هل أصيب المستثمرون بالجنون؟ خلفيات الإقدام على السندات عالية المخاطر في الوقت الراهن؟

هل أصيب المستثمرون بالجنون؟ خلفيات الإقدام على السندات عالية المخاطر في الوقت الراهن؟

في قلب الأسواق المالية العالمية، حيث تتشابك التوقعات الاقتصادية مع الطموحات الاستثمارية، يشهد يوليو 2025 تحولًا لافتًا في سلوك المستثمرين، فقد بدأت السندات عالية المخاطر، المعروفة باسم “السندات الرديئة” أو “Junk Bonds”، في جذب اهتمام متزايد، رغم التحذيرات المتكررة من كبار المراقبين الماليين.

ما الذي يدفع المستثمرين إلى هذا الرهان الجريء؟ هل هو البحث عن عوائد أعلى في ظل اقتصاد عالمي متقلب، أم أن هناك عوامل أعمق تدفع هذا الاتجاه؟.

وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض الأسباب الرئيسية وراء هذا التحول، وزيادة شهية المستثمرين إلى المخاطرة.

البحث عن العوائد المرتفعة في ظل سياسات نقدية متغيرة

وتشهد الأسواق العالمية حالة من عدم اليقين الاقتصادي، حيث تتجه البنوك المركزية الكبرى، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، نحو سياسات نقدية أكثر مرونة.

وفي سبتمبر 2024، خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وهي الخطوة الأولى منذ جائحة كورونا، مما أدى إلى انخفاض عوائد السندات ذات التصنيف الاستثماري (BBB) مقارنة بالسندات عالية المخاطر (CCC).

وهذا التخفيض جعل السندات ذات العوائد المرتفعة أكثر جاذبية، حيث سجلت السندات المصنفة (CCC) مكاسب بنسبة 0.75% منذ بداية يوليو 2025، متفوقة على جميع فئات التصنيف الأخرى، بما في ذلك السندات ذات التصنيف الاستثماري.

ووفقًا لتحليلات السوق، فإن الفارق بين عوائد السندات عالية المخاطر (BB) والسندات ذات التصنيف الاستثماري (BBB) تقلص إلى 75 نقطة أساس فقط، مقارنة بمتوسط 1.2 نقطة مئوية خلال العقد الماضي.

وهذا التقلص يعني أن المستثمرين يرون في السندات عالية المخاطر فرصة لتحقيق عوائد أعلى دون زيادة كبيرة في التكلفة مقارنة بالسندات الأكثر أمانًا.

السندات عالية المخاطر

تراجع المخاوف السوقية وزيادة الثقة

ومع تراجع المخاوف من الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة، بدأ المستثمرون في تبني نهج أكثر جرأة. 
والبيانات الاقتصادية القوية، مثل استقرار معدل البطالة عند 4.2% في أغسطس 2024 وتباطؤ نمو الوظائف، أشارت إلى هبوط ناعم محتمل للاقتصاد الأمريكي، مما عزز الثقة في الأسواق.

وهذا الاستقرار شجع المستثمرين على تحمل مخاطر أعلى، خاصة مع توقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل سياسته التيسيرية، مما يقلل من تكاليف الاقتراض ويدعم الشركات ذات التصنيفات المنخفضة.

التحول من السندات منخفضة المخاطر إلى عالية العائد

وأشار راجيف شارما، العضو المنتدب في قسم استثمارات الدخل الثابت لدى “كي برايفت بنك”، إلى أن السندات المصنفة (BB) أصبحت أقل جاذبية، لأنها لا تقدم عوائد كبيرة مثل السندات (CCC)، ولا توفر الأمان الذي تقدمه السندات (BBB).

وهذا الوضع دفع المستثمرين إلى التخلي عن السندات متوسطة المخاطر لصالح تلك التي تقدم عوائد أعلى، مثل السندات الرديئة أو حتى سندات الكوارث (Catastrophe Bonds)، التي شهدت إصدارات قياسية بقيمة 18.1 مليار دولار منذ بداية 2025.

سندات الكوارث فرصة استثمارية جديدة

وتكتسب سندات الكوارث زخمًا كبيرًا في يوليو 2025، حيث تسعى شركات التأمين إلى نقل المخاطر المناخية المتزايدة إلى المستثمرين.

ووفقًا لصحيفة “فايننشال تايمز”، بلغت إصدارات هذه السندات 18.1 مليار دولار منذ بداية العام، متجاوزة الرقم القياسي لعام 2024.

كما توفر هذه السندات عوائد أعلى بكثير من السندات التقليدية، حيث سجل مؤشر Swiss Re للعائد الكلي زيادة بنسبة 14% في 2024، مما يجعلها خيارًا جذابًا للمستثمرين الباحثين عن تنويع محافظهم في مواجهة التغيرات المناخية.

تأثير السياسات التجارية والتضخم

ومع اقتراب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من فرض رسوم جمركية تصل إلى 70%، يتوقع المستثمرون زيادة في التضخم، مما يعزز جاذبية السندات عالية العائد التي تقاوم تقلبات أسعار الفائدة بشكل أفضل.

وهذه السياسات، إلى جانب قوة الدولار المدعومة بالبيانات الاقتصادية القوية، تدفع المستثمرين إلى البحث عن أصول توفر حماية من التضخم مع عوائد مرتفعة.

وفي يوليو 2025، يعكس توجه المستثمرين نحو السندات الأعلى مخاطرة مزيجًا من الثقة المتزايدة في استقرار الاقتصاد العالمي، والبحث عن عوائد أعلى في ظل سياسات نقدية متساهلة، والرغبة في تنويع المحافظ الاستثمارية.

ورغم التحذيرات من مخاطر التقييمات المبالغ فيها، كما أشار جيمي ديمون، فإن السندات عالية المخاطر، بما في ذلك سندات الكوارث، تظل جاذبة لمن يملكون الجرأة لتحمل المخاطر.