«بوابة الوسط» تناقش آراء الليبيين بشأن خريطة تيتيه: هل هي فرصة حقيقية أم مجرد سراب؟

«بوابة الوسط» تناقش آراء الليبيين بشأن خريطة تيتيه: هل هي فرصة حقيقية أم مجرد سراب؟

في استطلاع للرأي أجرته «بوابة الوسط»، انتقد نواب ومسؤولون ومواطنون خارطة الطريق التي أعلنتها المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن، إذ قال البعض إنها تفتقد إلى جدول زمني واضح للتنفيذ أو آليات محددة للتطبيق، مضيفين أن البعثة لن تقدر على تشكيل حكومة جديدة.

وذهب آخرون إلى أن الخارطة تؤشر إلى إطالة أمد المرحلة الانتقالية مجددًا، مع عدم وضوح الطرق التي يمكن بها إنهاء هيمنة الأجسام السياسية المستمرة منذ نحو 12 عامًا، فضلًا عن صعوبة تشكيل حكومة جديدة في ظل تمسك رئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عبدالحميد الدبيبة بالمنصب، ورفضه المغادرة.

ويقول بعض ممن استطلعت آراءهم «بوابة االوسط» إن الإحاطة التي قدمتها تيتيه، الخميس الماضي، لم تضف جديدًا، ورأوا فيها «مجرد تكرار» لما طرحه المبعوثون السابقون. في الوقت نفسه، شدد آخرون على ضرورة إقرار دستور نافذ، تنبثق عنه الانتخابات البرلمانية والرئاسية، قبل المضي في أي تغيير للسلطة.

وفي رأى النائب عبد السلام نصية «المشكلة لم تعد في النصوص القانونية بقدر ما هي في غياب الثقة والانقسام الأمني والسياسي». وقال: «ما لم تُشكَّل حكومة انتقالية بولاية محددة، وتُطلق عملية حوار وطني تعالج قضايا السلاح والموارد والمواطنة، ستظل الانتخابات مؤجلة، والشعب عالقًا في دائرة الانتظار».
أبرز ما جاء في إحاطة تيتيه
في إحاطتها، اقترحت هانا تيتيه خارطة طريق مبنية على ثلاث ركائز أساسية، تشمل إعداد إطار انتخابي سليم من الناحية الفنية، وتوحيد المؤسسات من خلال حكومة جديدة موحدة، وحوارا يتيح المشاركة الواسعة لليبيين، مشددة على ضرورة مناقشة القضايا التي تعيق العملية الانتخابية.

كما أوضحت أن خارطة الطريق «ستنفذ عبر عملية تدريجية متسلسلة، وفق إطار زمني يتراوح ما بين 12 و18 شهرا»، لافتة إلى أن تنفيذ الخطة يتطلب إعادة تشكيل مجلس إدارة مفوضية الانتخابات.

ليبيا تحتاج إلى إرادة سياسية محلية قبل أي خرائط دولية جديدة

عضو مجلس النواب د. عبد السلام نصية:
على الرغم من أهمية مضمون خارطة الطريق، فإنها تثير تساؤلات حول قابليتها للتنفيذ، والقدرة على معالجة جذور الأزمة، فالخطوات الثلاث التي أطلقتها المبعوثة الأممية يمكن أن نوصفها بالمترابطة، إلا أنها تكشف عن معضلة أساسية، وهي: إذا لم يجر التوافق أولًا على القوانين الانتخابية وتعديل الإطار التشريعي، فإن الخطوتين اللاحقتين، تشكيل الحكومة والحوار الوطني، ستظلّان معلّقتين، وهو ما قد يفتح الباب أمام إطالة أمد الوضع الراهن بدلًا من تجاوزه.

الواقع الليبي أثبت مرارًا أن جوهر الأزمة ليس قانونيًا بقدر ما هو أمني وسياسي، فانتشار السلاح خارج سلطة الدولة، والانقسام المؤسساتي، وتراجع الثقة بين الأطراف، كل ذلك يجعل من أي ترتيبات قانونية مجرد نصوص معطّلة ما لم تواكبها خطوات عملية على الأرض.

الحل المستدام يتطلب أولًا حكومة انتقالية جديدة بولاية محددة وصلاحيات واضحة، تكون مهمتها الأساسية توحيد المؤسسات وإعادة ضبط الترتيبات الأمنية، مع إطلاق حوار وطني شامل حول القضايا الخلافية الكبرى: منصب رئيس الدولة، والسلاح، والحكم المحلي، وإدارة الثروات، والمواطنة. فدون توافق على هذه القضايا، ستظل الانتخابات مؤجلة، مهما جرى تعديل القوانين أو إعادة تشكيل المؤسسات.

إن استمرار الوضع الراهن يحمل مخاطر جسيمة: اتساع الانقسام المؤسسي، وتصاعد التدخلات الخارجية، واستنزاف الموارد الوطنية في ظل غياب شرعية موحدة. ومن هنا، تبدو الحاجة ملحّة إلى مقاربة أكثر شمولًا توازن بين البُعد القانوني والتشريعي، وبين المتطلبات الأمنية والسياسية على الأرض.

وفي العموم، فإن خارطة الطريق الأممية تطرح خطوات مهمة من الناحية النظرية، لكنها تبقى رهينة الإرادة السياسية المحلية، ومرتبطة بمعالجة القضايا الأمنية والسياسية الجوهرية. وإلا فإنها ستُضاف إلى سلسلة المبادرات السابقة التي لم تنجح في إخراج ليبيا من أزمتها الممتدة.

كما أنها تبدو نظريًا خطوة إلى الأمام، لكنها في الواقع تعيد إنتاج المعضلة نفسها، وهي: القفز فوق جذور الأزمة الليبية، فالمشكلة لم تعد في النصوص القانونية بقدر ما هي في غياب الثقة والانقسام الأمني والسياسي.

وما لم تُشكَّل حكومة انتقالية بولاية محددة، وتُطلق عملية حوار وطني حقيقية تعالج قضايا السلاح والموارد والمواطنة، ستظل الانتخابات مؤجلة، والشعب عالقًا في دائرة الانتظار. ليبيا تحتاج إلى إرادة سياسية محلية قبل أي خرائط دولية جديدة.

الحل ليس في تغيير الحكومات بل في الذهاب مباشرة إلى الانتخابات
وكيلة وزارة الثقافة في حكومة الوحدة الوطنية الموقتة وداد الدويني:
بصفتي عضوة في الحكومة أرى أن إحاطة تيتيه لم تحمل جديدًا يذكر، بل أعادت طرح الأفكار التي جُرّبت سابقًا دون أن تحقق اختراقًا في جوهر الأزمة الليبية. فالإشكالية الحقيقية ليست في تشكيل حكومة من عدمه، بل في استمرار وجود أجسام تشريعية تجاوزت 12 عامًا خارج أي إطار دستوري أو ديمقراطي، وفي حالة الاستفراد العسكري بالسلطة في الشرق والجنوب، وهو ما يتناقض تمامًا مع أهداف ثورة فبراير.

الحديث عن حكومة جديدة اليوم هو إعادة إنتاج للفشل. لقد جُرّبت هذه الوصفة مرارًا وبقيت الأزمة كما هي. ما يحتاجه الليبيون الآن هو الذهاب مباشرة إلى انتخابات تحت إشراف مفوضية نزيهة، ودستور متفق عليه. نحن في حكومة الوحدة الوطنية أجرينا انتخابات بلدية في مختلف المناطق بشفافية شهد بها الجميع، وهذا دليل على أننا قادرون على تنظيم انتخابات وطنية عامة بالروح نفسها إذا توافرت الإرادة الدولية لكسر العراقيل.

الخارطة لا تبدو قادرة على حل الأزمة أو دفع البلاد نحو انتخابات فعلية، لأنها لم تعالج لبّ المشكلة. أي خارطة طريق تتجاهل انتهاء صلاحية مجلسي النواب والدولة، وتتغافل عن العراقيل التي يفرضها أمراء الحرب في الشرق، ستكون خارطة ناقصة لا تحقق تطلعات الليبيين.

إن غياب الخريطة الزمنية مؤشر واضح على أن هناك نية لإطالة أمد المرحلة الانتقالية مجددًا، والشعب الليبي ضاق ذرعًا بهذه المراحل المتكررة التي لم تُنتج سوى انقسام إضافي. الضمانة الوحيدة هي دستور واضح وانتخابات عامة في آجال محددة، وليس فتح مرحلة جديدة غير معلومة المدى.

الحل ليس في تغيير الحكومات ولا في إطالة المراحل الانتقالية، بل في إنهاء الأجسام التشريعية المنتهية، وفرض سلطة الدستور، والذهاب مباشرة إلى انتخابات عامة. عندها فقط يمكن أن تتحقق وحدة ليبيا واستقرارها.

– البعثة الأممية تعلن نتائج استطلاع رأي الليبيين حول العملية السياسية
– الناطق باسم البعثة الأممية: مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة «لن تكون يسيرة» لكنها ضرورية وملحة
– «تنسيقية الأحزاب»: إحاطة تيتيه تكرار للمماطلة وإضاعة للوقت على حساب معاناة الشعب
– شاهد في «وسط الخبر»: مبادرة تيتيه.. «تصفيق دبلوماسي وتشكيك محلي ومصير معلق»

مشروع دستور 2017 السبيل الوحيد لضمان الانتقال الديمقراطي
عضو اللجنة القانونية بالمجلس الأعلى للدولة أمينة المحجوب:
مقترحات المبعوثة الأممية لم تأتِ بجديد عمّا طرحه المبعوثون السابقون، بل هي حلول موقتة تُطيل أمد الأزمة الليبية. وجوهر المشكلة يكمن في غياب اعتماد الدستور، فالدستور المنجز عام 2017 جاهز وقابل للتطبيق، وهو السبيل الوحيد لضمان الانتقال الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.

كل المبادرات الأخرى، مثل الحديث عن توحيد الحكومات أو تشكيل لجان جديدة، لن تحظى بقبول الشارع الليبي، لأن الشعب يطالب أولًا وأخيرًا بدستور نافذ تنبثق عنه الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
لا مؤشر عملي على إنهاء الأزمة
القاضية بمحكمة استئناف بنغازي فاطمة المصري:
ما قدمته المبعوثة الأممية تيتيه لم يكن مفاجئًا بل متوقعا، فقد شكلت لجنة استشارية من عشرين عضوًا دون إلزام بمقترحاتهم، متجاهلة مخرجات اتفاقات في الصخيرات وبرلين وجنيف.
إحاطة هانا تيتيه جاءت فارغة من أي مضمون أو مؤشر عملي لإنهاء الأزمة، وتعد مجرد إعادة لتدويرها، وتعكس ما دأب عليه من سبقها من المبعوثين، فهي تتجاهل ما انتهت إليه اللجنة الاستشارية، وكان عليها أخذ الآراء من أهل البلاد الذين أصابهم اليأس بشدة.

خارطة الطريق معالم دون تفاصيل
عضو مجلس النواب عن مدينة سبها محمد على الهادي:
وضعت المبعوثة الأممية معالم خارطة طريق، لكنها لم تحدد تفاصيل هذه الخارطة من حيث المدد والتواريخ، ولعل هذه المعالم كانت نتيجة للقاءات عدة مع العديد من الأطراف، ولا سيما الأساسية منها، كمجلسي النواب والدولة.

الجديد في هذه الإحاطة إشارتها إلى وضع المفوضية العليا للانتخابات، وضرورة إعادة تنظيمها، فهي الأساس لأي عملية انتخابية، وكذلك حديثها عن السلطة التنفيذية.

لقد أغفلت الإحاطة الحديث صراحة عن الجهات والأطراف المعرقلة لأي مسار، سواء الأطراف السياسية أو الأمنية، وأرى أنه إذا لم يجر التصدي لكل المعرقلين، فلن تكون هناك أي حلول، بل سوف تستمر المعاناة وتزداد الأمور تعقيداً. وتحتاج الحكومة الحالية إلى عملية واضحة المعالم بكل تفاصيلها، لأن الكل يشعر بأنه سيكون الضحية وغيره المستفيد، وهذا ما تكرر سابقاً.

التحدي الأبرز هو تشكيل حكومة جديدة
رئيس اللجنة السياسية بالمجلس الأعلى للدولة محمد سعد امعزب:
حتى لو أجريت الانتخابات، فلن تحل أزمة ليبيا. إن خارطة الطريق المقترحة هي لمرحلة انتقالية جديدة، ونأمل أن تكون هي نهاية المطاف للمراحل الانتقالية التي أرهقت البلاد.

التحدي الأبرز يكمن في تشكيل حكومة جديدة، حيث يتمسك رئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة»، عبد الحميد الدبيبة، بإجراء الانتخابات قبل تسليم السلطة، بينما يصر رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، على تشكيل الحكومة أولًا أو دون اشتراط الانتخابات، وهذا التباين في الرأي قد ينسف هذه الخارطة، لتقف عند إنجاز وحيد، وهو إعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات.

– المواطن ناصر السنوسي:
لم تقدم تيتيه أي جديد حقيقي، بل أعادت النقاط المسكنة التي كررها ممثلو البعثة الأممية سابقا بأسلوب متجدد، فالبعثة لا تريد الحل الذي يؤدي إلى الاستقرار، وتعمل على استمرار المراحل الانتقالية، والحل يكمن في العودة إلى الدستور الليبي. وليبيا بحاجة لدستور حاكم، ورمز يجتمع عليه الليبيون، حتى وإن كان من باب التجربة، بعد أن أثبتت كل التجارب السابقة والحالية فشلها.

النجاح يتوقف على حسن النية والدعم الدولي
رئيسة وحدة التدريب والجودة في مكتب تعليم الفئات الخاصة ببنغازي عائشة العرودي:
المبعوثة الأممية ركزت على ثلاث نقاط مهمة، وهي: إعداد إطار انتخابي فني متماسك، وتشكيل حكومة تنفيذية موحدة، وإطلاق حوار شامل يشمل المجتمع المدني، لمعالجة الملفات الخلافية الأمنية والاقتصادية والانتخابية.

بناء على ذلك، يمكن تشكيل حكومة موحدة إذا جرى إقناع الأطراف، خاصة الدبيبة، بأنها مرحلة قصيرة ومحددة الهدف: تمهيدا للانتخابات، وليس تمديدًا للمسار الانتقالي.

إن الخريطة تحمل إمكانات لتحريك الوضع السياسي فعليًا، لكنها ليست ضمانًا، حيث إن نجاحها مرتبط بتنفيذها بحسن النية، والدعم الدولي والسياسي الفعلي خلفها.

وعلى الرغم من ذلك، فالجدول الزمني غير المحدد بدقة يفتح الباب أمام التأجيل أو المراوحة، خصوصًا مع تراكم التاريخ الطويل للمبادرات غير المفعّلة. لكنه أيضًا يعكس واقعية في ظل التعقيد السياسي.

وللأسف لا توجد آليات التزام واضحة ومتابعة فعالة، لذا قد تتحوّل هذه المدة إلى تمديد ضمني للمراحل الانتقالية بدلًا من التسريع نحو الانتخابات.

ستبقى مجرد مقترحات إذا لم تلتزم الأطراف الليبية
موظفة في إدارة جهاز مشروع النهر الصناعي إيمان علي بوجناح:
لم تحمل إحاطة المبعوثة تيتية جديدًا كبيرًا على الرغم من تأكيدها ثلاث نقاط أساسية، هي: ضرورة التوافق الوطني، ووضع جدول للانتخابات، وتوحيد المؤسسات، إلا أن نجاح هذه الخارطة مرهون بالتزام الأطراف الليبية، وإلا ستبقى كسابقاتها مجرّد مقترحات.

إن غياب جدول زمني محدّد لتنفيذ بنود خارطة الطريق يفتح الباب أمام التسويف والمماطلة، خصوصًا في ظل التجارب السابقة التي لم تُفعَّل. صحيح أن ذلك يعكس شيئًا من الواقعية بسبب التعقيدات السياسية، لكن من دون آليات التزام واضحة ومتابعة جدية، قد يتحوّل الأمر إلى تمديد ضمني للمراحل الانتقالية بدلًا من التسريع نحو الانتخابات.

وفيما يخص مسألة تشكيل حكومة جديدة، ومع استمرار تمسّك الدبيبة بمنصبه، فهذا ملف معقّد ولا يمكن حسمه بسهولة، ويحتاج إلى تفاهمات وضمانات واسعة، مع أن الأولوية لدى كثيرين تبقى متمثلة في الذهاب إلى الانتخابات أولًا.

ضرورة محاسبة المعرقلين للعملية السياسية
الخبيرة بقضايا المراة الدكتورة خلود القماطي:
أرى أن البعثة الأممية في عهد تيتيه قد أنجزت كثيرا على الأرض بعد فترة المبعوث السابق عبدالله باتيلي، إذ استطاعت حلحلة بعض المشاكل المزمنة، من بينها أزمة ليبيا المركزي، والجلوس مع الشخصيات المتصارعة في الشرق والغرب دون انحياز لطرف.

وأعتقد أن الإحاطة التي تقدمت بها أمام مجلس الأمن لن تقدم حلا جذريا، غير أن الأزمات بطبيعتها لايمكن حلها دفعة واحدة، خصوصا في ظل تعنت الفرقاء الليبيين، لذا يجب ألا نُحملها كل المسؤولية، لأنها ما زالت تتعامل معهم على الرغم من أنهم في أجسام فاقدة للشرعية، ومخالفة للاتفاق السياسي.

غير أن الواقع يشهد انسدادا سياسيا واغتصابا للسلطة، يحرمان أكثر من مليونين ونصف المليون ناخب من حقهم في العملية الديمقراطية بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

ويجب محاسبة كل المعرقلين للعملية السياسية، فمن خلال المشاركة السياسية نصل إلى تعزيز القيم والمبادئ التي تحقق لنا تنمية شاملة ومستدامة. وإذا لم تتحقق مطالب الشعب، فسنصل -لا قدر الله- إلى صراعات دامية.

على البعثة إرسال خطاب شديد اللهجة، مشددة على كل الأطراف المتصارعة على السلطة أهمية سير العملية الديمقراطية والعيش بسلام، وبهذا نصل إلى تحقيق كل تطلعات الشعب.