تجارة الأدوية المزيفة: أزمة عالمية تتفاقم بسبب نمو التجارة الإلكترونية

أدى ازدهار التجارة الإلكترونية إلى انتشار مواقع غير خاضعة للرقابة، ما سهّل نشوء سوق عالمية للأدوية المخالفة للمواصفات القانونية، في آفة تُشكل تهديدًا للصحة العامة وتحديًا اقتصاديًا كبيرًا.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الأدوية المزيّفة هي منتجات طبية تُزيّف عمدًا أو بشكل احتيالي هويتها أو تركيبها أو مصدرها. قد تحتوي هذه الأدوية على المكونات الصحيحة ولكن بجرعة غير صحيحة، أو قد تحتوي على مادة فعالة مختلفة، أو لا تحتوي على أي مادة فعالة على الإطلاق. كما قد تحتوي على سواغات (مواد مضافة) غير صحيحة، وفقا لوكالة «فرانس برس»
قد تكون هذه الأدوية أيضًا منتجات أصلية تُحوّل لإعادة بيعها بشكل غير قانوني، وغالبًا ما يتم ذلك دون علم المرضى. وفي حالات أخرى، يُسعى عمدًا لاستخدامها كأدوية منشّطة أو مؤثرة على العقل.
حتى لو كان الدواء أصليًا في الأساس، فإن أي منتج يُسحب من قناة التوزيع الرسمية، على سبيل المثال عند طلبه من موقع إلكتروني غير قانوني لصيدلية، يصبح بحكم الواقع منتجًا غير قانوني. ويؤكد اتحاد شركات الأدوية الفرنسية (ليم) أنه «من هنا فصاعدًا، يمكن الحديث عن دواء مزور ومُحوّل».
– الأدوية المزورة سوق مربح يحصد أرواح الآلاف في أفريقيا
– لقاحات منتهية الصلاحية لعشرات الأطفال بالصين
وينطبق الأمر نفسه على الأدوية منتهية الصلاحية التي تُعاد تعبئتها لإعادة بيعها، أو التي تخرج من سلسلة التوزيع القانونية عبر وصفات طبية مزيفة.
وتُشير شركة الأدوية الفرنسية «سيرفييه» إلى أن السياق المجتمعي يُشجع على انتشار الأدوية المزورة، مثل «ظهور ثقافة التطبيب الذاتي والتشخيص الذاتي في البلدان التي أصبح فيها الوصول إلى الاستشارات الطبية معقدًا أو مُقيّدًا للغاية».
أدوية دون وصفة طبية
توضح «سيرفييه» أنه «بينما كان المرضى يترددون سابقًا في تناول الأدوية دون استشارة طبية، ينجذب البعض الآن إلى فكرة شراء الأدوية دون وصفة طبية، خصوصًا عبر الإنترنت».
تُشكل الأدوية المزيفة تهديدًا كبيرًا للصحة العامة في جميع أنحاء العالم، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
قد تكون هذه الأدوية ضارة إذا كانت تحتوي على ملوثات أو مواد سامة. وفي بعض الأحيان، يكون خطرها غير مباشر، كما في حالة مضادات الميكروبات، إذ تزيد من خطر مقاومة الأدوية. وفي أحسن الأحوال، تكون غير فعالة.
ويؤكد اتحاد «ليم» الفرنسي أن الأدوية المزورة «مشكلة صحية عامة رئيسية ذات مخاطر متفاوتة»، لكن «الناس لا يدركون ذلك».
في عامي 2022 و2023، أثارت وفاة 300 طفل في غامبيا وأوزبكستان وإندونيسيا، نتيجة تناولهم شراب سعال للأطفال مغشوشًا بمضاد تجمد يُصرف دون وصفة طبية، رد فعل قويًا من منظمة الصحة العالمية
آفة عالمية مربحة
قالت رئيسة مجموعة مكافحة التزييف في الاتحاد الأوروبي للصناعات الدوائية مريم بورحلة لودييي: «لا منطقة في العالم ولا مجال علاجيًا بمنأى» عن تزوير الأدوية.
يُعتبر هذا الاتجار الذي يُسهّله ازدهار التجارة الإلكترونية وانتشار المواقع غير الخاضعة للرقابة، أكثر ربحية بكثير من الاتجار بالمخدرات.
أسفرت عملية «بانجيا 17» التي قادها الإنتربول ونُفذت بين ديسمبر 2024 ومايو 2025، عن ضبط 50.4 مليون جرعة من المنتجات الصيدلانية المخالفة للمواصفات القانونية بقيمة 56 مليون يورو.
وأفاد الإنتربول في نهاية يونيو بأن العملية التي نُفذت في 90 دولة أسفرت عن توقيف ما يقرب من 800 شخص، مشيرًا إلى «تزايد الطلب» على أدوية السكري.
ووفقًا للخبراء، تظل العقوبات أقل شدة بشكل عام من تلك المرتبطة بالاتجار بالمخدرات.
الأدوية الأكثر استهدافًا
لسنوات عديدة، كانت علاجات ضعف الانتصاب مثل الفياغرا، مستهدفة بشكل خاص من جانب الجهات الضالعة بعمليات الاتجار غير المشروع بالأدوية.
وتُشير بورحلة لودييي إلى أن «مجرمي الأدوية» يتكيفون دائمًا مع الطلب، مستهدفين منتجات عالية القيمة، تتراوح من علاجات السرطان إلى علاجات الأمراض المزمنة ومضادات القلق.
ومنذ العام 2023، انضمت الأدوية التي تعالج اضطرابات التمثيل الغذائي، مثل أدوية السكري والسمنة، إلى المجالات العلاجية الأكثر تأثرًا بالتزوير، إلى جانب أدوية الجهاز البولي التناسلي والجهاز العصبي المركزي.
وفي صيف العام 2024، حذرت منظمة الصحة العالمية من دفعات مزيفة من الأدوية القائمة على مادة سيماغلوتيد، والمستخدمة لعلاج داء السكري من النوع الثاني والسمنة، بما في ذلك أوزمبيك وويغوفي.