قدر كبير من الاكتفاء الذاتى، كما أنقذت مصر من أزمات غذائية.وحول خطة الدولة لتحقيق الأمن الغذائى وتوفير فرص عمل، يتابع الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، بصورة دورية ويومية، تنفيذ تلك المشروعات الزراعية، وطالب «الخبراء» بضرورة المحافظة على هذه المشروعات والتسريع فى الانتهاء منها حتى تؤتى ثمارها كاملة فى دعم وتأمين الأمن الغذائى المصري.زيادة التضخم العالمىويتوقع الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، أن استمرار التصعيد والتوتر فى المنطقة، سينعكس سلبًا على اقتصادات العالم، ويزيد من الضغوط التضخمية، ويؤدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية عالميًّا، لاسيما فيما يتعلق بأسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، وعلى رأسها الطاقة والمعادن الثمينة.وعن تطور الصراع «الإيرانى ـ الإسرائيلى»، وطالت الاستهدافات مضيق هرمز أحد أهم الممرات الحيوية لتصدير النفط، أكد عبده أن ذلك سينعكس سلبًا على أسعار الطاقة ـ العمود الفقرى للاقتصاد الإيرانى ـ وسينتج عنه تقليل الإنتاج، وإحداث زيادة كبيرة فى أسعار جميع السلع خاصة المواد الغذائية، ما قد يؤثر بالسلب على مصر ويؤدى إلى ارتفاع فاتورة استيراد تلك السلع التي تعد سلعا استراتيجية للمواطن، ما يتطلب الاعتماد على نتاج المشروعات الزراعية الذاتية لتقليل الطلب من الخارج.وفى ضوء الآثار الاقتصادية للصراع، رجح «الخبير الاقتصادى» أنها ستكون كبيرة على جميع دول العالم، وفى مقدمتها مصر، وفى صدارة تلك الآثار: «نقص مصادر العملة الصعبة، وعدم القدرة على التصدير فى ظل تلك التوترات للمنطقة، إلى جانب تأثر قناة السويس حاليًا بالهجمات الحوثية، والعدوان الإسرائيلى على غزة»، فضلًا عن تراجع التدفق السياحى على المناطق السياحية المصرية، رغم أن الصراع بعيد جغرافيًا، لكن سلاسل الإمداد مرتبطة بالمنطقة ككل». الأمن الغذائىالدكتور إبراهيم درويش، أستاذ الزراعة بجامعة المنوفية، يرى أن الأحداث العالمية المتتالية، بداية من جائحة كورونا وحتى الحرب «الإيرانية ـ الإسرائيلية»، سيكون لها آثار كارثية على الشرق الأوسط، مشيدًا بأهمية توجه الدولة فى استغلال الموارد الطبيعية المصرية، والاعتماد على الذات فى توفير الأمن الغذائى المصري.وفيما يخص مستقبل الدولة فى ظل الصراعات الحالية، أكد «درويش» أن الدولة المصرية بما لديها من قراءة واستشراف للمستقبل، كانت سابقة للزمن فى تدشين المشروعات القومية الزراعية الكبرى، بداية من مشروع المليون فدان «تنمية الريف المصري» بمراحله الثلاث، وإعادة إحياء مشروع توشكى الخير، ورفع مساحته إلى مليون ومائة ألف فدان، وتوسعة مناطق شرق العوينات، ودرب الأربعين، فضلًا عن مشروعات مستقبل مصر، ودلتا مصر، ووسط وشمال سيناء، والمشروع القومى للصوب الزراعية، والمشروع القومى للصوامع، كل ذلك ساهم فى رفع الاحتياطى الاستراتيجى من المواد الزراعية الأساسية للمواطن.الاحتياطى الاستراتيجىالمشروعات المتعددة التي قامت الدولة بإنشائها، كان لها انعكاسات إيجابية على توفير الاحتياجات الغذائية من جميع المحاصيل الزراعية، للسوق المحلى بكميات مناسبة ومتاحة وبجودة عالية وبأسعار مناسبة طوال العام، وهذا ما يلحظه المواطن المصري فى شدة الأزمات أو المناسبات، كما ساهمت فى رفع الاحتياطى الاستراتيجى السلعى إلى أكثر من 6 شهور، واستطاعات من خلال هذه المشروعات الزراعية زيادة الصادرات منها بكميات وصلت فى عام 2024 إلى 8.6 مليون طن، ومتوقع زيادتها فى الـعوام المقبلة بنسبة 20% كل عام.ووصلت قيمة الصادرات الزراعية الطازجة والمصنعة إلى 10.6 مليار دولار، مما كان له دور مهم فى دعم الاقتصاد القومى وتوفير العملات الأجنبية التي من خلالها يتم توفير احتياجاتنا من المحاصيل التي لدينا فيها عدم اكتفاء ذاتى»، إذ تمثل هذه المشروعات الزراعية أهمية فى توفير فرص عمل وتحقيق الأمن الغذائى، حيث يوليها السيد الرئيس اهتماما بالغا ويتابعها بصورة دورية ويومية، ومن واجبنا جميعًا المحافظة على هذه المشروعات والتسريع فى الانتهاء منها حتى تؤتى ثمارها كاملة، فى دعم وتأمين الأمن الغذائى المصري.ويعد مشروع الدلتا الجديدة، من أضخم المشروعات القومية فى مجال استصلاح الأراضى، إذ يمتد على مساحة شاسعة تتراوح بين 2.2 و2.8 مليون فدان، مما يعادل نحو 30% من مساحة الدلتا القديمة، ويبدأ من الصحراء الغربية بالقرب من الساحل الشمالى الغربى، متداخلًا مع الحدود الإدارية لأربع محافظات رئيسية، ما يمنحه ميزة استراتيجية من حيث توافر البنية التحتية وارتباطه بشبكة حديثة من الطرق والموانئ، مما يسهل عمليات النقل والتصدير، ويضمن انسيابية حركة المنتجات الزراعية إلى الأسواق المحلية والعالمية.مشروع مستقبل مصروبدأت فكرة مشروع الدلتا الجديدة، فى البداية من خلال إنشاء مشروع مستقبل مصرـ الذي يقع على امتداد محور «روض الفرج ـ الضبعة»، أحد المحاور القومية التي تم إنشاؤها لدعم خطط التنمية، ما يعزز من سهولة الوصول إلى الأسواق الداخلية والخارجية، إذ تم تخصيص مساحة 500 ألف فدان لهذا المشروع، وقد شهد بالفعل استزراع 400 ألف فدان باستخدام تقنيات رى حديثة تعتمد على المياه الجوفية المتاحة فى المنطقة، وتم تشغيل 1600 جهاز رى محورى متطور لضمان استدامة الإنتاج الزراعي على مدار العام، مع زراعة المحاصيل مرتين سنويًا خلال الموسمين الصيفى والشتوى.وكشفت الدراسات، أن أكثر من 90% من المساحة المستهدفة فى المشروع صالحة للزراعة، مع التركيز على المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح، الذرة الصفراء، البقوليات، محاصيل الخضر، وأنواع مختلفة من الفاكهة، مما يعزز قدرة مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتى من هذه السلع الأساسية، ويسهم فى تقليل الفجوة الغذائية، وإعادة التوزيع السكانى من الوادى والدلتا إلى هذه الأراضى الجديدة مع توفير فرص عمل، ومن المتوقع الانتهاء من المشروع فى نهاية 2027، ما سيؤدى إلى تقليل الاستيراد، ودعم الاستقرار الاقتصادى، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية المصرية فى الأسواق الدولية.وحول تأمين الدولة للاحتياطى الاستراتيجة من السلع الغذائية الأساسية، أكد الدكتور شرف فاروق، وزير التموين، أن احتياطى القمح يزيد على 6 أشهر، والسكر 12 شهرًا، و4 أشهر للزيوت، و12 شهرًا للحوم والدواجن، وتم توريد 3.5 مليون طن قمح هذا العام من خلال محصول القمح الحالى، وما زالت عمليات التوريد مستمرة، موضحًا أن زيادة توريد القمح المحلى يعزز قدرة مصر فى التفاوض على استيراده بأسعار مناسبة والتوقيت المناسبة.وفيما يخص منظومة الدعم التموينى، أوضح الوزير أن الدولة تخصص نحو 3 مليارات جنيه شهريًا لصرف المقررات التموينية، بإجمالى سنوى يصل إلى 36 مليار جنيه، من خلال أكثر من 40 ألف منفذ تموينى، تشمل 1070 جمعية استهلاكية، و30 ألف بقال تموينى، وقرابة 8000 منفذ ضمن مشروع «جمعيتى»، بالإضافة إلى السيارات المتنقلة.وتصرف «الوزارة»، شهريًا نحو 570 ألف طن من السلع التموينية، منها 56 ألف طن سكر، و45 ألف طن زيت، فيما يبلغ إنتاج رغيف العيش المدعم نحو 280 مليون رغيف يوميًا، يتم إنتاجها وتوزيعها من خلال منظومة دقيقة تديرها الوزارة.