العائدون من ليبيا برؤية فرانشيسكا: شكر لليبيا وانتقاد لإيطاليا

العائدون من ليبيا برؤية فرانشيسكا: شكر لليبيا وانتقاد لإيطاليا

نشرت صحيفة «لاديجه» الإيطالية أخيرا مقالا، وقعته فرانشيسكا برينا ريكوتي، رئيسة جمعية الإيطاليين العائدين من ليبيا، استحضرت فيه ذكرى 21 يوليو 1970، تاريخ مصادرة ممتلكات الجالية الإيطالية في ليبيا. لم يأتِ المقال في سياق مطالبة سياسية، ولم يتضمن أي إشارات لتحرك دبلوماسي أو قانوني تجاه طرابلس، بل بدا أقرب إلى تذكير وجداني موجه إلى مؤسسات الدولة الإيطالية، يتناول سردية مهملة في التاريخ الرسمي لا أكثر.
تغلب على المقال لهجة شخصية، بلحم ودم، لا تستند إلى خطاب اتهامي أو عدائي، بل إلى مشاعر فقد وحنين. ريكوتي لا تخاطب ليبيا كدولة، ولا تضع الشعب الليبي في موقع الخصومة أو المحاسبة، بل تُسارع إلى التأكيد:
«La nostra rabbia non è mai stata diretta a quel Paese e la nostra nostalgia non si è mai trasformata in rivendicazione cieca».
(غضبنا لم يكن أبدا موجها إلى ذلك البلد، وحنيننا لم يتحول أبدا إلى مطالبة عمياء).
هذه الجملة لا تُعبّر فقط عن نفي الاتهام، بل تحمل إقرارا صريحا بأن العلاقة مع ليبيا لا تزال في الذاكرة محاطة بمشاعر التقدير، رغم كل ما جرى. ويتجلى ذلك بوضوح حين تقول:
«In Libia abbiamo avuto vicini di casa che ci hanno voluto bene, amici che ci hanno sostenuto nei momenti difficili».
(في ليبيا، كان لدينا جيران يحبوننا، وأصدقاء ساندونا في اللحظات الصعبة).
لا تكتب ريكوتي هنا بوصفها خصما سياسيا أو متحدثة باسم جهة متضررة تسعى إلى تعويض، بل تبدو كأنها تعود إلى وطنٍ كانت له مكانة وجدانية، مهما تقطّعت السبل. وبين سطورها، نجد خطابا يفتقد للعدالة، نعم، لكنه لا يفتقد للاحترام.
وإن كان من عتاب في المقال، فهو موجّه إلى الداخل الإيطالي، حيث تتهم الكاتبة مؤسسات بلدها بتجاهل هذه الشريحة من مواطنيها، إذ تقول:
«Il problema della riparazione per i diritti violati non riguarda la Libia ma solo il governo italiano».
(مسألة التعويض عن الحقوق المنتهكة لا تتعلق بليبيا، بل بالحكومة الإيطالية فقط).
«Non si trattava di chiedere privilegi, ma di pretendere che venissero rispettati i nostri diritti».
(لم تكن المطالبة بامتيازات، بل المطالبة باحترام الحقوق).
بهذا المعنى، فإن المقال لا يحمل أي دعوة لمحاسبة الدولة الليبية أو مطالبتها بشيء، بل يضع كامل المسؤولية في حضن الدولة الإيطالية، ويُبقي ليبيا في مساحة الشعور لا المساءلة.
وبالعودة إلى السياق الليبي، فإن العلاقات الثنائية، كما أرستها معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون لعام 2008، قد أعادت ضبط الإطار القانوني بين الدولتين، وأغلقت من خلال التوافق الرسمي ملف الماضي الاستعماري وتبعاته، دون أن تتضمّن أي التزام على ليبيا تجاه الجالية الإيطالية السابقة. بذلك، فإن المقال الذي بين أيدينا لا يغيّر من هذا الوضع شيئًا، ولا يحمل مؤشرات على أي نزعة لإعادة فتحه.
في النهاية، فإن النص، رغم ما فيه من شجن، يظل داخل حدود التعبير الحر الذي لا يحمل تهديدًا، ولا يتعدى وظيفة التذكير من موقع شخصي، لا رسمي ولا سياسي. وإن كان من رسالة خلف سطوره، فهي محبة إلى ليبيا، ومطالبة إلى روما.