تقرير قانوني يسلط الضوء على تطورات قضية «نجيم»: خطوة ليبية قد تعيدها إلى «المحكمة الجنائية الدولية»

تتبعت مدونة متخصصة في القانون الدولي مسار قضية المسؤول السابق بجهاز الشرطة القضائية أسامة نجيم، وعلاقة إيطاليا بالمحكمة الجنائية الدولية، والتدخل الليبي الأخير في الملف، والسيناريوهات المتوقعة للقضية.
وأشار تقرير «أوبينيو جوريس»، وهي مدونة متخصصة في مناقشة القانون الدولي من قبل الأكاديميين والخبراء القانونيين، إلى أن إطلاق نجيم عقب توقيفه بأيام في إيطاليا بموجب مذكرة صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، أثار جدلًا واسعًا حول مصداقية الالتزام الأوروبي تجاه العدالة الدولية، ودور إيطاليا – خامس أكبر ممول للمحكمة – في إفلات المتهمين من الملاحقة.
في 18 يناير 2025، أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق نجيم، وطلبت اعتقاله، وأُرسل الطلب إلى 6 دول أوروبية، منها إيطاليا، حيث يُعتقد أن نجيم موجود.
اعتقال مفاجئ.. وأمل لم يدم طويلاً
في 19 يناير 2025، ألقت الشرطة الإيطالية القبض على أسامة نجيم في أحد فنادق مدينة تورينو، استجابةً لطلب مؤقت من المحكمة الجنائية الدولية بالقبض عليه وفقًا للمادة 92 من نظام روما الأساسي، بناءً على مذكرة اتهام بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أثناء عمله في سجن معيتيقة بطرابلس.
ورغم أن السلطات الإيطالية لم تُبلغ في حينه عن أي عوائق تعرقل التعاون مع المحكمة، فإن التطورات التي تلت كشفت عن خلل في الإجراءات، تسبب في فشل تسليمه، وفق التقرير.
تحول دراماتيكي في روما
وفي 21 يناير، أي بعد 48 ساعة فقط من الاعتقال، أعلنت محكمة الاستئناف في روما الإفراج عن نجيم استجابة لطلب تقدم به محاميه. بعدها أشار وزير العدل الإيطالي كارلو نورديو إلى «تعقيدات قانونية وإجرائية» لم تُحدد. ورغم تلقيه طلب التعاون من المحكمة، لم يُحِل نورديو الملف إلى القضاء المختص في الوقت المناسب، مما فتح ثغرة قانونية استغلها الدفاع لصالح المتهم.
وفي اليوم نفسه، نُقل نجيم إلى طرابلس على متن طائرة حكومية إيطالية، بأمر من وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي، مستندًا إلى المادة 13 من قانون الهجرة الإيطالي التي تجيز الطرد لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
– فخ «أسامة نجيم».. حكومة الدبيبة في مأزق سياسي وقانوني
– «جريدة إيطالية»: «مساعد» أسامة نجيم في قبضة السلطات الألمانية
– «حكومة الوحدة» تحذف بيانها بشأن رفض تسليم أسامة نجيم إلى المحكمة الجنائية الدولية
– بسبب أسامة نجيم.. ميلوني ووزراؤها «مستهدفون بتحقيق قضائي» في إيطاليا
تحقيقات المحكمة: هل تقاعست إيطاليا عن التعاون؟
طلبت المحكمة الجنائية الدولية توضيحًا رسميًا من الحكومة الإيطالية بشأن ما إذا كانت قد أخلّت بالتزاماتها بموجب الجزء التاسع من نظام روما الأساسي. وفي 6 مايو، وبعد تأجيلين، قدمت روما مذكرتها الرسمية التي نفت فيها تقصيرها، لكنها أقرت بعدم التواصل المسبق مع المحكمة بشأن الخطوات التي اتخذت.
برّرت إيطاليا الإفراج عن نجيم بثلاثة أسباب: وجود مخالفات إجرائية في عملية الاعتقال، وتسلم طلب تسليم مماثل من ليبيا يتعلق بنفس التهم، وإصدار مرسوم طرد من وزير الداخلية لدواعٍ أمنية.
وقد رأت محكمة الاستئناف أن اعتقال نجيم جرى دون تفويض قانوني من وزير العدل كما يفرضه القانون رقم 237/2012، وهو القانون المحلي المنظم لتعاون إيطاليا مع المحكمة. غير أن بعض الخبراء القانونيين شككوا في هذا التفسير، وأشاروا إلى أن غياب تدخل الوزير لا يُبطل الاعتقال بالضرورة، خصوصًا في ظل استلامه للطلب وعدم اتخاذه الإجراء اللازم.
مبدأ التكامل بين المحكمة والدول: هل أخطأت المحكمة؟
أشارت الحكومة الإيطالية إلى تلقيها طلبًا من ليبيا لتسليم نجيم لنفس التهم، واعتبرت أن المحكمة الجنائية الدولية لم تُجرِ أي تشاور مع الجانب الليبي لتقييم قدرته على المحاكمة، ما يشكل – بحسب روايتها – خرقًا لمبدأ «التكامل القضائي» المنصوص عليه في المادة 17 من نظام روما.
غير أن المحكمة الجنائية الدولية لا تلتزم – قانونًا – بالتواصل مع دول غير أطراف في النظام الأساسي، على غرار ليبيا، لتقييم أهليتها للمقاضاة، بل تقع هذه المسؤولية على الدولة المعنية، وهي لم تبادر بذلك حتى وقت متأخر، وفق تقرير «أوبينيو جوريس».
– النيابة تطلب من «الجنائية الدولية» أدلة الإثبات في التهم الموجهة لأسامة نجيم
– 12 تهمة بينها قتل واغتصاب تنتظر نجيم في الجنائية الدولية
– الدبيبة: أسامة نجيم متهم بالاغتصاب.. و«لا ظلم بعد اليوم» في «الأمن الداخلي»
طرد أمني أم مناورة سياسية؟
برّرت السلطات الإيطالية إعادة نجيم إلى ليبيا بأسباب تتعلق بالأمن القومي، مشيرة إلى العثور على مبلغ نقدي كبير وجهاز بصري بحوزته لحظة القبض عليه. لكن مراقبين تساءلوا عن مدى واقعية التهديد الذي شكّله وجوده، معتبرين أن الطرد جاء وسيلة قانونية لإفشال التسليم وليس حمايةً للأمن الإيطالي.
ورغم خيبة الأمل التي تبعت الإفراج عن نجيم، فإن تطورًا مفاجئًا أعاد الأمل في محاسبته: ففي 12 مايو 2025، أعلنت ليبيا قبولها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في النظر بالجرائم المرتكبة على أراضيها خلال الفترة من 2011 إلى 2027، بموجب المادة 12 «3» من نظام روما الأساسي.
ليبيا تتدخل وإيطاليا تتراجع.. فرصة ثانية للعدالة؟
وأشارت مصادر دبلوماسية، بحسب «أوبينيو جوريس»، إلى أن هذه الخطوة قد تُعيد تفعيل مذكرة التوقيف بحق نجيم، وتُمهد لتعاون ليبي – دولي جديد في ملفات الجرائم ضد الإنسانية، وربما تُجنّب إيطاليا صدور حكم رسمي بعدم تعاونها مع المحكمة. أما أسامة نجيم، فرغم عودته إلى ليبيا، إلا أن ملفه ما يزال مفتوحًا، والمساءلة القانونية قد لا تكون بعيدة.