د. عبير عيسى تتحدث مع «الوسط»: الرياضة النسائية تتطلب تغييراً مجتمعياً ودعماً فعلياً

في فضاء البحث الأكاديمي والتطبيق الميداني تبرز شخصية علمية ليبية نسائية استطاعت أن تحفر اسمها بجدارة في مجالات التربية البدنية والرياضة المجتمعية، وتقدم نموذجاً متكاملاً بين التنظير الأكاديمي والعمل المجتمعي والمبادرات التنموية، إنها أستاذ دكتور عبير رجب مسعود عيسى، عضو هيئة التدريس بكلية التربية البدنية بجامعة الزاوية، وعضو الرياضة للجميع باللجنة الأولمبية الليبية، وعضو لجنة الرياضة النسائية بالاتحاد العربي.
لكنّ الدكتورة عبير لم تتوقف عند حدود التدريس الجامعي، بل تجاوزت ذلك لتضع خبراتها في خدمة قضايا المجتمع الليبي، خاصة في مجالات تمكين المرأة رياضياً وتوعوياً، وتنشيط السياحة الرياضية في الجنوب الليبي، حيث شاركت في العديد من المبادرات الميدانية التي تستهدف إحياء الرياضة في مناطق مختلفة من البلاد، كما لعبت دوراً محورياً في تجربة أطفال درنة بعد كارثة عاصفة دانيال، حيث قادت أنشطة علاجية مبتكرة في الوسط المائي لمساعدة الأطفال على تجاوز آثار الصدمة النفسية التي خلفتها العاصفة، مستفيدة في ذلك من خبرتها في السباحة وبرامج الدعم النفسي عبر الرياضة.
وتأكيدًا على انفتاحها البحثي، عملت الدكتورة عبير على استحضار التجارب العربية والدولية في التعامل مع الأزمات والحروب، من لبنان والمغرب وسورية إلى تجارب دولية في الدعم النفسي الرياضي، محاولة تكييفها مع السياق الليبي بما يتناسب مع خصوصيته الاجتماعية والثقافية.
– للاطلاع على العدد «504» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
ولم تغفل الدكتورة عبير جانب التوعية النسائية، حيث قدّمت سلسلة محاضرات للمرأة الليبية حول أهمية ممارسة الرياضة ودورها في تعزيز الصحة النفسية والجسدية والتمكين المجتمعي، كما تستعد لتنظيم مؤتمر علمي جديد يُعقد الثلاثاء المقبل، يركز على دعم ذوي الإعاقة من خلال إدماجهم في برامج رياضة اليوغا، في مسعى لفتح آفاق جديدة أمام هذه الفئة للمشاركة في الأنشطة البدنية بأسلوب علمي يجمع بين العرض النظري والتطبيق العملي.. أمام كل هذا الرصيد كان هذا الحوار الخاص مع جريدة «الوسط»:
• في البداية.. كيف يمكن تحفيز المجتمع الليبي لدعم رياضة المرأة؟
– يتطلب الأمر اعتماد استراتيجية متعددة المحاور تجمع بين التوعية والتطبيق العملي، وإشراك كل مكونات المجتمع، لذا التوعية والتثقيف يعدان الخطوة الأولى من خلال نشر قصص نجاح الرياضيات الليبيات، لتكون نماذج ملهمة تشجع الفتيات على خوض غمار المنافسات الرياضية بثقة وشغف، كما لا بد من الدعم المجتمعي، خاصة من داخل الأسرة، عبر تشجيع الأهل لبناتهم ومنحهن المساحة الكافية. كما ندعو إلى تعزيز دور المدارس عبر توفير برامج رياضية نسائية مستدامة داخل المنظومة التعليمية.
• هل للاتحادات الرياضة دور مباشر؟
– بالطبع وبنفس الشكل هناك أهمية لعمل الاتحادات المختلفة لتوسيع قاعدة المشاركة، إلى جانب تفعيل دور وسائل الإعلام في تسليط الضوء على تجارب الرياضة النسائية وتغيير الصورة النمطية عنها في المجتمع. وتطوير البنية التحتية الرياضية المخصصة للنساء أمر لا غنى عنه، من خلال إنشاء ملاعب ومرافق رياضية آمنة ومجهزة، مع ضرورة توفير المدربين المؤهلين والمعدات اللازمة لخلق بيئة محفزة للفتيات، أيضا التحفيز المادي والمعنوي مهم جدا، مع ضرورة تنويع البرامج الرياضية المتاحة للفتيات بما يتناسب مع مختلف الأعمار والمستويات، لذا لا بد من بناء تحالفات بين الجهات الرسمية والاتحادات الرياضية والمدارس والمجتمع المدني، مع الاستعانة بالخبرات والمنظمات.
• ما أبرز التحديات الاجتماعية والثقافية التي لا تزال تواجه الرياضة النسائية؟
– الرياضة النسائية في ليبيا ما زالت تصطدم بجملة من العقبات الاجتماعية والثقافية التي تحد من انتشارها وتطورها، أبرزها القيود الأسرية، حيث لا تزال بعض العائلات تمنع أو تتحفظ على مشاركة الفتيات في الأنشطة الرياضية، مدفوعة أحياناً بمخاوف تتعلق بالسلامة أو بسبب التحفظات الاجتماعية المرتبطة بقضية الاختلاط. والمرأة الليبية تواجه أيضاً تمييزاً بين الجنسين في المجال الرياضي، فضلا عن ضعف الدعم المالي المخصص للرياضة النسائية يمثل عائقاً حقيقياً أمام إطلاق برامج رياضية مخصصة للفتيات والسيدات، خاصة مع غياب الخطط التمويلية المستدامة التي تراعي خصوصية هذا القطاع.
• هل للعادات والتقاليد أي دور في الأمر؟
– بالتأكيد على الصعيد الثقافي، العادات والتقاليد في بعض المناطق الليبية لا تزال تنظر إلى ممارسة المرأة للرياضة كأمر غير مقبول اجتماعياً، مما يخلق حواجز نفسية واجتماعية أمام الفتيات الراغبات في ممارسة النشاط البدني، وهنا تجدر الإشارة إلى قلة الكوادر التدريبية النسائية المؤهلة، حيث تعاني الرياضة النسائية من نقص في المدربات المتخصصات القادرات.
• ما الرسائل الأساسية التي توجهينها للمرأة الليبية حول أهمية ممارسة الرياضة؟
– الرياضة وسيلة فعالة لتحسين الصحة الجسدية، من خلال الوقاية من الأمراض المزمنة التي قد تصيب النساء مع تقدم العمر، كما أن لها دوراً محورياً في تعزيز الصحة النفسية عبر تخفيف حدة التوتر والقلق وتحسين المزاج العام، وهو ما ينعكس بدوره على رفع مستوى الثقة بالنفس، وممارسة المرأة للرياضة يسهم أيضاً في تمكينها داخل المجتمع، من خلال تطوير قدراتها الذاتية وتحقيق أهدافها الشخصية والمهنية، فضلاً عن أنها تفتح أمامها المجال لبناء علاقات اجتماعية جديدة تعزز من شبكة تواصلها مع الآخرين، فالرياضة تُعد مدخلاً للمشاركة المجتمعية.
• كيف وُلدت فكرة مشاركة أطفال درنة في أنشطة رياضية بعد كارثة العاصفة دانيال؟
– انبثقت من تخصصي الأكاديمي والمهني في مجال السباحة، ومن خبرتي الطويلة في تقديم المحاضرات المتخصصة حول أساليب تعليم السباحة للمبتدئين وكيفية إزالة عامل الخوف من الماء، الأطفال في درنة كانوا قد ارتبط لديهم الماء بمشاعر الخوف والرعب بسبب الكارثة التي تعرضوا لها، وهو ما دفعني إلى ابتكار برنامج علاجي وتدريبي داخل الوسط المائي يهدف إلى تحويل هذا الخوف إلى طاقة إيجابية تساعد الأطفال على التكيف النفسي مع بيئتهم مجدداً، والتدريب داخل الماء لا يقتصر على الجانب البدني فقط، بل يشمل أيضاً تقنيات تساعد في تخفيف القلق والتوتر وتعزيز الثقة بالنفس، إلى جانب أهمية السباحة كوسيلة فعالة لحل العديد من المشاكل النفسية والانفعالية لدى الأطفال، عبر أنشطة مدروسة تساعدهم في استعادة الإحساس بالأمان داخل الماء.
• هل هناك حاجة لتوظيف الرياضة في برامج الدعم النفسي بالمناطق المنكوبة؟
– ليبيا تحتاج بشدة إلى استراتيجية وطنية شاملة تُعنى بتوظيف الرياضة كأداة فعالة في برامج الدعم النفسي بالمناطق المنكوبة، خاصة في ظل ما خلفته الكوارث الطبيعية والأزمات من تداعيات نفسية عميقة على المتضررين، لا سيما الأطفال، ويجب أن تقوم الاستراتيجية على تصميم برامج رياضية مخصصة تلبي احتياجات الفئات التي تعرضت للصدمات النفسية، بحيث تكون الأنشطة الرياضية جزءاً من عملية التعافي الشامل، وليس مجرد أنشطة ترفيهية عابرة.
• ما أبرز التجارب العربية والدولية التي يمكن الاستفادة منها؟
– استندت في تجاربي البحثية إلى رصد ودراسة عدد من التجارب العربية المهمة التي وظفت الرياضة كوسيلة دعم نفسي خلال الحروب والكوارث، وتبرز تجربة لبنان خلال الحرب الأهلية، حيث جرى استخدام الرياضة كأداة لرفع الروح المعنوية وتعزيز الوحدة الوطنية في وجه الانقسامات، وفي المغرب بعد الزلزال المدمر، كانت وسيلة لدعم المتضررين وتخفيف آثار الصدمة، إلى جانب التجربة السورية خلال الحرب، التي ركزت على تقديم الدعم النفسي للرياضيين المحترفين والهواة على حد سواء، وأخرى في العراق في ظل الحرب ضد تنظيم داعش، حيث نُفذت أنشطة رياضية موجهة للأطفال للمساهمة في إعادة تأهيلهم نفسياً.
• كيف تقيّمين إمكانات الجنوب الليبي في استضافة فعاليات السياحة الرياضية؟
– الجنوب الليبي يمتلك مقومات واعدة تؤهله ليكون وجهة مميزة للسياحة الرياضية، بفضل ما يتمتع به من مناظر طبيعية خلابة وتراث ثقافي متنوع، يجمع بين الأصالة والفرادة الجغرافية، مما يتيح له أن يصبح مقصداً مهماً للسياحة الرياضية على المستويين المحلي والدولي، وطبيعة الجنوب الليبي تسمح بتنظيم العديد من الفعاليات الرياضية النوعية، لا سيما رياضات الصحراء مثل سباقات السيارات الصحراوية، وركوب الدراجات في الطرق الوعرة، والتزلج على الرمال، وهي أنشطة تجذب فئات واسعة من السائحين والرياضيين الباحثين عن المغامرة والتجديد.
• كيف تقيّمين المؤتمر العلمي الدولي لعلوم الرياضة في مصراتة؟
– هناك مؤتمر علمي دولي ينتظر أن تنظمه كلية التربية البدنية بجامعة مصراتة بالتعاون مع المجمع العلمي العربي لعلوم الرياضة، تحت عنوان «الرياضة العربية وصناعة البطل الأولمبي.. التحديات والفرص»، والمقرر عقده يومي 22 و23 يوليو الجاري. والمؤتمر يمثل فرصة علمية كبيرة لتبادل الخبرات والأفكار بين الأكاديميين والمهنيين في المجال الرياضي عربياً، والمؤتمر سيخصص مساحة مهمة لعدد من القضايا الحيوية، منها الرياضة النسائية عبر ورش العمل التي تركز على تحديات الواقع.
– للاطلاع على العدد «504» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
فضلاً عن تنظيم دورة تدريبية تحت عنوان «شجع طفلاً.. اصنع بطلاً»، وهي ورشة تهدف إلى دعم ثقافة إعداد الأبطال الرياضيين منذ الصغر، وهناك محور خاص ضمن المؤتمر يعالج التحديات التي تواجه السيدات من ذوي الإعاقة المتعددة، حيث سيجرى تقديم محاضرات متخصصة حول كيفية التعامل مع حالات مثل ضمور العضلات وتمكين هذه الفئة من الانخراط في الرياضة بشكل آمن وفعّال.
• أخيرا.. ما دور اليوغا في تحسين جودة حياة ذوي الإعاقة؟
– اليوغا مهمة كوسيلة لتحسين جودة حياة ذوي الإعاقة، وشاركت في الدورة التدريبية الدولية لليوغا التي عقدت مؤخراً بالمركز الأولمبي للفرق القومية في المعادي بمصر، والتي نظمها الاتحادان العربي والمصري للرياضة للجميع بالتعاون مع الاتحاد الآسيوي لليوغا برئاسة الدكتورة نوف المروعي، وبيّنت أن الدورة ركزت على «اليوغا لذوي الإعاقة المتعددة: رحلة نحو الاستقلالية والتمكين»، فاليوغا تشكل أداة فعالة لتحسين المرونة، والتوازن، والقوة الجسدية لدى الأشخاص ذوي الإعاقة. كما تساعد على تحسين التحكم في الجسم، وتعزيز التنفس السليم، وتحقيق الاسترخاء النفسي، مما ينعكس إيجاباً على الثقة بالنفس والقدرة على الاستقلالية. وضعيات اليوغا يمكن تعديلها لتناسب احتياجات ذوي الإعاقة المتعددة، مع إمكانية استخدام أدوات مساعدة مثل الكراسي والحبال، وتقديم برامج تدريب فردية تراعي الخصوصية الجسدية لكل حالة.
عبير عيسى تتسلم تكريم من دكتور عماد البناني في مصر. (أرشيفية: الإنترنت) مشاركة في تتويج إحدى الفرق الليبية الفائزة ببطولة. (أرشيفية: الإنترنت)
د. عبير عيسى خلال ممارستها رياضة اليوغا. (أرشيفية: الإنترنت)
د. عبير وسط حضور نسائي خلال المشاركة في أحد المؤتمرات. (أرشيفية: الإنترنت)
رالي سيارات. (أرشيفية: الإنترنت)