سرور السعادة وراحة العيش

أعلمُ أنني ذكرت، من قبل، اهتمامي بركن سور الأزبكية في القاهرة، حيث تباع الصحف والمجلات القديمة، الذي جعلت له هيئة معرض الكتاب بالقاهرة ركنا سنويا أيام معارضها. وبعد اختفاء هذا السور تحت زحف بضائع عربات الباعة الجوالين على السور، امتدادا لتسلطهم على ميدان العتبة الشهير، اكتفى باعة الكتب القديمة بمنطقة الإسعاف القريبة من مبني القضاء العالي الشهير.
ولا أبالغ، وأنا أعيد ما سبق أن كتبته، أنني كثيرا ما أُخذت بمواضيع كُتبت قبل تسلط النشر الإلكتروني على مصادر المعلومات، لأنها، في الغالب، تنجز بجهد إبداعي ذاتي بعيدا عن «الذكاء الرقمي، الذي تطور إلى صنعة».
مكتبتي لا تزال عامرة بالكثير من مثل هذه الكتب المجلات والقديمة؛ ومنها قرأت مقالا مترجما ومنقولا من مجلة المرأة الكندية عنوانه «ما لا تعرفه المرأة عن كونها أنثى!»، كتبته دكتورة اسمها «ماريون هيلارد»، كانت طبيبة ورئيسة قسم لأمراض النساء والولادة بجامعة تورنتو، وتتناول فيه حالة علمية قيلت عن النساء بسخرية، وسمعتها من رجال أكبر مني سننا منذ أيام صبايا وشبابي عندما كانت زينة المرأة مجرد «الحنة والقرنفل، وخلطة المسك في (المرون)».
لكن لا أدرى كيف توصلوا إلى حقائق قرأتها وفهمتها من خلال المقال، الذي أشرت إليه، وكان منشورا في مجلة كندية باسم «Catelaine»، متخصصة في شئون المرأة منذ سنة 1928، ونشرته، تقول فيه ما معناه:
«واحدة من أهم حقائق خلق الله للبشر حالة فسيولوجية تعتري الأنثى أثبتها العلم، والعديد من المجتمعات تخفيها تماما، ولا توضحها حتى لهن، ناهيك عن الذكور! الطب، بما فيه النفسي، يعرفها، والكثير من المتخصصين تناولوها بالشرح والتوضيح، ومع ذلك الكثير من المجتمعات، إن لم نقل أغلبها، تخفيها تماما حتى عن الإناث. عنوان المقال هو (ما لا تعرفه النساء عن أنوثتهن!)».
ويقرر المتخصصون أن الأنوثة ليست مجرد مظهر خارجي، بل هي حالة ذهنية وسلوكيات، تعكس جوانب مختلفة من شخصية الأنثى. لا يقتصر الأمر على حرصها على جمالها الخارجي، أو ارتداء ملابس معينة، بل يشمل أيضًا جوانب أخرى، مثل العناية بالنفس، والاهتمام بالصحة الجسدية والعاطفية، والتعبير عن المشاعر بطرق صحية، والقدرة على بناء علاقات إيجابية، والثقة بالنفس.
هي حالة ذهنية تعكس احترام المرأة لأنوثتها. تشمل هذه الحالة القدرة على التعبير عن المشاعر بصدق، والاحتفاء بالأنوثة، والتركيز على الجمال الداخلي والخارجي، وهي فوق ذلك مهارات تتمتع بها المرأة، دون سواها، منها القدرة على التواصل الفعال، وحل المشكلات، والتعاطف مع الآخرين، والقدرة على بناء علاقات صحية. هذه المهارات تعزز ثقة المرأة بنفسها، وتجعلها أكثر قدرة على التفاعل مع العالم من حولها.
وهي قوة، لأن المرأة القوية هي التي تحتضن أنوثتها وتستخدمها كقوة داخلية. هذه القوة لا تعني التنافس مع الرجال، بل تعني القدرة على التعبير عن ذاتها الأنثوية بصدق، واتخاذ القرارات بناءً على قيمها الخاصة، والإسهام في المجتمع بطرق هادفة.
وجمالها الحقيقي يكمن في قدرتها على التوازن بين الجمال الخارجي والداخلي، وهو ما يُمكِّن المرأة من أن تكون جميلة من خلال العناية بمظهرها الخارجي، ولكن الأهم لديها هو جمال الروح والقلب، وبالتالي التناغم النفسي.
الأنوثة تلعب دورًا مهمًا في بناء العلاقات الإيجابية مع الآخرين من خلال التعاطف والاهتمام والتواصل الفعال، وهذا ما يمكن المرأة من أن تخلق بيئة صحية وداعمة في علاقاتها الشخصية والمهنية.
الأنوثة لا تعني الاعتماد على الآخرين، بل تعني القدرة على اتخاذ القرارات الخاصة، وتحمل المسؤولية عن الحياة، والاعتماد على الذات، لذا يتعين أن تقدر قيمة ذاتها، وأن تحتفي بأنوثتها، وترضى كل الرضا عنها. هذا التقدير يشمل الاعتراف بنقاط القوة والضعف، والاحتفال بالنجاحات، والتعلم من الأخطاء، وهذه الملكة قوة لا تتوافر بالقدر نفسه في الذكور!
كل هذه المهارات هي التي تجعل من الأنوثة قوة حقيقية ودافعا فعالا في الحياة، فالأنوثة هي، وباختصار شديد، بهجة الهناء وسلوى الحياة.