الأنوثة والذكورة

الأنوثة والذكورة

عن الشاعر الهندي رابيندراناث طاغور (Rabindranath Tagore)، كتب الأديب عباس محمود العقاد، في 17 ديسمبر 1926، مقالًا أورده في كتابه «ساعات بين الكتب»، تناول فيه أفكاره وشعره، وقدم تحليلًا مسهبًا حول حب المرأة في كتابات طاغور.

وقد أورد العقاد قولًا لهذا الشاعر الرومانسي، خلاصة معناه: «كانت حياتي في صباي كالزهرة، ترسل من أوراقها الكثيرة ورقة أو اثنتين، ثم لا تحسّ لها فقدًا حين يطرق نسيم الربيع بابها يسألها ويبتغي عطرها. فاليوم، والشباب في إدباره، أرى حياتي كالثمرة التي ليس عندها ما ترسله، ولكنها تترقب مع هذا أن تهب نفسها كلها، وهي حافلة بذُخر حلاوتها».
ثم أضاف العقاد قائلًا: «يُشبه أن يكون هذا الكلام موضوعًا على لسان امرأة، فهو بحب النساء أشبه منه بحب الرجال… وهذا غير بعيد! فقد مرت بي هنا قطع كثيرة ينشدها الشاعر بلسان المرأة، ويكثر فيها ضمير المؤنث، فلعلّ هذه إحداها، وإن لم يرد فيها ذلك الضمير».

ثم يفسر العقاد، بإسهاب، أنه لمس في نفس طاغور الكثير من طبيعة الأنثى، كحب الأطفال، ناهيك عن أن رواياته يلمس فيها القارئ الكثير من طبائع الأمومة! ويرى أن تصوفه يبدو في حال من يهب نفسه ويسلمها لمن يقودها، ويفرح أنه محبوب من الله أكثر من حبه هو لله!

ويؤكد العقاد أنه إن كان في التصوف ذكورة وأنوثة، فإن تصوف طاغور أنثوي. فما شوقه إلى الله، إلا شوق المملوك للمالك!

ثم يوضح العقاد في موضوعه أن: «فاصل الجنس» ليس من المناعة والحسم بالمكان الذي يتوهمه أكثر الناس، فليس كل رجل رجلًا بحتًا، ولا كل امرأة امرأة صميمة، وإنما تمتزج الصفات، وتتفق المزايا، ويكون في الرجل بعض الأنوثة، كما يكون في المرأة بعض الرجولة.

ويستدل العقاد برأي الفيلسوف النمساوي أوتّو فينينغر (Otto Weininger)، الذي عاش في الإمبراطورية النمساوية المجرية، ونشر عام 1903 كتابه الشهير «الجنس والشخصية»، والذي ذاع صيته بعد انتحاره في عمر الثالثة والعشرين. وقد اُقتبست أجزاء من عمله لاحقًا من قبل النظام النازي (رغم إدانته له أيضًا)، وكان له تأثير كبير على عدد من الكُتّاب والمفكرين مثل لودفيغ فيتغنشتاين، وأوغست ستريندبرغ، وجيمس جويس.

وفي كتابه هذا، يقول فينينغر: «إن الرجل يحب المرأة، أو العكس، على حسب ما بينهما من التوافق والتباين في تلك العناصر والصفات. فالرجل الذي فيه 80% من الرجولة و20% من الأنوثة، تُتمّه امرأة فيها 80% من الأنوثة و20% من الرجولة!»

ويعلّق العقاد على ذلك بقوله إن هذا الرأي قد نستهجنه لغرابته، ولكنه متداول، وكُتبت عنه آراء وأبحاث كثيرة.

ومن الآراء التي أوردها العقاد في هذا السياق، قوله: «وقد تُكابر المرأة نفسها، أو الرجل، حبًّا للعنت الذي جُبلت عليه، ولكنها إن رجعت إلى طبعها شعرت بهذه الحقيقة، راضية أو كارهة، وعزّ عليها إنكارها…»

وأضاف: «يتساوى في هذا الشعور ذكيات النساء وغبياتهن، والعالمات منهن والجاهلات، والقديمات في عصور التاريخ والحديثات في هذا العصر… الذي خُيّل إليه أنه يقلب الطبائع وينقل الفطر عما فُطرت عليه…».

الموضوع شائق، ويستحق المزيد من التوضيح والدراسة. غير أن تناول مثل هذه المواضيع لا يزال مستهجنًا إلى حدٍّ كبير في ثقافتنا.
ولكن الاستنكار أو الصمت تجاهها لا يلغي بالضرورة حقيقتها.