مصر تدعو العالم: لا تتركوا الإنسانية خلفكم

«لا تخذلوا الإنسانية».. رسالة مصرية قوية، بعثت بها القاهرة من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، لدول العالم، خلال الجلسة الطارئة المستأنفة بعد عرقلة الولايات المتحدة الأمريكية منفردة مشروع قرار مجلس الأمن بإيقاف الحرب الجائرة على غزة.
العرقلة الأمريكية جاءت استنادًا إلى حق «الفيتو» الاعتراض، الممنوح لخمس دول أعضاء دائمين بمجلس الأمن وهى: أمريكا والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ليصبح من حق أحدهم منفردًا تعطيل صدور قرار حتى وإن أجمع عليه ما دونه من الأعضاء. فى موقف متكرر، أعاقت أمريكا منفردة، مشروع قرار عكس إرادة دولية واسعة، وساندته 14 دولة بمجلس الأمن هم إجمالى باقى أعضاء المجلس، لتحول دون صدور مشروع قرار يهدف إلى وقف جرائم إسرائيل بحق الإنسانية فى غزة.حالت الولايات المتحدة الأمريكية دون حماية الأطفال والنساء والمسنين، وإنهاء الحصار الجائر الذي اتخذ من التجويع سلاحًا، ومن التهجير القسرى هدفًا. لكن مصر دائمًا تقف إلى جانب الحق والعدل، لتواصل جهودها لإيقاف المجازر المرتكبة فى غزة وحصار أهلها، والانتهاكات فى الضفة الغربية، والعدوان على المقدسات الإسلامية فى القدس الشرقية.لجأ المجتمع الدولى إلى الجمعية العامة من جديد، فى محاولة لتنفيذ مشروع القرار المعتمد فى جلسة 12 يونيو الجارى، ففى الجمعية العامة وفق ميثاق الأمم المتحدة كافة الأعضاء على قدم المساواة، لا تمتاز دولة عضو عن الأخرى. مصر صاحبة التاريخ الدبلوماسى العريق، والمواقف العروبية الحازمة، كانت إحدى الدول المؤسسة للأمم المتحدة 24 أكتوبر 1945، وهى لا تزال حينها تحت الانتداب البريطانى، فقد حلت الأمم المتحدة بديلًا عن عصبة الأمم التي انتهت بفشلها فى تحقيق هدفها باندلاع الحرب العالمية الثانية نشأت الأمم المتحدة بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، لتنشأ أجهزتها وأهمها مجلس الأمن المنوط به الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، والحيلولة دون اندلاع حروب جديدة. بيد أن ذلك المجلس الذي تشكل من 15 عضوًا، خمسة منهم دائمون يمتازون بحق الفيتو، وعشرة أعضاء غير دائمين يتم اختيارهم بالتناوب عجز عن وقف اندلاع حروب جديدة بسبب عوار هيكلى، حيث تستخدم الدول الدائمة وفى القلب منه أمريكا حق الفيتو لتعطيل قرارات المجلس. وهنا تتعجب مصر من إحباط «الفيتو» الأمريكى لإرادة الأغلبية الساحقة لأعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي صوت منها 149 دولة لصالح قرار وقف الجرائم فى غزة وإنهاء الحصار اللا إنسانى.تقول مصر للعالم: «اعتمدنا بأغلبية ساحقة فى ١٢ يونيو مشروع قرار يرسى الحد الأدنى من العدالة ويحقق النذر اليسير من اعتبارات الإنسانية بهدف إنقاذ الشعب الفلسطينى، من جرائم الحرب المتواصلة التي تبث أمامنا جميعًا على الهواء مباشرة لأكثر من عام ونصف العام.. تلك الجرائم التي فشلنا مرارًا فى وقفها.. دون تبرير يذكر وبشكل ستسجله كتب التاريخ بكل أسف كفصل مخز من العسير على الأجيال القادمة استيعابه وتقبله». وتوضح مصر فلسفة منح ميثاق الأمم المتحدة عند تأسيسها حق النقض للأعضاء الدائمين، «كقوى ضامنة للالتزام بروح وأهداف ومقاصد الميثاق بهدف ضمان الأمن والسلم الدوليين.. وقد أتى ذلك الفيتو الأخير والمتكرر ليضرب بهذه الالتزامات عرض الحائط ويسمح للإسرائيليين باستمرار عدوانهم الغاشم على المدنيين العزل فى غزة». وهنا تجدد مصر التأكيد على أن هذا الموقف «يؤكد ما ذهبت إليه مصر والكثير من الدول الأعضاء بضرورة إصلاح مجلس الأمن بشكل شامل وفى مقدمة ذلك تصحيح العوار الخاص بمسألة الفيتو، مرة واحدة وإلى الأبد».بهذا العلاج الجذرى لعوار «الفيتو»، بدأت مصر بكل وضوح فى كلمة تاريخيّة سبعة بنود تحدثت عنها مؤكدة أن الفيتو الأخير: «لا يغير حقيقتين ساطعتين: أولاهما أن إسرائيل ارتكبت وترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ممنهجة فى غزة.. تستوجب المحاسبة وإنفاذ العدالة، والحقيقة الثانية الساطعة وجود إجماع دولى واضح وقاطع على ضرورة وقف الحرب الجائرة فورًا وإيقاف الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين فى غزة». وتؤكد أم الدنيا للعالم أن «هناك واجب قانونى وأخلاقى يقع علينا جميعًا ولا يمكن التحلل منه بهذا الفيتو ورفض أن يكون غطاءً سياسيًا أو قانونيًا لاستمرار الحرب، فحق النقض لا يسمو على القوانين الدولية بل وعلى الطبيعة البشرية التي ترفض قتل الأطفال والأبرياء فى غزة».وتشدد مصر بشكل قاطع: «أعضاء الأسرة الدولية ملزمون سويًا وكل على حدة باستخدام كافة الوسائل للضغط على إسرائيل، وإجبارها على وقف العدوان وإنهاء الحصار والتجويع وإنفاذ المساعدات الإنسانية دون قيد أو شرط وتنفيذ القرارات الأممية وإجراءات محكمة العدل الدولية التحفظية». وأكدت القاهرة عزمها الحثيث على مواصلة جهود الوساطة المصرية الأمريكية القطرية، ودعت لوقف الانتهاكات فى الضفة الغربية والقدس ومحاكمة المستوطنين الإرهابيين، مؤكدة «أن ما يحدث فى غزة عار على المجتمع الدولى بأسره وينبغى وقفه فورًا». مصر الصلبة الشريفة الواضحة فى مواقفها، لا تدخر جهدًا ولا تتخلى فقد قالتها مصر للعالم واضحة: «لا مساحة للوقوف على الحياد، الصمت تواطؤ والتردد فى دعم الحق الفلسطينى خيانة والتصويت لصالح أى قرار قادم يهدف لإنقاذ المدنيين فى الأرض الفلسطينية واجب قانونى وضرورة أخلاقية.. لا تخذلوا الإنسانية». ولم تخل كلمة مصر أمام الجمعية العمومية، من التعبير بكل وضوح عن موقفها من العدوان الصهيونى على الجمهورية الإيرانية، مؤكدة ما أكدته مصر فى بيان وزارة الخارجية الذي صدر بعد ساعات معدودات من العدوان الإسرائيلى على طهران فجر الجمعة الماضية.وأدانت القاهرة بقوة العدوان على إيران واختراق القانون الدولى بعمل غير مبرر «سيؤدى إلى مزيد من اشتعال فتيل الأزمة ويقود إلى صراع أوسع فى الإقليم». وتؤكد مصر «لا توجد حلول عسكرية للأزمات التي تواجه المنطقة»، و«أن غطرسة القوة لا تحقق الأمن لأى دولة فى المنطقة بما فى ذلك إسرائيل». الأمن المنشود كما تؤكد مصر دائمًا «يتحقق فقط من خلال احترام سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها وتحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية». الموقف الرسمي المصري يسانده الموقف الشعبى، الذي عبر عنه مجلس النواب المصري فى كلمة تاريخية للدكتور حنفى جبالى رئيس مجلس النواب الذي شدد على أن «مجلس النواب يعبر عن رفضه القاطع وإدانته الشديدة للعدوان الآثم الذي أقدمت عليه إسرائيل ضد أراضى الجمهورية الإيرانية». موقف مصر من العدوان على إيران، نابع من ثوابت السياسة المصرية الشريفة، الرافضة لغطرسة القوة، وانتهاك سيادة الدول، واعتماد الطرق الدبلوماسية والمفاوضات سبيلًا لإنهاء النزاعات.تأتى تلك المواقف من مصر نابعة من ثوابت ضميرها، وتنامى قدراتها الشاملة على مدار عشر سنوات برؤية استراتيجية للرئيس عبدالفتاح السيسى، الذي انتهج سياسة التنمية والتعمير وتنويع مصادر السلاح وتوسعة القدرات الإنتاجية زراعية وصناعية، كثيرًا ما استهدف الأعداء شعب مصر بحروب نفسية وشائعات تقول لماذا شراء السلاح؟! ما يحدث فى الإقليم من حروب هجينة، تعتمد على التكنولوجيا والقدرة العسكرية وحروب الجواسيس الذين تطور دورهم من مجرد راصدى معلومات إلى كتائب تنفذ عمليات فى طهران تنفيذًا لتوجيهات العدو الصهيونى، يجعلنا نتعلم الكثير من الدروس المستفادة:١- الثقة الكاملة فى قيادة مصر وما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها.٢- دعم القيادة فى مواقفها السياسية الداعمة للقضية الفلسطينية والتصدى لأى محاولات للمزايدة على دور مصر وتضحياتها.٣- قوة الدولة تتناسب طرديًا مع قوة جبهتها الداخلية، فعلى شعب مصر أن يكون كالبنيان المرصوص.التجربة المعاشة تؤكد أن اختراق إيران من الداخل نقطة ضعفها الآن، والجواسيس الذين يحركون مسيرات الآن لتدمير جيش الدولة واغتيال علماء طهران كانوا بالأمس يتخفون وسط الجماهير وقد يكون بعضهم يرتدى زى النشطاء.٤- حاول البعض العزف على أوتار التعاطف مع الأشقاء فى فلسطين، عبر محاولة المزايدة على الموقف المصري تزامنًا مع ما سمى بقافلة كسر الحصار، وهى فى الحقيقة قافلة تزييف الوعى، ربما بها من تحرك بحسن نوايا، لكن المؤكد خلفها ما هو عكس ذلك.دعم مصر لفلسطين قائم ودائم والسيادة المصرية مصونة، فهناك إجراءات لا ينبغى تجاهلها ولن يسمح بذلك، فالأمن القومى المصري لا تهاون فيه، وقد عبر الدكتور حنفى جبالى فى كلمته باسم نواب وشعب مصر عن ذلك قائلًا: «يذكر مجلس النواب مشددًا بكل وضوح كل من يحاولون التوجه صوب منطقة رفح الحدودية ولا نشك أبدًا فى نواياهم النبيلة بأن على الجميع أن يعلم أن نصرة القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب شعبها الصامد لا يكون إلا من خلال احترام سيادة مصر وقوانينها وهو واجب لا يقبل فيه الجدل ولا التهاون».حفظ الله مصر قيادةً وجيشًا وشعبًا.