كيف سيؤثر التعاون بين تركيا والسلطات في شرق ليبيا على التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط؟

قال باحث في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية إن التوافق بين السلطات الليبية في الشرق والغرب على رفض الموقف اليوناني تجاه المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها في شرق المتوسط يخدم نظريا المصلحة الوطنية الليبية.
ورأى الباحث على بن موسى التوافق الليبي «النادر» على حد وصفه، بأنه مدفوع «بأجندات سياسية ضيقة» وهي تعزيز العلاقات مع تركيا، مركزا على التقارب اللافت حاليا بين تركيا والسلطات في شرق ليبيا، «الذي سيؤثر على المشهد في منطقة شرق المتوسط»، حسب ما جاء في مقاله على موقع المجلس الإثنين.
ولفت إلى أن مجلس النواب الذي سبق أن رفض قبل ست سنوات اتفاقية ترسم الحدود البحرية مع تركيا، التي أبرمتها حكومة الوفاق السابقة، تراجع الآن عن موقفه وأعلن تشكيل لجنة فنية لمراجعة مذكرة التفاهم بشأن ترسيم الحدود ورُبّما التصديق عليها، كما أشار إلى زيارة رئيس أركان القوات البرية التابعة لـ«القيادة العامة» الفريق أول صدام حفتر أنقرة الأخيرة في 22 يوليو الماضي ولقائه عدد من القادة العسكريين الأتراك.
التقارب بين أنقرة والسلطات في شرق ليبيا
وأشار الباحث في مجلس الشرق الأوسط إلى أن هذا التقارب «له تداعيات أوسع، لا سيّما في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تتصاعد حدة التوتّرات بين تركيا واليونان، اللتين تتقاسمان حدوداً بحرية متنازعاً عليها مع ليبيا، وقد أدّى هذا الخلاف إلى مواجهات بين الخصمين التاريخيين بسبب تعارض المطالب المتعلقة بحقوق استغلال الموارد في المياه الغنية بالغاز الطبيعي».
وتابع: «بينما كانت طموحات تركيا مقيّدة في البداية بعزلتها الإقليمية، زادت مناوراتها الجيوسياسية الأخيرة من نفوذها في كل من مصر وسوريا وليبيا، مما عزّز من موقعها في المنطقة في مواجهة اليونان، التي عارضت منذ البداية مذكرة ترسيم الحدود البحرية، وجددت موقفها في يونيو الماضي خلال اجتماع المجلس الأوروبي، الذي أصدر بياناً شديد اللهجة يدين الاتفاقية».
وأكمل: «ويشكّل التقارب المتنامي بين السلطات في شرق ليبيا وأنقرة تحدّيا استراتيجياً لليونان، التي لا تتمتع بنفوذ يُذكر في ليبيا، لكن تسعى جاهدة لحشد دعم الاتحاد الأوروبي للتصدّي لأي توسع تركي محتمل في المناطق البحرية المتنازع عليها، لكن من الصعب مواجهة استراتيجية أنقرة المزدوجة، القائمة على التعاون مع كلّ من طرابلس وبنغازي»، مردفا: «وفي ظلّ تغيّر التحالفات الإقليمية، تعمل تركيا على ترسيخ دورها كفاعل لا غنى عنه في مستقبل ليبيا، في حين يستغلّ قائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر ببراعة المصالح المتضاربة لدى القوى الإقليمية المنخرطة في الشأن الليبي».
تنامي العلاقات بين تركيا و«القيادة العامة»
ويرصد مقال بن موسى التطور الكبير في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا وسلطات شرق ليبيا، قائلا إنه تحول إلى «تعاون شبه استراتيجي» بين أنقرة وحفتر، مكملا: «من المرجّح أن ترى أنقرة في هذا التعاون فرصة ذهبية لتعزيز موقعها في معادلة الطاقة في شرق المتوسط».
وأضاف الباحث: «من جانبه، يرى حفتر في مغازلة تركيا تعزّيز لموقعه في مواجهة خصومه في غرب ليبيا، الذين ازدادت تحالفاتهم السياسية والعسكرية تشرذماً، خصوصاً بعد الاشتباكات التي اندلعت في مايو الماضي بين ميليشيات تابعة لـ(حكومة الوحدة الوطنية الموقتة) والمجلس الرئاسي، كانت استجابة أنقرة لهذه الاشتباكات حذرة، بعدما دعت إلى التهدئة من دون إعلان دعمها لهذه الحكومة، خلافاً لما كانت تفعله في السابق».
إدانة سلطات شرق وغرب ليبيا لجهود أثينا
وأوضح بن موسى أن حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة دانت أنشطة اليونان في المياه المتنازع عليها في محاولة لضمان دعم تركيا، منوهة بتوقيع مذكرة تفاهم بين المؤسّسة الوطنية للنفط وشركة النفط التركية لإجراء مسوحات جيولوجية في أربع مناطق بحرية، ما يزيد من حدة التوتّرات مع اليونان، وقد جاء ذلك في ظل مواجهة الحكومة احتجاجات شعبية ومحاولات من مجلسي النواب والدولة لاستبدالها.
وتابع: «بينما يستغلّ حفتر التنافس الإقليمي لاستعادة زخمه السياسي المفقود، فبعد إخفاقات سابقة في نيل الشرعية الدولية، يستخدم الآن احتمال المصادقة على مذكرة التفاهم كورقة ضغط إستراتيجية، سواء لاستمالة أنقرة أو للضغط على الاتحاد الأوروبي للاعتراف بدور سياسي له على الساحة الدولية، كما يستغلّ حفتر أيضاً قضية شديدة الحساسية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، وهي الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا».
– ثلاثية إردوغان الدبيبة وميلوني تثير جدلا في اليونان
– «تحسين العلاقات».. اليونان تبدأ تدريب خفر السواحل الليبي لمكافحة تدفق المهاجرين
– جريدة يونانية: الاتحاد الأوروبي يركز على دور روسيا في الهجرة إلى ليبيا ويتجاهل تركيا
– اليونان تجهز «ردها» على مذكرتي ليبيا حول ترسيم الحدود البحرية
– المفوض الأوروبي للهجرة يدعو إلى التفاوض مع حفتر لمواجهة أزمة المهاجرين عبر الشرق الليبي
ولفت إلى طرد السلطات في شرق ليبيا في الثامن من يوليو الماضي وفداً أوروبياً رفيع المستوى معنيّاً بقضايا الهجرة من بنغازي بعد رفضه الاجتماع مع رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد بحجة أنّها غير معترف بها دولياً، مكملا: «ويبدو أن حرس السواحل المتمركز في شرق البلاد يغض النظر عن تزايد أعداد المهاجرين الذين يغادرون من السواحل الشرقية لليبيا باتجاه جزر كريت وجافدوس اليونانية. فمنذ بداية العام، سُجّل وصول 7300 مهاجر عبر هذا المسار، بالمقارنة مع أقل من خمسة آلاف في العام 2024 بأكمله».
وأكمل: «في العادة، كانت غالبية موجات الهجرة غير النظامية من ليبيا تنطلق من السواحل الغربية باتجاه إيطاليا، لكن الارتفاع الأخير في حركة الهجرة من الشرق يوحي بوجود جهد مدروس من حفتر للضغط على الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقيات تمويل وتدريب مع قواته، على غرار مذكرة التفاهم لمكافحة الهجرة التي وقّعتها إيطاليا مع حكومة الوفاق في العام 2017، وهو ما يبدوا أنه قد أثمر فعلياً بعد زيارة وزير الخارجية اليوناني الأخيرة إلى بنغازي ولقائه بحفتر».
مخاطر التصعيد
ويخلص بن موسى إلى أنه و«على الرغم من أنّ المناورات التكتيكية التي تنتهجها السلطات في شرق البلاد مع تركيا واليونان والاتحاد الأوروبي لتعزيز موقعها الإستراتيجي، إلا أنها قد تنطوي أيضاً على مخاطر تصعيد غير مرغوب فيه، وإذا فشلت محاولات الحوار والتوافق، فقد تواجه المنطقة صراعات قانونية وتجارية ورُبّما عسكرية، ومن غير المرجّح أن تخوض اليونان هذه المعركة بمفردها، إذ ستعتمد اعتماداً كبيراً على دعم قوي من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتّحدة».
وتابع: «وفي حين أن دوافع ليبيا قد تشمل آمالًا في الاستفادة من عائدات النفط والغاز البحرية، لا سيما مع اهتمام تركيا المُعلن بمشاريع الاستكشاف، نظراً لأن الاتفاق البحري – كما يرد في السردية التركية – يمنح ليبيا حقوقًا بحرية أوسع قد تُفضي إلى اكتشافات جديدة، ومع ذلك، وفي ظلّ استمرار التشرذم الليبي، يُرجَّح أن تضمن القدرات العسكرية والتكنولوجية المتفوقة لأنقرة بقاءها الطرف المهيمن في أي ترتيبات مستقبلية تتعلق بليبيا في المتوسط».
وأضاف: «على المدى المنظور، من المرجّح أن يظلّ التعاون الإستراتيجي بين أنقرة والسلطات في شرق ليبيا براغماتي الطابع، متجذراً في مصالح متداخلة ومدروساً بعناية للحفاظ على المكاسب المشتركة، من دون أن يلغي الريبة المتبادلة بين الطرفين، وإذا ما صُدّق على مذكرة التفاهم البحرية، فستسعى تركيا على الأرجّح إلى ترجمتها إلى عقود ملموسة في مجالات الأمن والطاقة والبنية التحتية شرقا وغربا، فضلاً عن توسيع حضورها في شرق المتوسط».
واختتم: «أمّا المشير خليفة حفتر، فسيواصل تقديم تنازلات انتقائية، مستغلّاً مذكرة التفاهم لتعميق علاقاته مع أنقرة، مع التعهّد بتشديد الرقابة على الهجرة وتعزيز التعاون الأمني مع أثينا والاتحاد الأوروبي، وبهذا النهج، سيسعى إلى تنويع تحالفاته الخارجية وتعزيز شرعيته شبه الرسمية، من دون التفريط في استقلاليته عند اتّخاذ قراراته الميدانية».