الوعد الحقيقي” في مواجهة “الأسد المتصاعد

لا تزال المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران فى تصاعد، حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن «تل آبيب» ستواصل ضرباتها طالما رأت ذلك ضرورياً، فى إطار العملية العسكرية التي أُطلق عليها اسم «الأسد الصاعد»، والتي قد تمتد لأسابيع، وفقاً لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وفى المقابل ردت إيران بعملية حملت اسم «الوعد الصادق 3» عبر إطلاق طائرات مسيرة وصواريخ باليستية على إسرائيل، مؤكدة أن فى جعبتها المزيد من الخيارات للانتقام والتصعيد، حيث كشف عدد من الخبراء سيناريوهات المواجهة.. وهل هى تصعيد أم استنزاف؟
ويرى اللواء عبد الحميد خيرت، وكيل جهاز أمن الدولة السابق، أن التصعيد الجارى يأتى فى إطار مشروع إقليمى واسع يُعرف بـ»الشرق الأوسط الجديد»، ويهدف إلى تفكيك الدول المركزية وتحويلها إلى كيانات هشة تخضع لنفوذ قوى دولية وإقليمية.«خيرت»، أوضح لـ«روزاليوسف»، أن ما شهدته دول مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا من صراعات وانقسامات هو جزء من هذا المشروع، الذي برز للعلن بعد الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 وتبناه صناع القرار فى واشنطن مثل كوندوليزا رايس تحت شعار نشر الديمقراطية. «إيران اليوم باتت الهدف الجديد لهذا المشروع رغم امتلاكها لمقومات صمود كبيرة مثل الكتلة السكانية الضخمة التي تزيد على 85 مليون نسمة، ومؤسسات أمنية واقتصادية قوية، فضلًا عن تحالفات استراتيجية مع كل من روسيا والصين، وهو ما يجعل محاولة إسقاط النظام الإيرانى مكلفة جدًا وغير مضمونة النتائج» حسبما أكد وكيل جهاز أمن الدولة السابق، مشددًا على أن ما يجرى هو جزء من خطة ممنهجة لتقليم أظافر طهران عبر ضرب أذرعها الإقليمية. وفى تعليقه على تصريحات «ترامب» بشأن ضرورة إخلاء طهران، قال «خيرت»، إن تلك التصريحات لا تعكس نية فعلية لخوض حرب مفتوحة، بل هى محاولة للضغط على طهران لتقديم تنازلات فى المفاوضات، موضحًا أن «ترامب» لا يرغب فى الانخراط فى حرب مع إيران ولذلك تركها لـ»نتنياهو» لأنه يسعى لتحقيق مكاسب سياسية ويطمح للحصول على جائزة نوبل للسلام كما يقول فى تصريحاته دائمًا.من جانبه، يرى الدكتور عبد المنعم سعيد، المفكر السياسى وعضو مجلس الشيوخ، أنه من الصعب التنبوء بمستقبل الصراع فى أول أسبوع من اندلاع الحرب، لافتًا إلى أن المواجهة الحالية تشهد تفوقاً إسرائيلياً تقنياً واستخباراتياً، رغم الضربات الموجعة التي تتلقاها تل أبيب من إيران، موضحًا أن انخفاض عدد الصواريخ الإيرانية اليومية قد يعود إلى تدمير منصات الإطلاق من قبل إسرائيل وليس إلى نفاد ترسانة الصواريخ الإيرانية.«سعيد» أكد لـ«روزاليوسف»، أن الولايات المتحدة منخرطة بالفعل فى الصراع، عبر دعم عمليات الدفاع الإسرائيلى، ونشر حاملات طائرات فى البحر الأحمر، وصد الصواريخ الإيرانية الموجهة إلى تل أبيب، إضافة إلى ما وصفه بخداع طهران عبر إقناعها بالانخراط فى مفاوضات وإيهامها باستبعاد سيناريو الحرب.عضو مجلس الشيوخ، أشار إلى أن إيران تسعى الآن إلى إعادة ترتيب أوراقها التفاوضية وتقصير زمن المواجهة المحتملة، فى ظل إدراكها للفارق الكبير فى موازين القوة بينها وبين واشنطن، مشيرًا إلى أن دول الخليج العربى يمكن أن تلعب دور الوسيط فى جهود التهدئة بحكم علاقتها الجيدة مع ترامب.أما اللواء سمير فرج، الخبير العسكرى والاستراتيجي، فقد خالف التحليلات السابقة، معتبرًا أن القيادة الأمريكية منقسمة حول طريقة التعامل مع إيران، موضحًا أن ترامب يميل إلى دعم إسرائيل فى ضرب إيران، لكن مؤسسات أمريكية كالبنتاجون يرفض فى المشاركة فى هذه الضربات.وأكد» فرج» لـ«روزاليوسف»، أن المشهد لايزال ضبابيًا فى ظل التعتيم الأمريكى، لكن الأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب فى إسقاط النظام الإيراني، بعكس الرغبة الواضحة لدى الحكومة الإسرائيلية، مشددًا على أن غياب الكلمة التي كان من المقرر أن يلقيها ترامب بعد اجتماعه بمجلس الأمن القومى الأميركى يعكس حالة من التباين داخل الإدارة الأميركية حول خطوات المرحلة المقبلة.ويتفق المحللون فى النهاية على أن ما تشهده المنطقة ليس مجرد تصعيد عابر، بل هو جزء من عملية إعادة تشكيل توازنات القوة فى الشرق الأوسط، وسط تشابك إقليمى ودولى معقد، وفيما تبقى النوايا الأمريكية غامضة، يبدو أن إسرائيل ماضية فى خطتها لإضعاف إيران، سواء عبر المواجهة العسكرية المباشرة، أو من خلال استنزافها فى ساحات النفوذ الإقليمى، تمهيدًا لصناعة شرق أوسط جديد.