جمع عيدان

جمع عيدان

عندما نسمع عبارة «تلقيط عيدان»، للوهلة الأولى يذهب تفكيرنا إلى الواقع المادي والمعنى المباشر، حيث في كل رحلة خلاء «زردة» يكون هناك شخص له خبرة في جمع القش والأغصان والأعواد الصغيرة الجافة لإشعال النار لأجل إعداد الطعام، ويشار إليه بأنه (يلقط في العيدان)، وهي مهمة في سياقها تُعتبر مهمة محمودة.
ولكن في هذا المقام، أود الإشارة إلى استعمال العبارة في سياق معنى سلبي، فهي تعبير مجازي القصد منه ذلك الشخص الذي يعاني -بظني- حالة نفسية مرضية، إذ يتربص لجمع أخطاء وهفوات الآخرين ويؤلف الأكاذيب بغرض إشعال نار الفتنة والتفريق وزرع الشقاق بين الناس لشيء ما في نفسه.
أما النوع الأكثر انتشارًا حاليًا وحديثًا، فهو المتربص لأخطاء غيره عندما يمتهن وظيفة «الذباب الإلكتروني» على منصات التواصل، ذلك العمل الذي يساهم في تأجيج الصراعات السياسية كما هو حال مشهدنا الحالي، بينما يُفترض -وعند تفاقم الأزمات- أن العقلاء يستمسكون بالروح الإيجابية التي تظهر في المشهد، حيث يتم استحضار قيم التسامح والتعايش، ثم البناء عليها وتطويرها من أجل الوصول للسلم والأمن الأهلي. ولكن هذا الحال ليس حاضرًا على العموم؛ فهناك من لا يملك إرادة الخروج عن باطنه أو مصلحته الشخصية، ويكون هذا الشخص حريصًا على إشعال نار الكراهية والبغضاء ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
لقد بات من المعلوم لدى غالبية الناس، أن المتصارعين على السلطة يأتون بكل من هو خبير في «تلقيط العيدان» إلى القنوات المرئية ومختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل، تلك التي طالما أظهرت عداوتها للسلام بين الليبيين، إلا على شروطها، والتي عادةً تتمثل في القضاء على من يعتبرونهم خصومًا أو إقصائهم من المشهد السياسي أو من الحياة كليًا. يأتون بهم لوضع واختلاق العراقيل وتزييف الواقع لدى المتلقي والمشاهد، الذي أصبح تائهًا بين اتهامات من هنا وتخوين من هناك، ويدّعون زورًا أنهم يتكلمون بلسان المواطن، الذي غالبًا -وللأسف- ما ينساق وراء ما يدّعون، فيُصبح من السهل الالتحاق بجوقة تلقيط العيدان.
من الصعب أن يكون الإنسان إيجابيًا مثابرًا ويحاول البحث وتقديم المبادرات والحلول، أو يقول أو يكتب شيئًا يذكّر الناس بقيمة إيجابية، أو يُدخل البهجة على نفوسهم، أو يساهم في لملمة شتات الأطراف المتنازعة، ولكن من السهل أن يحقق مكاسب آنية وشهرة زائفة، مستفيدين من استمرار الأزمة بالبلاد، لأنها تضمن استمرار مكاسبهم التي عادةً تأتيهم إلى بيوتهم وربما بالعملة الصعبة، في الوقت الذي يتاجرون فيه بمأساة الناس ويطالبونهم بالاصطفاف إلى الجهة التي تموّلهم، وهو ما يغذي جيوبهم وبطونهم ليس إلا!
هذا الأمر يتكرر باستمرار كلما جدّ جديد في المشهد السياسي ومع كل تنازع يحدث، فيتسابق أولئك في شحذ سكاكينهم لأجل تقويض أي فرصة أو خطوة تقترب بنا نحو المصالحة وبناء دولتنا المأمولة.

وسوم: