مجلة مرتبطة بـ«أفريكوم»: روسيا تحدد مسارها نحو الساحل الإفريقي عبر ليبيا

سلط تقرير لمجلة تابعة لـ«أفريكوم» الضوء على إعادة روسيا رسم خريطة نفوذها بعد خسارة وجودها في سورية عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث بدأت موسكو بتحريك قطعها العسكرية نحو رقعة جديدة على رقعة الشطرنج الجيوسياسية، وتحديدًا باتجاه شرق ليبيا، لتفتح بذلك فصلاً جديدًا من التمدد العسكري الروسي في شمال إفريقيا.
وتضمَّن تقرير مجلة «منبر الدفاع الأفريقي» التابعة للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، تصريحات لخبراء يثيرون خلالها تساؤلات عن أهداف روسيا الاستراتيجية طويلة المدى، وتخوفات من أن يتسبب انتشار المرتزقة والعسكريين في زعزعة استقرار ليبيا والسودان وبلدان أخرى في المنطقة.
قواعد جديدة.. ومطامع قديمة
وقال الباحث في الشأن العسكري أندرو ماكريغور، من مؤسسة «جيمستاون» البحثية، إن روسيا باتت تستخدم قاعدة «الخادم» الجوية، الواقعة على بُعد نحو 100 كيلومتر شرق بنغازي، «كمنصة متقدمة لعملياتها في المنطقة»، مشيرًا إلى أن هذه القاعدة تحولت إلى «مركز لتخزين الأسلحة وتهريب الموارد ذهابًا وإيابًا من منطقة الساحل الإفريقي».
وأضاف ماكريغور، في تحليل نشر في أبريل الماضي، أن «روسيا تكرر اليوم ما وصفه بأحد أبرز إخفاقات العقيد معمر القذافي في ثمانينيات القرن الماضي، حين حاول استخدام السلاح السوفيتي لبسط نفوذ ليبيا في منطقة الساحل»، متابعًا: «الكرملين يعيد الآن استثمار نفس القاعدة الجوية التي استخدمها القذافي للهجوم على تشاد».
طريق مفتوح من سورية إلى إفريقيا
أكدت تقارير إعلامية، بينها «راديو فرنسا الدولي»، أن روسيا بدأت بالفعل في تحريك معدات عسكرية ثقيلة من سورية إلى ليبيا. ففي مايو 2025، انطلقت طائرة شحن ضخمة من طراز «أنتونوف-124» من قاعدة جوية سورية إلى «الخادم»، ومنها إلى باماكو (عاصمة مالي) وواغادوغو (عاصمة بوركينا فاسو)، وفق سجلات الرحلات الجوية.
ورغم عدم وضوح طبيعة الحمولة، فإن حجم الطائرة يسمح بنقل طائرات ومعدات مدرعة ومنظومات دفاع جوي، وقد أظهرت تقارير أن هذه الشحنات غالبًا ما تتجه لدعم أنظمة الحكم العسكرية في دول الساحل، حيث لا تزال جماعات المرتزقة الروس حاضرة بقوة.
8 رحلات من سورية إلى ليبيا خلال شهر واحد
كشفت صحيفة «لوموند» الفرنسية عن توثيقها لثماني رحلات جوية بين سورية وليبيا خلال الفترة من ديسمبر 2024 إلى يناير 2025. وأشارت، نقلاً عن قنوات مرتبطة بجماعات روسية شبه عسكرية على تطبيق «تلغرام»، إلى شحنات أسلحة متنوعة، من بينها مدرعات ثقيلة سبق استخدامها في الأراضي السورية.
وفي مقطع فيديو بثّته تلك القنوات، ظهرت عبارة تقول: «تنظيمات جديدة.. تكنولوجيا جديدة.. أماكن قديمة.. تذكروا جذوركم!»، وهو ما اعتبرته تقارير دلالة على استمرار الحضور الروسي من سوريا إلى ليبيا.
– بوغدانوف من دمشق: روسيا حريصة على وحدة واستقلال وسلامة الأراضي السورية
– في ظل البديل الليبي.. «تباين روسي» حول القبول بالشروط السورية الجديدة
– خبير تركي لـ«بوابة الوسط»: تفاهمات على تراجع روسيا بسورية خطوة والتقدم في ليبيا خطوتين
– تقرير ألماني: تحديات لوجستية أمام نقل الأصول العسكرية لروسيا من سورية إلى ليبيا
تحالف مع حفتر.. وعين على طرابلس
قالت الباحثة لو أوزبورن، من مبادرة «أول آيز أون فاغنر» الاستقصائية، إن النشاط الروسي في قاعدة الخادم يأتي ضمن جهود موسكو لتعزيز شراكتها مع المشير خليفة حفتر، قائد «القيادة العامة» الذي يسيطر على شرق ليبيا.
وأضافت أوزبورن، في تصريح لراديو فرنسا، أن «روسيا ضخت عبر طائراتها تدفقًا لوجستيًا غير مسبوق إلى شرق ليبيا، في ظل تنسيق عسكري وسياسي متصاعد مع حفتر»، مشيرة إلى أن موسكو في الوقت ذاته تسعى للحفاظ على علاقات مع حكومة الدبيبة في طرابلس، وفتحت قنوات تواصل مع دول مثل الجزائر وتونس، وتقول أوزبورن إن هذه البلدان «تحيط علماً بما يحدث في المنطقة، إذ يوجد ملحقون عسكريون، وخاصة في الجزائر، يترددون على ليبيا ويأتون منها».
قاعدة جديدة قرب تشاد والسودان
وفي تطور لافت، أفادت وكالة «نوفا” الإيطالية أن روسيا قامت في ديسمبر 2024 بإعادة تفعيل قاعدة “معطن السارة” الجوية المهجورة، الواقعة قرب الحدود مع تشاد والسودان، بعد نقل قواتها من سوريا.
وأوضح أنس القماطي، مدير «معهد الصادق للأبحاث» في ليبيا، أن الأمر يتعدى مجرد إعادة تشغيل قاعدة جوية، قائلاً لـ«العربي الجديد»: «روسيا بصدد إعادة تمركز استراتيجي لقواتها وعتادها في العمق الإفريقي. القاعدة الجديدة تُمكّن موسكو من مد نفوذها من المتوسط حتى قلب القارة».
وأشار القماطي إلى أن أهمية القاعدة تكمن في قدرتها على تزويد السودان ومالي وبوركينا فاسو بالأسلحة والوقود مباشرة، خاصة في ظل تأمين المنطقة من قبل قوات حفتر، وتأهيل الروس للمدرجات والمخازن العسكرية داخل القاعدة.
رفض حكومي وتحذيرات من التصعيد
في المقابل، أعرب رئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عبد الحميد الدبيبة عن رفضه لما وصفه بـ«تحويل ليبيا إلى ساحة لصراعات القوى العظمى»، محذرًا من أن نقل الأسلحة الروسية قد يعمّق الانقسام الداخلي ويعقّد المشهد السياسي.
وقال الدبيبة في مقابلة مع صحيفة «الغارديان» البريطانية: «لا أحد يرضى بأن تُفرض عليه الهيمنة من قوة أجنبية تسعى للسيطرة على مقدرات الشعب والدولة».
من جانبه، وصف جلال حرشاوي، الزميل في «المعهد الملكي للخدمات المتحدة” في لندن، تصريحات الدبيبة بأنها لحظة فارقة في مسار الوجود الروسي بليبيا.
وقال لـ«الغارديان»: «روسيا عادة ما تتبع سياسة مزدوجة في الشرق الأوسط، تُبقي فيها على مسافة واحدة من الأطراف المتنازعة. لكن هذه التصريحات تكشف أن هذا التوازن قد انهار، وأن موسكو لم تعد قادرة على لعب دور الوسيط المقبول لدى الجميع».