الدينار الليبي: توازن بين دبلوماسية المصرف المركزي وتفشي الاقتصاد الموازي

تشهد الساحة الليبية أخيرا تطورات متسارعة، قد تمهد الطريق لمرحلة جديدة من الاستقرار الاقتصادي، وتمنح الدينار الليبي جرعة تفاؤل طال انتظارها. فبين خطوات المصرف المركزي الجريئة، ومؤشرات التقدم السياسي، وتوقيع اتفاقيات نفطية، ترتسم ملامح مستقبل أفضل للاقتصاد الليبي.
المصرف المركزي: خطوات جريئة لضبط إيقاع السوق
يُظهر المصرف المركزي الليبي فهما متزايدا لأهمية سد الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية، وهي معضلة اقتصادية أثّرت على معيشة المواطن بشكل مباشر. وتُعتبر التلميحات الأخيرة بخفض الضريبة على النقد الأجنبي إلى 10 % أو الغئها لاحقا مؤشرا قويا على استعداد المصرف لاتخاذ قرارات حاسمة. وعلى الرغم من أن هذا التلميح قد يؤدي إلى ارتفاع مؤقت في قيمة الدينار، إلا أن الهدف الأسمى هو استعادة السوق لسعره التوازني بشكل مستدام.
تفاؤل حذر في الأفق
كما أن التقارب الأخير بين محافظ المصرف المركزي وشركات الصرافة، والاجتماعات المباشرة التي تهدف إلى تحسين الظروف، تعكس نهجا جديدا يركز على التعاون مع الفاعلين في السوق. وفي حال نجحت هذه الجهود، فقد نشهد تحسنا إيجابيا في حركة السوق، مما سيعزز الثقة في الدينار الليبي على المدى الطويل.
الحل السياسي.. كلمة السر في الانتعاش الاقتصادي
لا يمكن فصل التحديات الاقتصادية عن الوضع السياسي المعقد في ليبيا. وفي هذا السياق، تكتسب التطورات الدبلوماسية أهمية قصوى. وتشير التسريبات من مبعوثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (هانا تيتيه) إلى أن تشكيل حكومة واحدة موحدة خلال هذا العام هو خطوة وشيكة.
إن وجود حكومة موحدة يمكن أن يوفر الأساس اللازم للاستقرار، ويسمح بتطبيق إصلاحات اقتصادية شاملة. فالحكومة الموحدة ستتمكن من العمل بفعالية أكبر، وستعزز الثقة في القدرة على إدارة موارد البلاد، مما سيشجع على عودة الاستثمارات ويعزز قيمة الدينار الليبي بشكل طبيعي.
المؤسسة الوطنية للنفط: عودة اللاعبين الكبار
يُعد قطاع النفط هو الشريان الحيوي للاقتصاد الليبي، وأي تطور إيجابي فيه ينعكس مباشرة على البلاد. وفي هذا الإطار، يُمثّل توقيع المؤسسة الوطنية للنفط اتفاقية مع شركة إكسون موبيل الأمريكية للعودة إلى العمل والإنتاج في ليبيا علامة فارقة.
لا تقتصر أهمية هذه الخطوة على كونها استثمارا ماليا فقط، بل هي رسالة قوية من الشركات العالمية الكبرى تعكس ثقتها في الاستقرار الأمني والاقتصادي في البلاد. وإلى جانب ذلك، يعزز توقيع اتفاقية أخرى مع شركة شلمبرجير لتوسيع خدماتها، الطموح الليبي للوصول إلى مستوى إنتاج يبلغ مليون ونصف المليون برميل يوميا مجددا، مما سيضخ مزيد العملة الصعبة في خزائن الدولة.
الأمل موجود.. والدفاع عن الدينار ممكن
في ظل هذه المؤشرات الإيجابية، يبقى الأمل معقودا على تضافر الجهود. فالدعوة لتشكيل حكومة موحدة ليس مجرد أمنية، بل هو دعوة لضرورة سياسية واقتصادية تفتح آفاقا جديدة. إن الوحدة السياسية هي المفتاح لتحسين الظروف الاقتصادية، ورفع قيمة الدينار الليبي. ولا شك في أن المصرف المركزي يمتلك الأدوات والقدرة على الدفاع عن قيمة الدينار، لكن ذلك لن يتحقق بالكامل إلا في ظل بيئة سياسية مستقرة تدعم قراراته.