جدل السيادة والتمتع بالإفلات من العقاب في مناقشة «وسط الخبر».. مختصون يتباينون بشأن الاختصاص الجنائي الدولي في ليبيا (فيديو)

جدل السيادة والتمتع بالإفلات من العقاب في مناقشة «وسط الخبر».. مختصون يتباينون بشأن الاختصاص الجنائي الدولي في ليبيا (فيديو)

اختلف مسؤولون وخبراء قانونيون حول تدخل المحكمة الجنائية الدولية في القضايا والمحاكمات الخاصة بليبيا، بين من يرى أن المحكمة لا يحق لها ذلك باعتبار الأمر تجاوزًا للسيادة الليبية، وبين من يرى أن المحكمة تقوم بهذا الدور في حدود استثنائية وبناء على تفويض من مجلس الأمن.

دار هذا الجدل في حلقة أمس الثلاثاء من برنامج «وسط الخبر» المذاع على قناة الوسط (WTV)؛ إذ أيد وزير العدل في الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب خالد مسعود الأمر الولائي الصادر من محكمة جنوب بنغازي الابتدائية بوقف تنفيذ تفويض حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» للمحكمة الجنائية الدولية.

وقال مسعود إن قرار محكمة جنوب بنغازي يعتبر أمرًا ولائيًا واجب التنفيذ له صفة الإلزام، باعتبار أن المختص بنظر جميع الدعاوى التي تقع داخل الدولة الليبية هو اللقضاء الليبي.

وأضاف أن الجنائية الدولية لا تعتبر في أي حال من الأحوال بديلاً عن القضاء الوطني بل مكملة له إذا دعت الضرورة، رافضًا موقف حكومة الدبيبة الذي أكدت فيه قبولها «اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا».

وواصل: «بالتالي ما صدر عن الحكومة منتهية الولاية باطل وفي حكم المعدوم، لأن مثل هذه الأمور لا بد أن تكون بسند دستوري ولا بد أن يكون لمجلس النواب سند في هذه الأمور».

وأشار إلى أن الجنائية الدولية يمكن أن تمارس اختصاصاتها لكن في الحالات التي لا تستطيع الدول ممارسة ولايتها القضائية فيها بفعالية، أو أن يكون هناك فشل ذريع في ممارسة أداء العمل القضائي، أو عندما تكون هناك إرادة سياسية ترفض ملاحقة مرتكبي عدد من الجرائم.

مسعود: ليبيا لم تثبت أنها غير قادرة على التحقيق في الجرائم
وتابع مسعود: «أما فيما يتعلق بالولاية القضائية، فهي حق أصيل للدولة الليبية، وأعتقد أن القضاء الليبي على درجة كبيرة من الحيدة والاستقلال والنزاهة، وبالتالي لم يثبت أن الدولة غير قادرة أو أنها راغبة في تحقيق عدد من الجرائم من قبل محكمة الجنايات الدولية».

ويرى مسعود أن الجنائية الدولية ليست دائمًا خيارًا مناسبًا حتى لدى الدول التي تدخلت فيها. «فهي اختصاص احتياطي، وليس اختصاصًا أصيلًا تمارسه على بعض الدول، بمعنى أن دورها اختصاص تكميلي لا يمارس إلا إذا ثبت عجز القضاء الوطني عن القيام بمهامه واختصاصاته في قضايا تتطلب أحيانًا معالجة محلية تتناغم أحيانًا مع السياق الاجتماعي والثقافي والسياسي للدولة المعنية».

– محكمة جنوب بنغازي الابتدائية تصدر أمرًا ولائيًّا لوقف قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا
– حكومة حماد ترفض اختصاص «الجنائية الدولية» في حالة ليبيا
– كريم خان: تلقينا موافقة ليبيا على ممارسة اختصاص «الجنائية الدولية» من 2011 حتى 2027

ولفت إلى أنه في كثير من الأحيان تقوم الجنائية الدولية فقط «بمحاكمات فردية، وليس الغرض هو بث العدالة ونشر الحق، وقد تُفهم على أنها تحيُّزات سياسية لا أكثر، دون دعم جهود الدول الحقيقية، ولا الدول التي كانت تمر في أزمات في محاربة الجريمة والفساد».

هل تتخذ حكومة حماد إجراءات ضد الجنائية الدولية؟
وذهب وزير العدل في حكومة أسامة حماد إلى إمكانية اتخاذ موقف مضاد من الجنائية الدولية، في حال أصرت على ممارسة اختصاصات داخل ليبيا قائلا: «يمكن في هذه الحالة اللجوء للتقاضي الدولي، وقد يكون اللجوء إلى محاكم دولية مثل محكمة العدل الدولية، وذلك بتقديم قضايا تدعم السيادة الليبية وسيادة القضاء الليبي داخل هذا البلد».

وأضاف: «لدينا في أمر آخر التحرك الدبلوماسي مع الدول الأخرى، وذلك بالضغط على المحكمة، ورفض اختصاصها وحشد تأييد دولي للسيادة الليبية».

الطويبي: تدخل الجنائية الدولية بناءً على اختصاص استثنائي من مجلس الأمن
في المقابل، ترى القانونية المحامية ثريا الطويبي أن أساس تدخل محكمة الجنايات الدولية واختصاصها بنظر بعض القضايا التي حصلت في ليبيا هو اختصاص استثنائي منحه إياها قرار مجلس الأمن في العام 2011، حيث أسند إليها اختصاص التحقيق والنظر في القضايا ضد الإنسانية وقضايا الحرب، وجرائم الحرب التي حصلت منذ العام ذاته.

وأضافت أن هذا القرار استمر دون إلغاء الاختصاص الممنوح للجنائية الدولية، دون النظر إلى انضمام ليبيا إلى اتفاقية المحكمة (اتفاقية أو نظام روما) أو لا.

وأوضحت أن اختصاص محكمة الجنايات يكون بإصدار أوامر قبض لبعض الشخصيات، في حال توفر أدلة أو دعاوى ضد شخصيات معينة بأن هذه الجرائم تكون جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب.

وذهبت الطويبي إلى أن هذا الأمر ليس فيه أي انتهاك لحق القضاء الليبي بالنظر في هذه القضايا، «لأنه منذ العام 2011 إلى اليوم، هناك قضايا ضد الإنسانية وقعت، لم تتمكن الحكومات المتعاقبة أو القضاء الليبي من القيام بأي قرارات أو محاكمات أو تنفيذ عقوبات على الشخصيات المشكو ضدها».

وواصلت: «كما أن القضاء الليبي لا يستطيع ممارسة عمله حتى الآن، ففي 17 يوليو الجاري، تعرضت محكمة بوسليم للاعتداء عليها بالقوة وباستخدام الأسلحة الثقيلة نتيجة إصدارها قرارًا صدر ضد أحد العناصر التابعين لجهاز تحت وزارة الداخلية».

الديباني: ما قامت به حكومة الدبيبة تحرك غير قانوني
من جانبه، ذهب الباحث القانوني عبدالله الديباني إلى أن ما قامت به حكومة الوحدة الوطنية هو تصرف غير دستوري، فلا يمكن أن تعطي سلطة تنفيذية تفويضًا لمحكمة أو جهة قضائية دولية، «ويجب أن يكون هذا المنح مبنيًا على تفويض دستوري صادر عن السلطة التشريعية، يعطي فيه تسجيلًا كاملًا أو تفويضًا كاملًا لمبدأ عملية التفويض»، وفق قوله.

وقال الديباني إن ما حدث مساس بالسيادة الوطنية وخلل بمبدأ الفصل بين السلطات الذي نص عليه الإعلان الدستوري، وهو ما تنص عليه جميع المبادئ الحاكمة سواء كانت لمحكمة العدل الدولية أو كانت حاكمة لمحكمة الجنايات الدولية، بما فيها نظام روما الأساسي.

وشدد على أنه لا يجوز للمحكمة الجنائية أن تمارس اختصاصها القضائي على أي دولة «طالما أن السلطات القضائية لهذه الدولة ما زالت تعمل بجدية وراغبة في الحكم».

دور محدد المدة للجنائية الدولية في ليبيا
بدوره، قال المحامي والمستشار القانوني أحمد نشاد إن اختصاص الجنائية الدولية بالتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية التي وقعت في ليبيا ليس اختصاصًا مطلقًا ويمتد إلى ما لا نهاية بل هو محدد بما حدث قبل سقوط نظام القذافي في 20 أكتوبر 2011.

وأوضح: «قرار مجلس الأمن كان يتحدث وينطلق من الحالة الليبية في 2011، وكان يرى أن هناك خصمًا للمجتمع الدولي وهو الدولة الليبية التي انتهت في 20 /10 /2011. هذه هي دولة القذافي، وهذا هو المقصود. والاختصاص مقيد بالحالة وبالفترة الزمنية التي انتهت بنهاية عهد الدولة الليبية التي كانت يرمز لها بالقذافي، وليس اختصاصًا مطلقًا».

وتعجب نشاد من موقف حكومة الدبيبة، قائلًا: «كان الأجدر بالحكومة الوحدة الوطنية أن تقدم استقالتها وتعلن عجزها عن بسط الأمن والأمان في إقليم مدن طرابلس وضواحيها. فأن تطلب من الجنائية الدولية التدخل يعني أنها فشلت في طرابلس أن تحقق معادله الأمن».