الجواسيس: أداة إسرائيل الفعالة في الصراع مع إيران

لم تعد الجاسوسية مجرد تقديم المعلومة إلى استخبارات الأعداء بل التدخل فى المعركة على الأرض بشكل مباشر للتأثير على سير العمليات وهو ما ظهر مؤخرا فى الحرب الدائرة ما بين تل أبيب وطهران، حيث استخدمت إسرائيل «الجواسيس» كفرق كوماندوز وكتائب تعمل على تنفيذ عمليات نوعية داخل إيران، فعندما أرسلت إسرائيل مقاتلاتها المتطورة لمهاجمة المنشآت النووية والمقرات العسكرية الإيرانية، كانت مئات الطائرات المسيرة التي تم تهريبها إلى أراضى إيران، تعمل ضد العديد من تلك الأهداف، وتم استخدامها للتمهيد للقصف الجوى الكبير.
وتلقى تلك العملية الضوء على اختراق أمنى كبير فى إيران، إذ تم اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى يوليو 2024، ورغم إن العملية دقت ناقوس الخطر وكشفت عن اختراق كبير لأجهزة الاستخبارات الإيرانية، لكن دون تحرك «طهران»، الأمر الذي جعل الموساد الإسرائيلى يعمل بكل أريحية ويبنى شبكة كبيرة من العملاء، مهدت للهجوم واستهداف المناطق العسكرى والمنشآت النووية الإيرانية.وكشف تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، عن عملية أخرى سبقت الهجمات الإسرائيلية المباشرة على الأهداف الإيرانية، وهى عملية «الإعداد للهجوم»، إذ أشار إلى أن إسرائيل أمضت أشهر فى تهريب أجزاء لمئات الطائرات بدون طيار المحملة بالمتفجرات فى حقائب وشاحنات وحاويات شحن، فضلاً عن الذخائر التي يمكن إطلاقها من منصات غير مأهولة، حسبما قال أشخاص مطلعون على العملية.وأوضح هؤلاء الأشخاص للصحيفة الأمريكية، أن هناك فرقا صغيرة مُجهزة بالمعدات، تمركزت فى نقاط مراقبة بالقرب من مواقع الدفاع الجوى الإيرانية ومواقع إطلاق الصواريخ. وأكد أحد الأشخاص، أنه عندما بدأ الهجوم الإسرائيلى، قامت بعض الفرق بتدمير الدفاعات الجوية، بينما أصابت فرق أخرى منصات إطلاق الصواريخ أثناء خروجها من ملاجئها واستعدادها للإطلاق. وتُساعد هذه التفاصيل على تفسير محدودية رد إيران على الهجمات الإسرائيلية، كما تُقدم دليلاً إضافياً على كيفية تغيير التكنولوجيا الجاهزة لساحة المعركة، وطرحها تحديات أمنية جديدة وخطيرة للحكومات.وكانت العملية التي أشرف عليها ونفذها جهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد» تهدف إلى القضاء على التهديدات التي تواجهها الطائرات الحربية الإسرائيلية وإسقاط الصواريخ قبل إطلاقها على المدن. وأفاد أحد المصادر، أن الفرق الميدانية أسقطت عشرات الصواريخ قبل إطلاقها فى الساعات الأولى من الهجوم، كما ركزت الطائرات الإسرائيلية بشكل كبير على الدفاع الجوى والصواريخ فى الأيام الأولى من الهجوم. وصرحت سيما شاين، ضابطة استخبارات سابقة رفيعة المستوى فى الموساد، وترأس حاليًا برنامج إيران فى معهد دراسات الأمن القومى، وهو مركز أبحاث فى تل أبيب، بأن الهجمات على الدفاعات الجوية الإيرانية كانت أكثر حسمًا، مما ساعد إسرائيل على ترسيخ هيمنتها الجوية بسرعة، كما استهدف سلاح الجو الإسرائيلى تلك الدفاعات بقوة.ولطالما كانت الطائرات المسيّرة إحدى الأدوات الأساسيةً فى عمليات إسرائيل فى إيران، ففى عام 2022، استخدمت طائرات رباعية المراوح مُحمّلة بالمتفجرات لضرب موقع إنتاج طائرات مسيّرة إيرانية فى مدينة كرمانشاه الغربية، وبعد عام، استخدمت طائرات مسيّرة لاستهداف مصنع ذخيرة فى أصفهان.وأوضحت المصادر لـ»وول سترتيت جورنال»، أن الموساد بدأ التحضير لعملية الاختراق الحالية منذ سنوات، إذ امتلك الموساد معلومات عن أماكن تخزين الصواريخ الإيرانية لتكون جاهزة للإطلاق، لكنها كانت بحاجة إلى أن تكون فى وضع يسمح لها بمهاجمتها نظرًا للمساحة الشاسعة لإيران ولبعدها عن إسرائيل.وبحسب تلك المصادر، فقد نجح الموساد فى إدخال المسيرات إلى إيران عبر قنوات تجارية، مستخدمًا شركاء تجاريين غالبًا ما يكونون وهميين أو على غير دراية، وفى الوقت ذاته كان عملاء يعملون على الأرض لجمع الذخائر وتوزيعها على الفرق. وأكدوا أن إسرائيل دربت قادة الفرق فى دولة ثالثة، وقاموا بدورهم بتدريب الفرق، موضحين أن الفرق شاهدت إيران وهى تنقل الصواريخ إلى المنصات، وكانت تهاجمها قبل أن تُجهّز للإطلاق. وكان الموساد يعلم أن الشاحنات التي تنقل الصواريخ من المخازن إلى موقع الإطلاق تُشكّل عقبة أمام إيران، حيث كان لديها أربعة أضعاف عدد الصواريخ مقابل أعداد الشاحنات.وأفاد أحد المصادر، أن الفرق دمرت عشرات الشاحنات، وأنها ظلت تعمل على الأرض حتى ساعات متأخرة من يوم الجمعة، أى بعد ساعات من بدء الهجوم الإسرائيلي.وقالت «شاين»، إن العمليات كان لها تأثير مساعد مهم، متابعة: «لا أحد فى إيران من ذوى المناصب العليا يستطيع الجزم بأنه ليس معروفًا لدى الاستخبارات الإسرائيلية ولن يكون هدفًا، الأمر لا يقتصر على الضرر الناجم، بل على التوتر الذي يسببه».كما أعدت صحيفة «هآرتس»، أيضا تقريرا عن عملية التمهيد للهجوم الجوى الكبير، مشيرة إلى أنه اعتمد على نشر قوات خاصة تابعة للموساد داخل إيران، والتي استخدمت مجموعة واسعة من الأسلحة، من الطائرات المسيرة المتفجرة، إلى الصواريخ المضادة للدبابات أيضا.وقال مصدر أمنى، إن عناصر الموساد أقاموا قاعدة سرية داخل إيران، ونشرت وحدات الكوماندوز التابعة لها أنظمة تشغيلية لأسلحة موجهة بدقة فى مناطق مفتوحة، على مقربة من أنظمة الصواريخ (أرض-جو) الإيرانية.ومع ساعة الصفر، تم إطلاق القذائف -بالتعاون مع سلاح الجو – على بطاريات الدفاع الجوى والصواريخ (أرض – أرض)، كما تم تنفيذ «عمليات اغتيال دقيقة» ضد كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين والحرس الثوري.وأظهرت مقاطع فيديو للهجمات، أن بعض الهجمات نُفِّذت باستخدام طائرات مسيرة متفجرة، مع أنه من غير الواضح ما إذا كان يتم التحكم بها عن بُعد بواسطة مشغل بشرى، أو ما إذا كانت موجهة نحو الهدف تلقائيًا. وتُظهر بعض اللقطات استخدام أسلحة كبيرة نسبيًا للطائرات المسيرة المتفجرة – على الأرجح صواريخ مضادة للدبابات، ربما باستخدام طراز من عائلة سبايك.ومع تحليل الصور والمقاطع، أظهرت صورة من موقع اغتيال مسؤول إيرانى أن العملية نُفِّذت باستخدام سلاح أُطلِق من جانب المبنى، مع وجود آثار أجنحة سلاح على الجدار، وتشير التقديرات إلى أنه فى الأغلب صاروخ سبايك.