لماذا يكره الفقراء «صندوق النقد»؟ (2)

أدعو إدارة تحرير جريدة «تواصل»، إلى أن تستغل نجاحاتها الصحفية، التى كشفت عجز الحكومة، وتبنت أوجاع وهموم المواطن، فى أزمة أسعار المحروقات، لأن تخطط لحملةٍ صحفيةٍ واسعةٍ، تستهدف صناعة رأيٍ عامٍ، يضغط على الدولة، للتخارج مع صندوق النقد الدولى، وطرد بعثته من البلاد. طالما كان وراء كل معاناةٍ يعيشها المصريون كل يوم، مع موجات غلاءٍ «فظيعة»، لا تعنى الحكومة، بقدر ما تسعى لإرضاء شروطه. وأعيد ما كتبته هنا، ديسمبر 2022، بنفس العنوان: لماذا يكره الفقراء «صندوق النقد»؟.. قلت:
ليس لأن صندوق النقد هذا، كما وكأنه شخصٌ مقيت، أو مخلوقٌ تجتمع فيه سوءات الشياطين، لكن يكرهونه كمؤسسةً دوليةً، ما تدخر جهدًا فى خراب دولٍ، وجرها بشروطها الجهنمية، إلى حدود انهيار اقتصاداتها، ووضعها على لائحة الإفلاس، مثلما كانت الحال، مع السودان والصومال والمكسيك، التى تحمل فقراؤها سداد فاتورة الانهيار، تحت ضغوط الصندوق، بحرمانهم من الدعم من ناحية، ورفع تكلفة المعيشة من ناحيةٍ أخرى، بسبب فرض الضرائب والتلاعب بقيمة العملة، وحتى التدخل فى إدارة السياسات الاقتصادية، وأحيانًا فى الشئون السياسية، وبالتالى صارت «فوبيا» الصندوق، أكثر ما يرعب الفقراء. ولذلك يكرهون مجرد الكلام عنه.
وعندنا هنا فى مصر أيضًا، شريحةٌ واسعةٌ من المواطنين، تشارك فقراء الدول النامية، الرغبة فى تجنب بلدانهم، التعامل مع صندوق النقد الدولى، لكن وجه الاختلاف، أن المفاوض المصرى لم يستسلم لكل الشروط على علتها، فى حوالى 12 اتفاقًا، من العام 1962 إلى آخر اتفاقٍ، بقرض 3 إلى 8 مليارات دولار، من دون تفريطٍ فى أى مكتسباتٍ اقتصادية، على عكس القبول بخصخصة شركات القطاع العام، وبيعها لمستثمرين من أى مكان، فى أسوأ اتفاقٍ وقعته مصر مع الصندوق، فى العام 1996، تحت عنوان «الإصلاح الاقتصادي»، الذى كانت نتائجه السريعة، تزايد معدلات البطالة، واتساع شريحة الفقراء.
لكن على عكس دولٍ، فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا، اخترق الصندوق سيادتها فى حالاتٍ عديدة، أمكن لمصر تفادى لحظات الضعف أمام إغراءات الاقتراض، واحتفظت بـ «رأس الطاولة» فى المفاوضات لسببين. الأول يتعلق بما يتمتع به الاقتصاد المصرى من مرونةٍ، وقدرته على الصمود فى مواجهة الأزمات – كورونا وحرب أوكرانيا – وما اتخذته الدولة من إجراءاتٍ احترازيةٍ، كانت بمثابة نوافذ للتعافى، من أى تداعياتٍ داخليةٍ وخارجية. والسبب الثانى، ربما بفضل الخبرة التراكمية، من خلال التعامل مع هذا الصندوق، بإقرار حزمٍ استثنائيةٍ لتحفيز الاقتصاد، وبرامج حمايةٍ اجتماعيةٍ، لتخفيف آثار ضغوط الاقتراض.
ورغم ما تخلفه قروض الصندوق، من موجات غلاءٍ وأعباء على الأسر الفقيرة، فإن مصر تظل عصية، على ما ألحقه صندوق النقد بدولٍ انهارت وأعلنت إفلاسها، كما فى حالة المكسيك، عندما اقترضت 3.4 مليار دولار، فى أوائل الثمانينيات، وبدلًا من نجاح خطة «بيكر» للإنقاذ، انتهت بتدميرٍ اقتصاديٍ كاملٍ، ووضع الصندوق يده على الميزانية العامة، ما أدى لاتساع مساحة الفقر والهجرة القهرية. والأسوأ من المكسيك، كانت السودان عام 1982، والصومال عام 1980، التى وضعهما الصندوق على سكة الدمار، انتهى فى الأولى – السودان – بأزمةٍ سياسيةٍ، خسر بسببها نصفه الجنوبى، وفى الثانية – الصومال – إلى حربٍ أهليةٍ وفقرٍ يعم البلاد.
ولأن لكل قاعدةٍ استثناء، فإن دولًا من بينها البرازيل وتركيا، ومعهما مصر بطبيعة ما يجرى، كانت لها تجارب مع صندوق النقد الدولى، يمكن أن تصنف على مقياس النجاح، تتقدمها البرازيل التى انتقلت خلال 5 سنوات، من دولةٍ مفلسةٍ عام 2002، إلى دولةٍ منحت قروضًا للصندوق، بفضل حزمة برامج اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ، وضعت البرازيل فى صف الاقتصادات القوية. ومثلها تركيا، عندما نجحت فى سداد ديونها للصندوق عام 2015، بعد أزمة عام 2002، فى الموازنة العامة وسعر الليرة.. إلخ، وبلدنا مصر هى الأخرى، تبقى صاحبة تجارب جيدة مع الصندوق، لكن يظل رعب الأسعار وانهيار قيمة العملة، قاسمًا مشتركًا فى عدم الرضا على قروض الصندوق.