د. ممدوح مصطفى غراب يبرز: نحو تطوير إدارة محلية ذكية

تُعد الإدارة المحلية العمود الفقري الذي تُقدم من خلاله مختلف الخدمات الأساسية للمواطنين.
إلا أن المشكلات المتراكمة في المحافظات تمثل عائقًا كبيرًا أمام تقديم هذه الخدمات بشكل مُرضٍ، نتيجة لتعددها وعدم رصدها بشكل دقيق، فضلًا عن التقاعس في أداء المهام الرقابية اللازمة لمواجهتها.أصبح تطوير الإدارة المحلية أحد اهم أهداف الدولة لتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، من خلال رصد التجاوزات و تحليل بيانتهها والعمل على منعها بصورة استباقية مثل: مخالفات المبانى، وزيادة الاشغالات على الطرق والارصفة، والتعدى على الاراضى الزراعية، وتراكم المخلفات، والتلوث البيئى بكل أشكاله، وغيرها من مشكلات.وقد شهدت الفترة الماضية تطورًا ملحوظًا فى البنية التكنولوجية بالمحافظات تمثل فى إنشاء مراكز تكنولوجية لمتابعة ملفات وتراخيص المبانى إلكترونيًا، وتفعيل منظومة كاميرات المراقبة لتنظيم المرور ورصد المخالفات، وإطلاق منظومة الشكاوى الحكومية لمتابعة شكاوى المواطنين، بالإضافة إلى استخدام الأقمار الصناعية لرصد ومتابعة ومراقبة مخالفات المبانى والتعدى على الأراضي الزراعية. وترتبط هذه المنظومات بشبكات مركزية في مجلس الوزراء أو بعض الجهات الاخرى، مما يوفر قاعدة بيانات ضخمة تمثل فرصة مهمة لتفعيل الذكاء الاصطناعي والاستفادة من بنية تكنولوجية قوية يمكن من خلالها تطوير المحافظات وتقديم خدمات حقيقية وفعالة للمواطنين.يمكن تعزيز ذلك من خلال إنشاء “وحدات ذكاء اصطناعي” داخل الوحدات المحلية، والتي يمكن أن تحدث تحولًا جذريا في أداء الأجهزة المحلية من خلال تحليل البيانات ووضع حلول مناسبة تتوافق مع طبيعة كل مكان وثقافته. فمثلاً، يمكن تحليل البيانات المُجمعة من شكاوى المواطنين ومقتراحاتهم للاستفادة منها بعد تحليلها في تقديم حلول فعالة، كما يمكن استخدام البيانات التي ترصدها الكاميرات المنشرة في الشوارع لرصد تراكم المخلفات أو زيادة أشغالات ما يساعد على التدخل السريع وازالتها وبالتإلى نستطيع تحديد “النقاط الساخنة” للتراكمات والاشغالات ومواعيد حدوثها والعمل على منع تكرارها.كما يمكن الاستفادة من منظومة مراقبة جودة الهواء والمياه وتحليل البيانات التي ترصدها لتحديد أماكن التلوث وشدته واتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة. وتستطيع وحدة الذكاء الاصطناعى أيضا لتحديد أولويات الصيانة للطرق والمرافق العامة استنادا إلى تحليلات دقيقة.ولإنجاح هذه الرؤية يجب أولًا إعداد “استراتيجية وطنية للتحول الرقمي فى الإدارة المحلية” مع تخصيص ميزانية مناسبة للتدريب والتكنولوجيا. ويتطلب ذلك تدريب الموظفين وتأهيل الكوادر المحلية على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، إلى جانب التحفيذ على نشر ثقافة الابتكار داخل الجهاز الادارى والفنى المحلي. مع أهمية تصميم برامج تدريبية خاصة بالقيادات المحلية لتمكينهم من اتخاذ قرارات قائمة على تحليل البيانات، وتنظيم ورش عمل وتدريب عملي بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.إن التحول نحو إدارة محلية ذكية ليس ترفًا، بل ضرورة لمواجهة تحديات الواقع وتقديم خدمات تليق بالمواطن المصري، وتُعزز من قدرة الدولة على تحقيق تنمية محلية مستدامة وعادلة.