صحيفة «الوسط»: ضبابية سياسية وهدوء أمني حذر يخيّمان على العاصمة

توقف كثير من متابعي الشأن الليبي عند توقيت إعلان خطة إخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة وغموض الأسلوب المتبع إن كان عسكريا أو عبر الحوار مع التشكيلات المسلحة، ومعايير تحييدها، ويتعلق الأمر بالاتفاق بين رئيسي المجلس الرئاسي و«حكومة الوحدة الوطنية الموقتة» الذي أثار شقاقا داخل المجلس الرئاسي نفسه، بموقف عضو المجلس، عبدالله اللافي الذي أعلن أن لا صلة له بالاتفاق، محتجا في بيان موقع باسمه على «اتخاذ المنفي قرارات أحادية»، معلقا على قراري تشكيل لجنة أمنية وعسكرية وأخرى حقوقية بالاتفاق مع الدبيبة، في وقت تواصل المبعوثة الأممية هانا تيتيه جولة في عدة مدن لاستطلاع آراء الليبيين الذين تعتبرهم قد فقدوا الثقة في الطبقة السياسية الحالية.
وأمام تزايد الانتقادات في أعقاب التوترات الأمنية التي شهدتها العاصمة طرابلس منذ نحو ثلاثة أسابيع، وحّد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلتزامهما عبر تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مشتركة بإنهاء أي تمركزات مسلحة خارجة عن مؤسسات الدولة الرسمية.
ولا يمكن فصل تحرك الدبيبة عن استباق انهيار تحالفاته مع عدد من التشكيلات المسلحة منذ اغتيال رئيس جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي، والتي تريد اقتلاعه الآن، فحتى داخل وزارة الدفاع تنحيا رئيس أركانه الفريق أول محمد الحداد، ونائبه صلاح الدين النمروش، جانبا عن المشاركة في الاقتتال الأخير في العاصمة، والآن أصبح في مواجهة مع جهاز قوة الردع الخاصة، بقيادة عبد الرؤوف كارة، الذي سعى لتفكيكه قبل أن تتوتر الأوضاع في طرابلس.
وفي موقف يعكس رفض حله، أعلنت إدارة الإعلام بجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ترحيبها بقرار المجلس الرئاسي بشأن تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المؤقتة لتثبيت الترتيبات الأمنية في العاصمة، حيث ينتظر الجهاز «تنفيذ ما يُسند إليه من مهام في إطار خطة الترتيبات الأمنية، وفق توجيهات المجلس».
– للاطلاع على العدد «498» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
رئيس جهاز الاستخبارات التركي في طرابلس
وسط هذه الأجواء انخرطت أنقرة بشكل لافت في مساعي التهدئة، خشية حدوث فراغ في حال سقطت الحكومة في غرب ليبيا حيث تنحصر منطقة نفوذها، إذ تواصلت مع قيادات عسكرية ومسؤولين حكوميين، حيث زار رئيس جهاز الاستخبارات التركي، إبراهيم قالن، طرابلس الثلاثاء بعد أيام قليلة من زيارة نائب رئيس جهاز المخابرات التركية، جمال الدين تشاليك، وسبقها تصريحات من قبل وزير الخارجية هاكان فيدان خلال لقاء نظيره الروسي بأن أنقرة وموسكو سيمارسان ضغوطا ونفوذا على حلفائهم في الداخل الليبي لمنع عودة الاقتتال والتصعيدات العسكرية.
الدبيبة يعلن عن مبادرة سياسية
وفي محاولة أخرى لتأكيد شرعية سلطته، مديرا ظهره لمطالب المحتجين بتنحيته، أعلن الدبيبة خلال كلمة في اجتماع مجلس الوزراء عن مبادرة سياسية من ثلاثة مسارات تبدأ بإعادة هيكلة الحكومة وإطلاق مشروع الاستعلام الوطني، ووضع آلية لتأمين الانتخابات.
هذه المبادرة قوبلت بانتقاد عضوي المجلس الرئاسي موسى الكوني وعبد الله اللافي في بيان مشترك، ووصفوها بتجاوز للمسار التوافقي، وأكد المجلس أنه لم يجر إبلاغه بمضمون هذا المقترح لا رسميا ولا غير رسمي، ولم يكن طرفا في أي مشاورات بشأنه.
من جهة أخرى قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في بيان أصدره الأربعاء، أن هيئته تلقت تقارير تفيد بأن الاحتجاجات في طرابلس قوبلت باستخدام القوة المفرطة، مما أثار مخاوف جدية فيما يتعلق بضمان الحقوق الأساسية في حرية التعبير والتجمع، فضلا عن الحاجة إلى حماية المساحة المدنية.
مطالبات للبعثة الأممية بتشكيل حكومة جديدة
وطالب عديد المشاركين في لقاء تيتيه بتشكيل حكومة جديدة برئاسة رئيس المحكمة العليا، على ألا تتجاوز مدة توليها السلطة 120 يومًا، كوسيلة لتوحيد الشرق والغرب، فيما أعرب آخرون عن دعمهم للخيار الرابع والحل الفوري للمؤسسات السياسية الحالية، مما يتيح للشعب الليبي فرصة بناء دولته.
ويقضي الخيار الرابع للجنة الاستشارية بإنشاء لجنة حوار سياسي، وفقًا للمادة 64 من الاتفاق السياسي الليبي، لتحل محل جميع المؤسسات موقتًا، واستكمال القوانين الانتخابية، واختيار حكومة موقتة.
وتخطط البعثة لعقد اجتماعات مُماثلة في مدن ومناطق أخرى من ليبيا خلال الفترة المقبلة، تأكيدًا على أهمية الحوار المجتمعي في بناء مستقبل سياسي مستقر.
كما أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عزمها إطلاق استطلاع عام عبر الإنترنت قريبًا بشأن أفضل السُبل لقيادة البلاد نحو الانتخابات وتوحيد مُؤسسات الدولة.
وأضافت تيتيه، خلال الاجتماع الذي عقد في مدينة الزاوية، أن «الحكومة المقبلة يجب أن تكون انعكاساً لتطلعات الليبيين، الذين فقدوا الثقة في الطبقة السياسية الحالية»، مضيفة «أصبح من الضرورة الآن أكثر من أي وقت مضى الدفع نحو التوصل إلى خارطة طريق توافقية نحو الانتخابات وتوحيد المُؤسسات».
جريدة «الوسط»: الوضع في ليبيا يفتح الباب
أمام أسوأ الاحتمالات
وفي السياق ذاته، جدد القائد العام لقوات«القيادة العامة»، المشير خليفة حفتر خلال لقائه، مساء الثلاثاء، مع تيتيه، دعمه لجهود البعثة الأممية، وجميع المبادرات التي من شأنها فتح آفاق الحلّ السياسي، وإنهاء مرحلة الانقسام، والدفع بالعملية السياسية قدماً. وأكد حفتر دعمه الكامل لكل ما من شأنه تهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات، تحقيقاً لتطلعات الشعب الليبي نحو الاستقرار الدائم.
وليس بعيدا عن كل هذا، جاءت جلسة مجلس النواب التي عُقدت الاثنين الماضي في بنغازي، لمناقشة طلب تخصيص موازنة لصندوق التنمية وإعادة الإعمار الذي يقوده نجل المشير حفتر، أبوالقاسم، لتلفت انتباه الليبيين بعدما تحول النقاش إلى مشادات كلامية بين نواب عارضوا إقرار الميزانية، وآخرين دافعوا عنها، وقد أعلن مجلس النواب بدعوة من رئيسه، عقيلة صالح، عن رصد ميزانية للصندوق بقيمة 69 مليار دينار، لكن 113 نائباً من أعضاء مجلس النواب أعلنوا «عدم الاعتراف قانونياً بجلسة المجلس الأخيرة التي اعتمدت الميزانية»، واعتبر أعضاء مجلس النواب أن جلسة اعتماد ميزانية صندوق الإعمار انعقدت دون نصاب قانوني، وبحضور 25 نائباً فقط.
أما الدبيبة فقد أعرب عن رفضه «لأي مسارات موازية للإنفاق العام»، وفي هذا السياق طالب رئيس مجلس النواب «بالإفصاح عن مصير أكثر من 100 مليار دينار تم إنفاقها خارج الميزانية العامة خلال العامين الماضيين»، دون مزيد من التفاصيل.