في إطار مهرجان طرابلس الدولي… ندوة “المالوف” تثير تساؤلات حول مراحل تطوره

في إطار مهرجان طرابلس الدولي… ندوة “المالوف” تثير تساؤلات حول مراحل تطوره

ضمن فعاليات مهرجان طرابلس الدولي للمالوف في نسخته الثانية عشرة، احتضنت قاعة كاظم نديم بالهيئة العامة للسينما والمسرح بشارع الزاوية، ندوة حوارية أدارها الشيخ عبدالسلام بن سعيد بمشاركة الباحث والموسيقي التونسي فتحي زغندة، ومدير مركز بحوث ودراسات الموسيقى العربية أحمد دعوب، وقدم كلاهما وجهة نظره وتساؤلاته عن واقع ومستقبل تراثنا الموسيقي.

حقيقة موسيقى المالوف
الباحث التونسي فتحي زغندة تحدث عن تطور الموسيقى الأندلسية في المغرب العربي مسجلا عدداً من الملاحظات النقدية حول التراث الموسيقي المغاربي والتسميات الموسيقية متسائلاً: أُثيرت عدة تساؤلات حول حقيقة ما كتِب عن موسيقى المالوف والموسيقى المغاربية عموماً، ومنها أعمال زرياب التي يُقال إنه ألف عن آلاف «الأغاني»، ولكن أين هي هذه المؤلفات؟ لا نجد منها سوى خمس أغانٍ فقط، فأين ذهب هذا الإرث؟ هذه الفجوة تدفعنا للتشكيك في الكثير مما نُسِب إليه.

«حين يُقال إن العرب في العصر العباسي – وهو عصر يُعد نهضة ثقافية كانوا يغنون، فإن الشاهد الوحيد تقريباً هو كتاب الأغاني الذي ينقل الروايات بطريقة سردية أدبية، ولكن دون أي توثيق موسيقي. بمعنى آخر، لا يمكن لموسيقي اليوم أن يعيد بناء لحن بناءً على ما ورد في تلك الكتب. هي نصوص أدبية وليست موسيقية، ومهما حاولنا الاجتهاد، سنبقى أمام فراغ كبير من حيث التدوين الصوتي الحقيقي»، هكذا أضاف الباحث فتحي زغندة.

– للاطلاع على العدد «504» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وواصل «حتى فيما يخص تسميات الطبوع، نلحظ طابعاً اعتباطياً واضحاً في بعض الأحيان. على سبيل المثال، نجد مصطلحات إيقاعية مثل الرمل وخفيف الرمل، بينما في سياق الطبوع تُستخدم نفس الكلمات ولكن بمعانٍ مختلفة. وقد يفسر البعض كلمة خفيف مثلًا على أنها تعود إلى طريقة العزف بإصبعين متباعدين، وهو تأويل بعيد الاحتمال لكنه مطروح».

أسئلة الطبوع والنوبات
سؤال آخر يُطرح: لماذا لا توجد نوبات في طبع «محير السيكا» أو «محير الرا» في تونس؟ رغم أن هذين الطبعين موجودان فعلاً في الموسيقى الشعبية الحضرية، إلا أنهما لا يُعدان من الطبوع الكلاسيكية. ومع ذلك، حاول الموسيقار الراحل صلاح المهدي سد هذه الفجوة، فألّف نوبتين جديدتين: واحدة في «محير السيكا»، وأخرى في «المحير الشرقي». وقد تولّيتُ بنفسي أداءها صوتياً وتوثيقها، رغم أنها لم تُسجل في حينها من قبل أحد.

يتجه زغندة إلى نقطة أخرى مثيرة للاهتمام تتعلق بالجد والهزل معلقا: في بعض الزوايا بليبيا، نلاحظ أن نفس المجموعة تؤدي الأناشيد الجادة وأخرى ذات طابع هزلي، وهذه الظاهرة موجودة كذلك في بعض المدن التونسية مثل تسطول، حيث تتولى نفس الفرقة أداء نوعين مختلفين من الأعمال.

ويقف في خلاصته على سؤال مهم وجوهري: أين هو هذا التراث؟ نسمع عنه كثيراً، ولكن ما الذي وصلنا فعلياً؟ الحقيقة أن ما تبقى بين أيدينا لا يُمكن أن يُعطي صورة دقيقة وكاملة عن هذا الموروث، فهو لا يزال مُبهمًا، متفرقًا، ومهددًا بالاندثار.

مسار موسيقي وتحولات
الباحث أحمد دعوب يتتبع مسار دخول هذا الفن (المالوف) إلى ليبيا مع توضيح تضاربات الآراء حول كيفية دخوله بسبب انعدام المراجع التاريخية الدقيقة التي توثق هذه المرحلة وتوضح تفاصيلها كما وصف، فمن الباحثين من ينسب دخول هذا الفن إلى الموسيقار الشاعر الصنهاجي أمية بن عبدالعزيز بن أبي الصلت، بينما يرى آخرون دخوله عبر الطريقة العيساوية، التي يُعتقد أنها وصلت إلى طرابلس في القرن السادس عشر للميلاد.

دعوب يشير إلى وجهات نظر أخرى منها وجهة نظر الباحث عثمان الكعاك، في تأريخه بأن هجرة عرب إشبيلية إلى مدينتي طرابلس وتونس كانت في القرن السابع الهجري، وهو ما يعزز الفرضية التي تقول إن فن المالوف دخل إلى ليبيا كلون غنائي خلال تلك الفترة.

ودلل دعوب على تأكيدات هذا الطرح، بوجود القطع الموسيقية الخالية من الغناء، والمعروفة باسم التوشية، وهي مقطوعات موسيقية أندلسية دخلت مع فن المالوف، ولا تزال تُؤدى ضمن نوبة المالوف التونسية حتى اليوم.

وأردف دعوب أن الدكتور صالح المهدي، أكد في حوار أجراه معه الصحفي أحمد عزيز في مجلة الإذاعة، أن هذه التوشيات الموسيقية دخلت إلى ليبيا، مشيراً إلى أن ما جرى توثيقه منها لم يكن سوى ما كان يردده أو يعزفه المرحوم الشيخ علي الحداد على آلة الغيطة، برفقة المرحوم الشيخ أبوبكر شقلب على الإيقاع، وقد جرى تسجيل هذه المقاطع في بداية الستينيات من القرن الماضي عبر الإذاعة الليبية.

التحريف وتعدد الطبوع
وفيما يؤكد الباحث على أن فن المالوف وصل إلينا جيلاً بعد جيل اعتمادًا على السمع والرواية الشفوية، جعله في المقابل عرضة للتأثر بمرور الزمن. ونظراً لقلة المراجع التي تؤرخ دخوله إلى ليبيا وتوثق مراحله وأطواره، فقد تعرض شأنه شأن جميع الفنون المتوارثة شفوياً إلى قدر غير قليل من التلف والتحريف.

– للاطلاع على العدد «504» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

يواصل: لا شك أنه فن مغاربي محض، يتمتع بخصوصيته وشخصيته الفنية التي تعكس هوية المنطقة. وقد وضع روّاد هذا الفن قواعد وأصولًا صارمة، من أبرزها أن تُلحن النوبة على طبع موسيقي معين لكن في نوبة المالوف الليبية يختلف الأمر تماماً، إذ نجد أن المنشد أو الشيخ يخلط في نوبته بين عدة طبوع موسيقية، وهو خلط لا يبدو مقصوداً بل يُرجح أنه عفوي وتلقائي، وله أسبابه، منها: ضعف الثقافة الموسيقية لدى بعض الناقلين والاعتماد على النقل والتوارث الشفهي دون تدوين كذلك محاولة تعويض النقص في بعض النوبات أو المقاطع.

ويسجل دعوب من ضمن الملاحظات أن غياب وحدة الموضوع في نوبة المالوف الليبية، إذ تتنوع أغراض القُوْبة ما بين المديح والتوحيد والغزل وغيرها، دون فصل واضح. ويرجع ذلك من وجهة نظره إلى أن انخراط فن المالوف في الزوايا الصوفية كان السبب الرئيسي في هذا التداخل، حيث أصبحت هذه الزوايا المصدر الوحيد لممارسة وتداول المالوف.

جانب من الحضور في الندوة، 10 يوليو 2025. (الإنترنت) جانب من الحضور في الندوة، 10 يوليو 2025. (الإنترنت) جانب من الحضور في الندوة، 10 يوليو 2025. (الإنترنت)