بينهم وعليهم

بينهم وعليهم

لست أدري هل منهم من قد يتابع ما أبديه هنا من رأي، ويخضعه لمبدأ الموافقة من عدمها، وأوضح أنني أضع تحت نظره أنني كثيرًا ما أذهب لمستجدٍ أشرع في التحدث عنه بعد أن أكون قد فرغت من آخر أو كدت أن أضع القلم بعض الوقت، فما يهم من يقرأ أو يستمع هو ما يجده جاهزًا للقراءة وبالأحرى التلقّي ليس غير، أما أنا فكثيرًا ما أتمنى لو يتاح لي تبيُّن الكثير من هذه الحالات، عسى أن تزيد في حجم المتابعة التي تطمح الكلمة إلى أن تحظى بها.

وهي تحمل ما تنوء به من المعاني والدلالات، وبالجملة الرسائل الرامية إلى كسب المتلقي في تلك الجبهة العريضة التي ليس للكلمة الشريفة من هدف أكثر من مهمة تبليغها وإثارة أكبر قدر من الحوار المتعلق بها، وذلك منذ أن شاءت الأقدار أن تكون الغلبة في التعبير لأدب الحياة، والذي اصطُلح على تسميته بالالتزام، وتجليات ذلك في أكثر من جنس أدبي.

ومع أن هذا التوجه يعود تاريخيا إلى انقشاع ظلام الاستعمار الفاشي وانطلاق المشروع الوطني الرامي إلى استقلال البلاد وانخراط شباب تلك الأيام في الأنشطة المرافقة، تلك التي عرفتها مدينتا بنغازي وطرابلس وفقًا للمتيسر والمتاح من العمل النقابي وشبه الحزبي، كما تشهد صحف تلك الأيام، والتي لا يعيبها أن يكون بعض الذين نبّهوا إليها لم يكونوا من الليبيين وحدهم، إذ من الأمانة أن نحفظ لغير الليبيين من العرب والأجانب دورهم في الحض على سلوك نهجها.

إن يكن بعض السودانيين والشوام قد كانوا ظاهرين بها، فإن عديد الإيطاليين من أعداء الفاشية وحملة بعض الأفكار الاشتراكية قد كان دورهم شديد البروز، كما أن حرص الإنجليز على المسارعة بالتحذير من تحركاتهم كان شديد البروز أيضا.

حتى إن الأخبار المتعلقة بإبعادهم لا تزال محفوظة في عديد الوثائق التي دونت أخبار المرحلة وما تعرض له بعض المتحركين بها من سرعة الانتباه إليهم والتحذير من عواقب وعيهم بأهمية طي صفحة الماضي بين الليبيين والإيطاليين رغبة في التوجه للمستقبل والذي كان من أولوياته تمكين الشعوب التي أُجلِيَ عنها المستعمرون (مثل ليبيا) من حكم نفسها بنفسها وبجهود الموجودين فوق أرضها جميعًا.

الأمر الذي لم يرق للقادمين الجدد، أولئك الذين من أول أولوياتهم السياسية إثارة النعرات لما تسمح به من تشتيت الجهود وإشغال الشعوب بالحديث عن الماضي والانشغال الدائم عن المستقبل وما يتطلبه من التسامح وتوحيد الجهود وتبادل الخبرات للتخلص من تركة الماضي ورواسبه الهدامة والرهان المستمر على المشاركة الدؤوبة والإصرار على تمرير الممكن والحذر كل الحذر من المتطوعين بالعمل على إقصاء كل ذي رأي مختلف وشخصية واضحة وتجربة عمرية ملموسة، إنها المقومات التي يحتاج صاحبها لإعلانها ولكنها تعلن عن وجودها بشكل واضح وجلي، بما يلمسه كل معني.

فلا يملك غير أن يحتفي ويعترف ويختشي، فإن سأل سائل عن علاقة هذا المختتم بما قد بدأت به هذه السطور، قلت إنها نتاج من اقتفينا أثرهم وترسّمنا خطاهم ودوَّنا المتيسر بشأن دورهم وعظيم أثرهم. أولئك الذين نأمل أن نفرد لهم المساحات الكافية وتحت هذا العنوان (منهم وعنهم).