«ترامب: التحولات والآراء المتناقضة»

«ترامب: التحولات والآراء المتناقضة»

فى خطاب تنصيبه فى ينايرالماضى، أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أن إرثه الأعظم سيكون أنه «صانع سلام وموحد»، متعهدًا بأن القوة الأمريكية ستوقف جميع الحروب وتجلب روحا جديدة من الوحدة إلى عالم اتسم بالغضب والعنف وعدم القدرة على التنبؤ بمساراته، لكن بعد خمسة أشهر فقط، تشهد رئاسته الثانية انهيارًا مروعًا لهذا الطموح النبيل، ويبدو العالم أكثر تقلبا وخطورة مما كان عليه عندما أدى اليمين، ناهيك عن تناقض تصريحاته، فبعد أن نشر تدوينة ذكر فيها ضرورة إخلاء طهران من سكانها ثم عاد وحذفها، لكن السؤال الذي ستجيب عنه الأيام المقبلة، هل التناقض فى التصريحات خداع استراتيجى أم حرب نفسية ضد طهران، أم يتم مراجعة تصريحاته من قبل أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

 ويعكس التسلسل الزمني للصراعات الحالية الانفصال الصارخ بين طموحات ترامب والواقع، وفقدانه السيطرة على السياسة الخارجية الأمريكية، لقد كان جزءا من جاذبية «ترامب» للناخبين هو وعده بتجنب التورط فى الصراعات الخارجية، وخلال حفل التنصيب، كشف أنصاره عن تقديرهم لضبطه للنفس فى النشر العسكرى، وتفضيلهم لنهجه «أمريكا أولاً» الذي يُعطى الأولوية للمخاوف المحلية على المساعدات والتدخل الدولى، خاصة أن السلام بالنسبة لترامب لا يعنى غياب الصراع، بل يعنى ابتعاد واشنطن عنه.فى بداية الحرب بين إسرائيل وإيران، كان هناك تفسير واحد أشار إليه أليكس فاتانكا، مدير الشؤون الإيرانية فى معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إلى أن هجوم إسرائيل قد يكون مقامرة محسوبة لدفع إيران إلى مفاوضات جادة، وتنص هذه النظرية على أن إسرائيل أقنعت «ترامب» بالسماح بضربات محدودة من شأنها الضغط على «طهران» دون إحداث تغيير فى النظام، وذلك باستخدام العمل العسكرى لاستئناف الدبلوماسية المتعثرة، وأشار «ترامب» إلى أن الضربة على إيران ربما تكون قد حسنت فرص التوصل إلى اتفاق نووي.أما أندرو بورين، المدير التنفيذى للأمن العالمى فى «فلاش بوينت» وضابط أركان سابق فى مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، أكد أنه من من غير المرجح أن يعيد هذا إيران إلى طاولة المفاوضات، مضيفا أنه يمثل بداية بؤرة اشتعال أخرى سريعة التوسع فى السياق العالمى لحرب باردة هجينة جديدة، حرب ستخاض على الأرض وفى أحلك أركان الإنترنت.ونجاح هذه الاستراتيجية كليا يعتمد على رد فعل إيران، فإما أن يعود النظام إلى المفاوضات بعد أن خفف من حدة التوتر، أو أن يتخلى عن الدبلوماسية تماما ويسعى للحصول على أسلحة نووية بقوة أكبر، وتشير المؤشرات الأولية إلى أن طهران قد لا تكون فى مزاج تصالحى بعد قصف منشآتها ومقتل قادتها.لكن حتى لو ثبتت صحة التوقعات الأكثر تفاؤلاً، فإنها لا تُغير الواقع أن كل صراع كبير ورثه «ترامب» أو وعد بحله قد اشتد فى عهده، بدءا بغزة مرورا بأوكرانيا ومن بعدها إيران.لذلك ، أكدت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن قرار «ترامب» بالانضمام إلى الحرب ضد إيران، أو الامتناع عن إقحام الولايات المتحدة فى حرب خارجية جديدة، خياران كلاهما مر.ففى الوقت الذي يفكر فيه دونالد ترامب فى التدخل المباشر فى صراع إسرائيل مع إيران، اندلعت حرب أخرى فى واشنطن بين صقور المحافظين، الذين يدعون إلى ضربات أمريكية فورية على منشآت تخصيب اليورانيوم، وانعزاليى «ماجا»، الذين يطالبون ترامب بالالتزام بوعده الانتخابى بعدم إقحام الولايات المتحدة فى حروب خارجية جديدة.السؤال المطروح هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستهدف المعقل الجبلى الذي يضم منشأة فوردو لتخصيب الوقود، وهو موقع رئيسى لتخصيب اليورانيوم مخفى تحت الأرض، ولا يمكن للطائرات الإسرائيلية استهدافه مباشرة، مع أنها قادرة على مهاجمة بعض البنية التحتية التي تمكن المنشأة من العمل.وتتطلب الضربة المباشرة استخدام صواريخ خارقة للدروع من فئة 30,000 رطل، التابعة لسلاح الجو الأمريكى، وقاذفات الشبح الأمريكية القادرة على حملها، مما يجعل موافقة واشنطن هدفا رئيسيا للمسؤولين الإسرائيليين.ودعا بعض أقوى حلفاء ترامب، بمن فيهم نائبه، جيه دى فانس، الولايات المتحدة إلى الامتناع عن إرسال قواتها لخوض حروب فى الخارج. وأدان محللون بارزون مثل تاكر كارلسون احتمال تورط الولايات المتحدة فى حرب مع إيران.وفى حديثه عبر بودكاست، وصف كارلسون زملائه الإعلاميين بـ»محرضى الحرب»، وقال إن هذا الوصف «ينطبق على أى شخص يتصل بدونالد ترامب للمطالبة بشن غارات جوية أو أى تدخل عسكرى أمريكى مباشر فى حرب مع إيران».بينما قال مقربون من الحزب الحاكم، إن الجمهوريين التقليديين، مثل السيناتور توم كوتون، وكذلك كبار مسؤولى البنتاجون مثل الجنرال مايكل إريك كوريلا، واصلوا إقناع ترامب بضرورة اتباع سياسة أكثر تشددًا تجاه إيران.وتؤكد الأصوات العالية المعارضة لتدخل أمريكى أعمق على الإرث المؤلم لحربى العراق وأفغانستان، اللتين خلقتا قوى سياسية غذت انتفاضة ترامب الشعبوية، لكن الجناح التدخلى المحافظ الجديد فى الحزب الجمهورى لم يختف، ويحاول صقور مثل السيناتور ليندسى جراهام إقناع «ترامب» بأن الهجوم الإسرائيلى الخاطف على الدفاعات الجوية الإيرانية، وتضافر القوى التي أضعفت النظام، يمنح الولايات المتحدة فرصة لإنهاء الطموحات النووية لعدوها الذي دام 45 عاما بشكل نهائى، ولتغيير وجه الشرق الأوسط.إن أى مغامرة أمريكية جديدة كبرى فى الشرق الأوسط ستحيد عن المبادئ الأساسية للترامبية، والتي شملت تجنب «الحروب الأبدية»، لكن على ترامب أن يتخذ قرار يخشاه أى رئيس، فى ظل معارضة الديمقراطيون للحرب، وسعيهم لاستخراج مشروع قانون يمنع «ترامب» من استخدام الأموال الفيدرالية أو استخدام أى قوى عسكرية فى إيران دون تفويض صريح من الكونجرس.وعلى خطى النازى «هتلر»، يسير الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وبات «جنون العظمة» صفة عامة لتصريحاته، حيث صرح الرئيس الأمريكى لوسائل إعلامية أن بلاده هى التي تقوم بعمليات القصف لإيران، وكتب على حسابه على موقع «تروث سوشيال»: أصبحنا نسيطر على الأجواء فى طهران، وإيران لديها معدات، لكنها لا تقارن بما نمتلكه»، علاوة على طلبه فى تصريحات للصحفيين بالبيت الأبيض، من المواطنين الإيرانيين بإخلاء طهران، وضرورة استسلام إيران بالكامل. وأضاف الرئيس الأمريكى: «نعرف أين يختبئ المرشد الإيرانى، وهو هدف سهل لنا، لكن لن نقضى عليه فى الوقت الحالى، خاصة أن صبرنا بدأ ينفذ، فالحرب الآن باتت أمريكية.. ونصطف مع إسرائيل بالكامل».فيما كشف موقع «رويترز»، نقلًا عن أحد المسؤوليين الأمريكيين، أن الجيش الأمريكى نقل طائرات مقاتلة من طراز «إف 16 وإف 22 وإف 35» إلى الشرق الأوسط.تصريحات الرئيس الأمريكى، بضرورة استسلام «طهران» دون قيد أو شرط، تؤكد أنه يستعد لدخول الحرب.